داخل متجر للصرافة عند منخفض سهل البقاع اللبناني يصيح الموظفون بأسعار العملات المختلفة أمام الليرة وترن الهواتف المحمولة بلا توقف ويتوافد زبائن حاملين أكياسا بلاستيكية تحوي مليارات الليرات التي لم تعد تشكل سوى وزن زائد.
هي صورة من متجر صرافة واحد في لبنان الذي أصبح بورصة متجولة.
يقول صاحب الصرافة وهو يبتسم ابتسامة عريضة فيما يضع خلفه على أحد الأرفف سلاحا رشاشا خشية التعرض للسرقة “مرحبا بكم في وول ستريت في لبنان”.
أصبح النقد هو الملك في لبنان حيث أدى الانهيار المستمر منذ ثلاث سنوات إلى ضمور القطاع المصرفي وتفاقم الوضع بسبب السياسيين الذين كانوا يشيدون بالوضع المالي في السابق.
جمدت المصارف عشرات مليارات الدولارات من أموال المودعين، وأوقفت الخدمات الأساسية مما دفع بعض العملاء إلى الذهاب للحصول على أموالهم وهم يحملون السلاح.
يتعامل الأفراد والشركات الآن حصريا تقريبا نقدا. تضخمت العملة المحلية المتداولة 12 ضعفا منذ سبتمبر أيلول 2019 حتى نوفمبر تشرين الثاني 2022 وفقا لوثائق مصرفية اطلعت عليها رويترز.
وعلقت معظم المطاعم والمقاهي لافتات تعتذر فيها عن قبول بطاقات الائتمان لكنها تتقاضى الدولار وفق أسعار السوق الموازية المتقلبة هي الأخرى.
* الليرة المنهارة
يستخدم اللبنانيون تطبيقات الهاتف المحمول لمتابعة سعر الليرة التي فقدت حوالي 97 بالمئة من قيمتها منذ عام 2019.
تنتقل سيارات شركات الصرافة إلى المكاتب أو المنازل لإجراء المعاملات فيما تنتشر على الطرق السريعة لوحات إعلانية عن ماكينات عد النقود.
ومع عدم استعمال بطاقات الائتمان، يوثق الأشخاص المعاملات الكبيرة عن طريق التقاط صور لفواتير الدولار المستخدمة مع إظهار الأرقام التسلسلية.
وحتى الدولة التي أصاب الشلل مفاصلها إلى حد كبير تتجه نحو الاقتصاد النقدي إذ تدرس وزارة المالية مطالبة التجار بدفع بعض الرسوم الجمركية التي زادت مؤخرا نقدا.
ونتيجة تزايد الأوراق النقدية المتداولة ارتفعت معدلات الجريمة. وقال إيلي أناتيان الرئيس التنفيذي لشركة سلفادو للأمن، إن المبيعات السنوية للخزائن نمت باطراد مع زيادة بنسبة 15 بالمئة في عام 2022.
وتتعثر أعمال تجارية أخرى. فيستورد عمر شحيمي شحنات أصغر لمتجر الأجهزة المنزلية الذي يملكه بالنقود التي بحوزته في ظل توقف البنوك عن منح خطابات الاعتماد للصفقات الكبيرة.
وقال وهو يفحص فاتورة بعشرين دولارا قيمة سخان كهربائي اشتراه أحد الزبائن “حتى الشركات التي نستورد منها مثل سامسونج وإل.جي تتعامل معنا بالنقد”.
* مخاوف غربية
يتوقف أي انتعاش على الإجراءات الحكومية لمعالجة حوالي 72 مليار دولار من الخسائر في النظام المالي وإنعاش القطاع المصرفي. لكن السياسيين والمصرفيين ذوي المصالح الخاصة قاوموا الإصلاحات التي يسعى إليها صندوق النقد الدولي لإصلاح الوضع والضرورية لفتح الباب أمام الحصول على المساعدات الدولية.
قال بول أبي نصر، وهو رئيس تنفيذي لشركة نسيج، إن الاقتصاد النقدي جعل من “المستحيل عمليا” فرض الضرائب “لأن كل شيء يمكن ببساطة أن يبقى خارج البنوك”.
وتابع “قدرة الحكومة على تحقيق الانضباط المالي تتوقف على هذا”، مضيفا أن الاقتصاد النقدي يهدد أيضا بإدراج لبنان على قائمة الدول التي تتقاعس في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتساور هذه المخاوف أيضا الحكومات الغربية التي تعارض دور جماعة حزب الله التي تملك ترسانة كبيرة من السلاح والمدعومة من إيران. وقال دبلوماسي غربي إن الحكومات الأجنبية تخشى من تزايد التعاملات غير المشروعة حيث يصعب تعقب النقد.
وقامت وزارة الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي بفرض عقوبات على صاحب شركة سيتكس للصيرفة في لبنان حسن مقلد وأعماله لعلاقاتها المالية المزعومة مع حزب الله، قائلة إنه ساعد في “تحويل الأموال” نيابة عن الجماعة. ونفى مقلد التهم الموجهة إليه.
وقال نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني إن استمرار انخفاض الليرة يعني أن الاقتصاد النقدي أصبح الآن “مدولارا أيضا حيث يمثل الدولار حوالي 70 أو 80 بالمئة من العمليات بلبنان”.
وقال محمد شمس الدين الخبير الاقتصادي في (الشركة الدولية للمعلومات) وهي شركة دراسات وأبحاث لبنانية إن “وقت ما تحول الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي يعني انهيار الاقتصاد”.
رويترز