2023: سنة مراجعة قانون النقد والتسليف للبنان: الدولرة الشاملة تطغى على أي نظام صرف لليرة

من المعروف في علم النقد، أنّه بعد سقوط الربط المرن لسعر الصرف واستحالة الانتقال إلى تعويم العملة الوطنية في اقتصاد جدًا مدولر، لا يبقى من مخرج لوقف نزيف النقد الناتج من انعدام الثقة، سوى اللجوء إلى الربط الصارم، عبر إعادة النظر بقانون النقد والتسليف، مع اتجاه السوق نحو الدولرة الشاملة الأكثر فعالية في الظرف الراهن، من أي نظام سعر صرف آخر (او أقلّه مجلس النقد بشرط حسن الإلتزام به..). سنة 2023 هي سنة اتخاذ مجلس النواب الملف النقدي بين يديه، لمراجعة الوجهة القانونية النقدية ونظام سعر الصرف، على ضوء الانتقال الواقعي نحو الدولرة الشاملة في جميع القطاعات، حفاظًا على الحدّ الأدنى من حق المواطنين بالقدرة الشرائية، للاستجابة إلى كل حاجاتهم المدولرة بشكل غير قابل للتراجع.. وذلك بغض النظر عن الاعتراف الرسمي بالدولرة، الذي لا بدّ أن يتمّ تقبّله كما تمّ تقبّل إزدواجية الدولرة في السوق بالتسعير والدفع، وليس فقط بالإدخار.. فما هي شروط ذلك؟ وأي دروس من التجارب الدولية؟

تشير الأدبيات الإقتصادية وتجارب البلدان التي مرّت بحالات مماثلة، إلى جملة من الشروط الأساسية، كحدّ أدنى، وهي الآتي:

 

1- نظام مالي قوي وإشراف مالي سليم لاستبعاد احتمالية حدوث أزمات مصرفية في بيئة تفتقر إلى الإقراض كملاذ أخير؛

 

2- المالية العامة القوية التي تمنح اللاعبين في السوق ثقة كافية في استدامة السياسة المالية؛

3- أسواق العمل المرنة لتسهيل التكيّف الاقتصادي الكلي استجابة للصدمات الخارجية.

مع العلم أنّه لا توجد قائمة واحدة من المشاكل التي يجب على جميع الدول التي تعتمد الدولرة الشاملة الرسمية معالجتها. فمعظم البلدان لديها خصائص هيكلية محدّدة.

على سبيل المثال، بينما اختارت الإكوادور الدولرة الرسمية الكاملة في خضم أزمة مالية نظامية مع تضخم مرتفع، وفي ظل نظام سعر صرف مرن، انتقلت السلفادور إلى الدولرة الرسمية في بيئة استقرار الاقتصاد الكلي وسعر الصرف الثابت. نتيجة لذلك، كان معدل تحويل العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي مشكلة في الإكوادور، وليس السلفادور. وبالمثل، في حين أنّ اختيار الغطاء القانوني الجديد لم يكن مشكلة في هذين البلدين، فقد كان موضوعًا رئيسيًا للمناقشة في زيمبابوي في أوائل عام 2009.

من هنا، ضرورة أن تزن البلدان المعنية بعناية تكاليف وفوائد اعتماد عملة أجنبية كعملة قانونية. فبمجرد اعتماد قرار الدولرة رسميًا، من الضروري سن إطار قانوني واضح، والذي يجب أن يوافق عليه المجتمع ككل بشكل مثالي.

وتعدّ الإكوادور وزيمبابوي مثالين على ذلك، حيث كان التضخم المفرط باللجوء الى الدولرة الشاملة كملاذ أخير، بغياب الثقة الكلي بمختلف سائر الأدوات، خصوصًا أنّ اقتصاداتهما كانت بالفعل في الواقع تعتمد على الدولار بدرجة عالية.

