هل سأل السياسيون والمسؤولون أنفسهم ماذا سيحصل للإقتصاد والسيولة ما بعد موسم الصيف الواعد؟ وكيف ستُدار البلاد عندما سينفد ما تبقى من الإحتياطي والعملات الصعبة؟ وكيف سيُموّل الوقود وأدنى الحاجات الإنسانية الأساسية؟
نحن اليوم، كلنا على متن سفينة واحدة، لكن لسوء الحظ، تتسرّب إليها المياه من كل الجهات، وقد صار أكثر من ثلاثة أرباع المركب مغموراً بالمياه، التي تقتحمه من كل الجهات بغزارة، فيما الركاب على متنه، كلٌ منهم يُجذّف على نحو مغاير للآخر. فالسياسيون يُجذّفون نحو الإستحقاق الرئاسي المقبل بعد أربعة أشهر، في ظل بعض الإتفاقات السياسية الداخلية والإقليمة والدولية، وينتظرون أياد خارجية ترمي لهم عوّامات الخلاص.
أما الشعب اللبناني، فيُجذّف ليلاً ونهاراً لمحاولة تأمين لقمة عيشه، وتوفير أدنى حاجاته الإنسانية والمعيشية، ولا يستطيع أن يُخفّض أكثر من يوم بعد يوم، وساعة بعد ساعة، فأولوية هؤلاء المواطنين هي التجديف لتأمين ربطة الخبز المفقودة، والدواء المقطوع، والإستشفاء المستحيل، والوقود الباهظ الثمن، ويفقد قوته يوماً بعد يوم، لكنه لا يستسلم.
أما المجتمع الدولي، فمن جهة لا يريد أن تغرق سفينة لبنان، لكن في الوقت عينه لم يعد لديه ثقة لتأمين أي مساعدات مالية وإنسانية أو حتى أن يقوم بأي إستثمارات إنمائية في ظل الفساد المستشري وإستدامة السياسيين المسؤولين عن هذا الإنهيار. فالسياسيون اللبنانيون فقدوا صدقيتهم وليس لديهم رؤية مشتركة، لإعادة هيكلة الدولة ووضع البلاد على السكة الصحيحة. فالمجتمع الدولي يُجذّف نحو صندوق النقد الدولي كالجزيرة الوحيدة التي يُمكن أن ترسو عليها هذه السفينة الغارقة.
إذاً، هذا المركب اللبناني يغرق أكثر يوماً بعد يوم، وعلى متنه ما تبقى من الأحياء، لكن الكل يُجذّف نحو المصلحة الخاصة، بعيداً عن مصالح الشعب اللبناني المشروعة، وعن أي جزيرة قريبة يُمكن أن ترسو عليها لبدء إصلاحها.
الحقيقة المرّة التي تُواجه الإقتصاد اللبناني، والتحديات غير المسبوقة في تاريخه، هي أن كل فئة تُجذّف، فيما المياه تتسرّب أكثر فأكثر، ويُستنزف يوماً بعد يوم ما تبقّى من الإحتياط في مصرف لبنان المركزي، ويقترب اليوم حينما تنفد كل العملات الصعبة، حيث نفدت كل السيولة بالعملات الأجنبية، ولم يعد للدولة أي وسيلة لتمويل حاجات لبنان واللبنانيين الإنسانية والبديهية.
إن الحل الوحيد لإنقاذ هذه السفينة الغارقة وتخليص ركابها هو التجذيف سوياً نحو اتجاه موحد وجزيرة آمنة، هو الإتفاق على استراتيجية مشتركة، ورؤية موحدة، لوقف تسريب المياه وبدء الإصلاح.
أما مشاهدة هذا الإنهيار والإنتظار لصفقات داخلية وإقليمية ودولية، فستكون على حساب لبنان واللبنانيين، وسيدفع ثمنها غالياً بلد الأرز وشعبه وإقتصاده ومؤسساته. وعوضَ أن يكون لبنان المفاوض الرئيسي لمستقبله، سيكون ورقة تفاوض بين الدول، وسيدفع ثمن إتفاقات وصفقات خارجية.
إذا أردنا أن يكون لبنان على طاولة التفاوض، علينا أن نكون صوتاً واحداً ولدينا خطة إقتصادية وإجتماعية موحّدة، وأن نحاول أن نكون لاعباً أساسياً وليس ورقة ركيكة بين أيادي المفاوضين. وإذا أردنا خلاص هذه السفينة الغارقة، على كل الركاب الذين هم على متنها محاولة التجذيف نحو اتجاه موحد بدلاً من تجذيف كل مجموعة من جهتها، ولمصلحتها.
د. فؤاد زمكحل