هل اليورو آيل إلى الارتفاع فعلاً؟
لا شيء محسوم لناحية عودة اليورو إلى الارتفاع في المدى المنظور، لأنّ هذا الجواب لا يمكن التنبّؤ به من دون الخوض في تفاصيل:
1- الحرب الأوكرانية – الروسية ونتائجها على الأرض. فهل تتوسّع لتشمل مناطق أوروبية أخرى؟ هل تتصاعد حدّة المعارك أو تنحصر في شرق أوكرانيا؟
2- العقوبات المفروضة على روسيا، والإجراءات الانتقامية التي قد تتّخذها موسكو ضدّ الأوروبيين والغرب عموماً، خصوصاً إذا ما استمرّت بقطع الغاز عن القارّة الأوروبية أو لجأت إلى خيار خفض الإنتاج بالاتفاق مع دول “أوبك بلاس”، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي لم تفضِ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لها إلى تحقيق أيّ مكسب نفطي لناحية رفع الإنتاج.
3- الإجراءات الحمائية التي تتّخذها الولايات المتحدة، مثل رفع الفائدة، وعدم قدرة القارّة الأوروبية على مجاراتها أو السير بمثلها.
فانخفاض سعر صرف اليورو سببه المباشر الأوّل هو التضخّم، الذي ضرب العالم كلّه، نتيجة فيروس كورونا، ولاحقاً الحرب في أوكرانيا. إذ لجأت الولايات المتحدة جرّاء ذلك إلى رفع الفائدة، وكانت هذه الزيادة هي الكبرى بين الزيادات التي قرّرها “الاحتياطي الفيدرالي” منذ عام 1994. كان وقع رفع الفائدة في الولايات المتحدة كوقع “الثقب الأسود” على رؤوس الأموال، التي انجذبت صوب الولايات المتحدة كالسيل الجارف من أجل تحقيق الأرباح، فأثّرت على جميع رؤوس الأموال حول العالم، وخصوصاً الأموال في القارّة الأوروبية التي اضطرّت إلى التخلّي عن اليورو من أجل الدولار، وهذا سبب إضافي آخر يبرّر ارتفاع الدولار مقابل اليورو.
السعر بيد موسكو.. والشتاء
لم يتمكّن المصرف المركزي الأوروبي من مجاراة الإجراءات الأميركية، لاعتبارات تتعلّق بالاقتصاد الأوروبي الضعيف. يقول خبراء أوروبيون إنّ رفع الفائدة في دول الاتحاد الأوروبي قد يتسبّب بمزيد من الركود الاقتصادي، المترافق أصلاً مع ارتفاع مقلق في أسعار الطاقة التي تمسكها روسيا من ناصيتها، وتهدّد بواسطتها الاقتصاد الأوروبي برمّته. ليس هذا فحسب، بل إنّ هذه الأسعار باتت سبباً لاستقالة عدد من رؤساء الحكومات الأوروبية، إذ أدّت، ولو بشكل موارب وغير مباشر، إلى استقالة بوريس جونسون في بريطانيا، وماريو دراغي في إيطاليا، وهي تهدّد المستشار الألماني أولاف شولتز بالأمر نفسه اليوم.
تؤثّر أسعار الطاقة في القارّة الأوروبية بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج، وستفتك مع الوقت بأسعار السلع التي سترتفع متأثّرة بالتكاليف الطارئة والمرتفعة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تراجع منافسة السلع الأوروبية، أي إلى تراجع الطلب على عملة اليورو لانتفاء الحاجة إليها.
إقرأ أيضاً: هل يطبع سلامة ورقة الـ5 مليون؟قد يأخذنا هذا كلّه إلى تصوّرات أشدّ تشاؤماً عن مصير سعر صرف اليورو، خصوصاً مطلع فصل الشتاء المقبل، إذ يبدو أنّ أسعار الغاز الضروريّ للمصانع في أوروبا كلّها ستخلق مشكلة إضافية تفوق أزمة التصنيع والتصدير، وهي مشكلة التدفئة التي باتت اليوم تؤرّق القارّة العجوز، وتنبىء صراحة بأنّ مستقبل سعر صرف اليورو صعوداً أو هبوطاً ربّما يكون مرتبطاً بمدى استعداد الغرب لرفع العقوبات عن روسيا أو تشديدها أكثر، وهذا يدلّ على أنّ سعر صرف اليورو قد يكون مرتبطاً بشكل وثيق بقرارات موسكو!