تتطلب الدولرة الموافقة على التشريع الذي يحدّد الأساس القانوني للسياسة النقدية الجديدة، ومراجعة القانون الذي يحكم عمل المصرف المركزي. أي انّ في لبنان، قانون النقد والتسليف «Code de la Monnaie et du Crédit» الذي يجب أن يكون تمّت الموافقة عليه من قِبل المجلس النيابي، والذي ينطوي على تغييرات في قوانين المصرف المركزي وتشريعات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضًا تعديل التشريعات المتعلقة بالقطاع المصرفي والمالي، لتعكس الظروف المتغيّرة، بما في ذلك اللوائح المحاسبية أو التشريعات ذات الصلة، التي تسمح بتحويل المطلوبات والالتزامات المحدّدة أصلاً بالعملة الوطنية إلى العملة الجديدة.

يجب أن يحدّد التشريع الجديد دورًا بديلاً للبنك المركزي. وهذا يعني إعطاء البنك المركزي هدفًا مختلفًا وتعديل وظائفه ومسؤولياته وفقًا لذلك. على الرغم من أنّ البنك المركزي ليس ضروريًا تمامًا في ظلّ الدولرة الرسمية، إلّا أنّ البنوك المركزية في الواقع استمرت في الوجود في معظم البلدان التي اعتمدت الدولرة الشاملة الرسمية (الإكوادور والسلفادور والجبل الأسود …). كوسوفو وتيمور – لديهما سلطات مصرفية مركزية تمّ إنشاؤها بعد الاستقلال، والتي تلعب دورًا بارزًا في الإشراف على القطاع المالي.

يجب على البنوك المركزية ممارسة الإشراف المالي وإصدار اللوائح الاحترازية والإشرافية، وإدارة النقد (الأوراق النقدية والعملات المعدنية)، وإدارة الاحتياطيات الدولية، وتوفير وظيفة مقاصة مركزية لنظام الدفع، والعمل كوكيل مالي وتسجيل حسابات الدولة، وإجراء دراسات الاقتصاد الكلي وتقديم المشورة للحكومات بشأن مختلف الملفات الماكرو – إقتصادية…

يجب حظر المسؤوليات النموذجية الأخرى للبنك المركزي، بما في ذلك طباعة الأوراق النقدية الجديدة (ولكن ليس بالضرورة العملات المعدنية الوطنية).

يجب على الحكومة والبنك المركزي إعداد ونشر جدول الدولرة. لا توجد مدة محدّدة للفترة الانتقالية، يمكن أن تصل إلى أقل من 6 أشهر، كما هو الحال في الإكوادور، حيث تمّ تبني الدولرة في خضم أزمة اقتصادية عامة. بشكل عام، تعتمد مدة تنفيذ الدولرة الرسمية على عدد من العوامل، بما في ذلك مستوى الدعم العام، ودرجة استقرار الاقتصاد الكلي، والخصائص المؤسسية مثل آجال استحقاق العقود التي تتعايش فيها العقود بالدولار والعملة الوطنية. ويجب أن تتيح الفترة الانتقالية وقتًا كافيًا لشرح للعملاء الاقتصاديين مسار الدولرة وكيفية العمل في ظل النظام النقدي الجديد.

يجب أن يحدّد جدول الدولرة على الأقل تواريخ:

(1) التاريخ الذي سيصبح فيه سعر التحويل ساري المفعول، التاريخ الذي ستصبح فيه العملة الجديدة رسميًا قانونية؛

(2) عندما يتوقف البنك المركزي عن إجراء عمليات السوق المفتوحة.

(3) متى سيبدأ البنك المركزي في استبدال العملة الوطنية بالعملة الجديدة؛

(4) الفترة التي يُصرّح خلالها بالعملتين بالتداول، والتاريخ الذي سيتمّ فيه التخلّص التدريجي من أوراق العملات النقدية الوطنية؛

(5) التواريخ التي سيتمّ فيها تحويل الميزانيات العمومية للنظام المالي إلى «دولار»، وتدخل القواعد المحاسبية الجديدة لقطاع الأعمال حيز التنفيذ.

يجب التركيز بشكل خاص على النشر:

1- معدل التحويل لإعادة تصنيف الأسعار والأصول والالتزامات والعقود والمعاملات المالية بالعملة الوطنية إلى الدولار.

