على الرغم من عدم اليقين المحيط بإجراءات الرئيس الأميركي “جو بايدن” لمعالجة أزمة ارتفاع أسعار الوقود في السوق المحلي من خلال السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي تارة أو محاولات حث شركات الطاقة على ضخ المزيد من الخام تارة أخرى، إلا أن كل ذلك لا يجب أن ينسي الأسواق أن الأزمة الحقيقية ليست النفط أو الغاز، ولكنها الديزل.
ترجع الأزمة إلى أشهر طويلة سابقة لفصل الصيف حيث ارتفع الطلب بشكل ملحوظ في أميركا على الديزل، لكن في المقابل ظل المعروض عند أدنى مستوى موسمي على الإطلاق لذلك الوقت من العام.
والآن، وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة، فإن الولايات المتحدة أمامها إمدادات تكفي فقط استهلك 25 يوماً، وهو المستوى الأدنى منذ عام 2008، لكن متوسط المعروض من مخزونات نواتج التقطير (التي تشمل وقود التدفئة والديزل) ارتفعت إلى أعلى مستوى موسمي منذ عام 2007.
ما ردة فعل البيت الأبيض؟
باختصار، فإن المعروض المنخفض بشكل قياسي يرجع إلى عدة أسباب من بينها اللوائح التنظيمية المعقدة في أميركا مما أدى إلى نقص تاريخي في طاقة التكرير لا يمكنه تلبية الطلب المرتفع.
وأصبح النقص في وقود الديزل المستخدم للتدفئة والشاحنات وقطارات الشحن والسفن بشكل عام للحفاظ على استمرار التجارة والشحن، مصدر قلق رئيسي لإدارة الرئيس الأميركي “جو بايدن” مع اقتراب فصل الشتاء.
ورغم ادعاءات البيت الأبيض بالشعور بقلق عميق حيال أزمة الديزل القادمة، إلا أنه لا يفعل شيئًا على الإطلاق إلى جانب استنزاف احتياطي النفط الاستراتيجي الذي لا يزيد حتى من إنتاج الديزل.
تأتي أزمة الديزل التاريخية قبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي بالكونغرس الأميركي لتؤدي بالتأكيد إلى رفع الأسعار للمستهلكين الذين ينظرون بالفعل إلى التضخم والاقتصاد كقضية تصويت رئيسية.
فبحسب بيانات AAA، ارتفعت أسعار التجزئة للوقود بشكل مطرد لأكثر من أسبوعين عند 5.324 دولارًا للغالون، وهو ما يعني أن الأسعار أعلى بنسبة 50٪ من هذا الوقت من العام الماضي.
والأزمة الأكبر هنا تكمن في احتمالية نفاد الوقت وأن تكون الأمور خرجت عن السيطرة مع استنزاف الاحتياطيات خاصة مع دخول مصافي التكرير موسم الصيانة وكذلك استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وما يصاحبها من اضطرابات في سوق الطاقة.
الأزمة والحلول
ترجع الأزمة لعدة أسباب هي: أولاً، تعافى الطلب المحلي على الديزل بشكل يفوق الطلب على البنزين ووقود الطائرات بعد تضرر الطلب من تأثير الجائحة، مما أدى إلى استنزاف المخزونات.
ثانيًا، قوة الطلب الخارجي حيث ارتفعت صادرات الديزل الأميركية عند مستوى مرتفع بشكل غير عادي.
ثالثًا، أن الولايات المتحدة لديها طاقة تكرير أقل من ذي قبل، مما يقلل من قدرتها على إنتاج الوقود.
رابعاً، الحرب الروسية في أوكرانيا حيث كانت الولايات المتحدة تستورد كمية كبيرة من زيت الوقود الروسي قبل الحرب، والتي حولتها مصافي التكرير في خليج المكسيك إلى ديزل، وبعد فرض العقوبات ضد موسكو، توقفت تلك الإمدادات.
والآن بعد وقوع الأزمة بالفعل: ما الخيارات والحبوب أمام إدارة بايدن؟:
يمكن للبيت الأبيض السماح للسوق بمواصلة تقلباته بين العرض والطلب حيث من المحتمل أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تقليل الاستهلاك وزيادة العرض، لكن تكلفة نهج عدم التدخل هي وجود تضخم أعلى وركود أسرع بكثير مع توقف بعض الصناعات نظرًا لأن الديزل يزيد من تكاليف النقل بالشاحنات، وبالتالي، فإنه يعد أحد مسببات ارتفاع التضخم.
وإذا اختار البيت الأبيض التدخل، فسيكون الإجراء الأقل ضرراً هو إطلاق احتياطي صغير من الديزل تحتفظ به الحكومة لحالات الطوارئ والذي يحتوي على احتياطي على مليون برميل فقط، لذلك سيكون، في أحسن الأحوال، بمثابة إسعافات أولية، لكنها أفضل من لا شيء.
وقد يكون للتدخل الأخرى عواقب وخيمة من بينها إلحاق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة. في واشنطن، يفكر المسؤولون في تقييد أو حتى حظر صادرات الديزل، ولو تم إقرار ذلك، فإنه سيترك الجيران، بما في ذلك المكسيك والبرازيل وتشيلي، يعانون من نقص الديزل مع الأخذ في الاعتبار أن صادرات الديزل الأميركية إلى أميركا اللاتينية بلغت مستوى قياسياً عند 1.2 مليون برميل، أي ضعف الكمية قبل عقد من الزمن.
هناك خيار آخر هو إجبار شركات النفط على بناء مخزونات بسرعة قبل الشتاء من خلال تحديد مستوى أدنى للمخزون، على غرار ما فعله الاتحاد الأوروبي لمخزونات الغاز الطبيعي.
والخلاصة من كذلك أن أي حلول لمعالجة الأزمة لها ثمن باهظ يجب دفعه لحل المشكلة، ولكن مع إدارة تقف مكتوفة الأيدي، فإن أزمة الديزل ربما تكون في طريقها للتفاقم.