2- فترة انتقالية يتمّ خلالها الإعلان عن أسعار السلع والخدمات بكلتا العملتين، والتاريخ الذي يتوقف فيه استخدام العملة المحلية كوسيلة للمعاملات؛

من المهم أيضًا نشر حملة إعلامية تهدف إلى تحضر المؤسسات والرأي العام لخصائص النظام الجديد.. (الصحف والإذاعة والتلفزيون والإنترنت)، بالإضافة إلى الملصقات والمواد الإعلامية الأخرى. وتصل الاتصالات إلى الوكلاء الاقتصاديين وعامة الناس.

عندما تقوم دولة ما بالدولرة ، فإنّ أهم سؤال ينتظره الجميع، هو معدل تحويل العملة المحلية إلى العملة القانونية الجديدة.

يجب اعتماد سعر الصرف الأقرب إلى سعر السوق الذي يسمح للمتداولين بالتحويل بسرعة وسهولة بين العملتين. وثانيًا، يتطلب معدل التحويل تغطية التزامات البنك المركزي الرئيسية بالمخزون الحالي لصافي الاحتياطيات الدولية بالعملات الأجنبية…

قرار حاسم آخر هو تحديد القاعدة النقدية التي يمكن تغطيتها بالاحتياطيات الدولية المتوفرة. يجب استخدام احتياطيات البنوك في المقام الأول لدعم تشغيل نظام الدفع، ولكن يمكن أيضًا أن تكون بمثابة أداة عازلة للسيولة. في الإكوادور، تستخدم الاحتياطيات المصرفية لأغراض أنظمة الدفع، بينما في السلفادور تعتبر الاحتياطيات المطلوبة جزءًا لا يتجزأ من شبكة الأمان المالي.

من الناحية العملية، لا يمكن للبنوك المركزية في البلدان التي تعتمد على الدولار رسميًا توفير دعم السيولة، إلّا إذا كان لديها احتياطيات دولية فائضة – والتي قد لا تكون كبيرة في اقتصاد قائم على الدولار – كما هو الحال في البلدان التي لديها نظام مجلس عملات. وتفضّل بعض الدول إبقاء العملات المعدنية الوطنية بعد اعتماد الدولرة الكاملة لأسباب مختلفة:

1- الاحتفاظ برمز وطني بمجرد إلغاء العملة الوطنية تدريجياً وإلغاء تداول الأوراق النقدية؛

2- في الحالات التي يصبح فيها الدولار الأميركي العملة الرسمية، قد يكون من الصعب التعامل مع العملات المعدنية الأميركية بالنسبة لبعض الشرائح الاجتماعية؛

3- قد تكون فئات العملات المعدنية الأميركية الشائعة الاستخدام قليلة جدًا، بحيث لا تفي تمامًا باحتياجات الفئات الصغيرة خاصة..

4- نقل العملات المعدنية لمسافات طويلة مكلّف للغاية إذا تمّ قياسه من خلال التقييم. تستخدم كل من الإكوادور وتيمور الشرقية سلسلة من العملات المعدنية الوطنية، والتي يمكن تحويلها بالكامل إلى دولارات أميركية في بلديهما.

فترة التداول النقدي المزدوج: bimonetarisation. يؤدي الاضطرار إلى إدارة عملتين رسميتين إلى تكاليف سوق إضافية وأوجه قصور اقتصادية أخرى. يتعيّن على تجار التجزئة التعامل مع مجموعتين من الأوراق النقدية والعملات المعدنية، ويجب الإعلان عن الأسعار لبعض الوقت بالعملتين وفقًا لسعر التحويل الرسمي.

يجب على الحكومة والبنك المركزي إعداد خطة لوجستية مع جدول زمني للإجراءات الرئيسية التي يتعيّن اتخاذها. أثناء التحويل، يعدّ توزيع وتخزين العملات الورقية الجديدة والقديمة تحدّيًا كبيرًا من وجهة نظر لوجستية.

كما ينبغي إبطال أوراق العملة الوطنية في وقت استبدالها بعملة الدولار الجديدة. تتضمن الأساليب المستخدمة عادة التكسير الميكانيكي وحرق الأوراق النقدية. من الأفضل القيام بذلك بشكل مركزي وليس بطريقة لامركزية، ويجب أن يتمّ دمجها مع نظام الإبلاغ عن العملات.

إنّ اعتماد عملة أجنبية كعملة قانونية له تكاليف وفوائد.

التكاليف الرئيسية المرتبطة بالدولرة الرسمية مثل:

(1) فقدان إيرادات طباعة العملة Gains de seigneuriage ؛

(2) قدرة محدودة أو معدومة على تقديم مساعدة مقرض الملاذ الأخير للمصارف المتعثرة؛

(3) عدم وجود سعر صرف يستخدم كحاجز واقٍ؛

(4) عدم القدرة على تخفيض قيمة المطلوبات المالية المقومة بالعملة الوطنية من خلال الانخفاض الكبير في سعر الصرف، أو عن طريق زيادة التضخم.

في المقابل، فإنّ فوائد تبنّي الدولرة رسميًا هي:

1- تقارب التضخم المحلي مع التضخم العالمي؛

2- القضاء على مخاطر الصرف التي تخفّض أسعار الفائدة المحلية.

3- تحسين البيئة الملائمة للاستثمار بفضل استقرار التضخم وانخفاض أسعار الفائدة؛

4- غياب ما يسمّى بـ «الخطيئة الأصلية»، مما يساعد في تقليل مخاطر البلد مع اختفاء مخاطر عدم تطابق العملات من الميزانيات العمومية للاقتصاد.

5- استعادة الثقة من خلال خلق «صدمة إيجابية» بفك الربط مع المرحلة السابقة التي ادّت الى الانهيار…

صحيح أنّ لكل خيار تحدّياته وإيجابياته المرجوة، إلاّ أنّ الدولرة الشاملة ليست أمنية أي بلد، إنما الملاذ الأخير بعد انعدام فعالية الخيارات الأخرى لأنظمة سعر الصرف… الآلية واضحة والمراحل دقيقة… والطابة تبقى في ملعب مجلس النواب…

د. سهام رزق الله

اقتصاد الظل

يعرف اقتصاد الظل بأنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تمارس دون اطلاع الحكومة ومعرفتها بحجم وقيم هذه الأنشطة، وعادة ما تمارس هذه الأنشطة خارج إطار الضرائب الحكومية. ويُطلق على اقتصاد الظل عدد من المسميات الأخرى مثل الاقتصاد الأسود، والاقتصاد البديل، والاقتصاد الموازي، وغيرها من المسميات التي ترمز إلى وجود اقتصاد مشابه للاقتصاد الرسمي ولكن خارج الإطار الحكومي وسيطرته. وفيما قد يذهب البعض بأذهانهم إلى الأنشطة الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات والبشر كأبرز الأمثلة على اقتصاد الظل، فإن الجرائم لا تشكل الجزء الأكبر من اقتصاد الظل، بل هي الأنشطة الطبيعية والمعتادة التي تمارس من الشركات والأفراد دون إفصاح رسمي.
ولتوضيح هذه الأنشطة، هناك العديد من الأمثلة، فقائد سيارة الأجرة الذي يأخذ أجره نقداً، والعمالة المؤقتة سواء كانوا للمنشآت أو الحدائق أو العمالة المنزلية، الذين عادة ما يأخذون أجورهم نقداً، والمطاعم والمقاهي التي لا تصدر فواتير بيع رسمية. والعامل المشترك بين غالبية هذه الأنشطة هو التعامل النقدي بعيداً عن الدفع عن طريق البنوك والمصارف، ولذلك فإن كثرة استخدام النقد في الاقتصاد قد يعد أحد أهم المؤشرات لحجم اقتصاد الظل.
وحجم اقتصاد الظل لا يمكن الاستهانة به البتة، ففي الدول المتقدمة التي يفترض أن تكون ذات أنظمة محكمة يصعب التحايل عليها، يتراوح حجم اقتصاد الظل ما بين 10 و25 في المائة من الناتج القومي، وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم هذا الاقتصاد في إيطاليا نحو 23 في المائة من الناتج القومي، وتنخفض هذه النسبة إلى 13 في المائة في فرنسا و10 في المائة في بريطانيا، وهي مبالغ ضخمة مقارنة باقتصادات هذه الدول. أما في الدول النامية، فقد تزيد نسبة اقتصاد الظل على 50 في المائة، وفي بعض الدول الأفريقية قد تزيد هذه النسبة على 70 في المائة. ويجدر التوضيح أن تقدير حجم اقتصاد الظل صعب للغاية، فهو بحسب تعريفه خارج عن الإطار الحكومي، ولذلك فهو يخضع للعديد من التقديرات ويحسب بالعديد من الطرق التي غالباً ما تنتج بيانات وأرقاماً مختلفة.
ولكن لماذا تحرص الحكومات على محاربة اقتصاد الظل؟ أو على الأقل تقليل حجمه؟ هناك عدد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الحكومات إلى ذلك. منها، وعلى الجانب الاقتصادي، فإن الشركات والأفراد الذين لا يمتثلون للأنظمة الضريبية يواجهون تكلفة أقل من الممتثلين بالضرائب، ولذلك فإن أسعار خدماتهم ومنتجاتهم عادة ما تكون أقل من أولئك الممتثلين بالنظام الضريبي. هذا الأمر يخل بنزاهة المنافسة في الاقتصاد ويسبب الخسائر للشركات والأفراد الممتثلين بالنظام. أما من الناحية الاجتماعية، فإن الأفراد الذين يعملون في هذا الاقتصاد الذي عادة ما يتلقون أجورهم بالنقد، هم أكثر عرضة للخطر الوظيفي من غيرهم، فهم غير مسجلين في أنظمة تقاعد أو معاشات تضمن لهم كرم العيش عند التوقف عن العمل لأي سبب، وهم عادة خارج حسبة الحكومات عند التعرض للأزمات كما كان الوضع أثناء الجائحة.
ولاقتصاد الظل محفزاته التي تجعل الشركات والأفراد يمارسون أنشطتهم من خلاله، منها زيادة الضرائب، التي تجعل بعض الأعمال التجارية غير ذات جدوى في ظل الضرائب المرتفعة. كما أن صعوبة الإفصاح عن الدخل والتسجيل في الأنظمة الضريبية يعد أحد أكبر المسببات. إضافة إلى ذلك، فإن صعوبة الالتزام ببعض الأنظمة وتعقيد الحصول على التراخيص الحكومية تجعل بعض الشركات والأفراد يسلكون الطريق الأسهل هو عدم الإفصاح بشكل كامل عن هذه الأنشطة.
ومن المهم جداً للحكومات الاطلاع على هذه المحفزات، لأن الحل يكمن في معالجتها، وفي حين أن العديد من الحكومات تسلك طرق الغرامات والمخالفات للحد من هذه الممارسات، فإن العديد من التجارب أثبتت ضعف هذه الأدوات مقارنة بغيرها التي تفصل في كل ممارسة بحسب محفزاتها ومسبباتها. كما أن اتباع الحلول الناجحة والمطبقة في الدول الأخرى قد لا يأتي بنتائج مشابهة، فعلى سبيل المثال قد يكون السبب في دولة ما هو كثرة المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمكن لهم كسب قوتهم بشكل رسمي، وقد يكون السبب في دولة أخرى هو عدم قناعة العامة بالأنظمة الضريبية، وفي دولة ثالثة قد يكون السبب هو عدم فهم الشركات والأفراد للمنهجية الحكومية في الإفصاح عن الدخل.
إن معاناة الحكومات في مكافحة اقتصاد الظل مستمرة منذ عشرات السنين، وهي على وشك أن تزداد فيما هو قادم لسببين رئيسين، أولهما العلاقة الطردية بين الركود الاقتصادي وأنشطة اقتصاد الظل، التي تحتم على العاطلين كسب قوتهم بطرق غير رسمية. والثاني هو زيادة الأدوات التي تساعد الناس في كسب قوتهم بشكل غير رسمي مثل أدوات الاقتصاد التشاركي، التي سهلت للناس عرض خدماتهم أو سلعهم عن طريق المنصات والتطبيقات بعيداً عن مراقبة الحكومة. وذلك يعني أن اقتصاد الظل ورغم كل ما يحيط قيمته من غموض، على وشك أن يزداد حجماً في السنوات القادمة.

د. عبد الله الردادي