اقتصاد الظل

يعرف اقتصاد الظل بأنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تمارس دون اطلاع الحكومة ومعرفتها بحجم وقيم هذه الأنشطة، وعادة ما تمارس هذه الأنشطة خارج إطار الضرائب الحكومية. ويُطلق على اقتصاد الظل عدد من المسميات الأخرى مثل الاقتصاد الأسود، والاقتصاد البديل، والاقتصاد الموازي، وغيرها من المسميات التي ترمز إلى وجود اقتصاد مشابه للاقتصاد الرسمي ولكن خارج الإطار الحكومي وسيطرته. وفيما قد يذهب البعض بأذهانهم إلى الأنشطة الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات والبشر كأبرز الأمثلة على اقتصاد الظل، فإن الجرائم لا تشكل الجزء الأكبر من اقتصاد الظل، بل هي الأنشطة الطبيعية والمعتادة التي تمارس من الشركات والأفراد دون إفصاح رسمي.
ولتوضيح هذه الأنشطة، هناك العديد من الأمثلة، فقائد سيارة الأجرة الذي يأخذ أجره نقداً، والعمالة المؤقتة سواء كانوا للمنشآت أو الحدائق أو العمالة المنزلية، الذين عادة ما يأخذون أجورهم نقداً، والمطاعم والمقاهي التي لا تصدر فواتير بيع رسمية. والعامل المشترك بين غالبية هذه الأنشطة هو التعامل النقدي بعيداً عن الدفع عن طريق البنوك والمصارف، ولذلك فإن كثرة استخدام النقد في الاقتصاد قد يعد أحد أهم المؤشرات لحجم اقتصاد الظل.
وحجم اقتصاد الظل لا يمكن الاستهانة به البتة، ففي الدول المتقدمة التي يفترض أن تكون ذات أنظمة محكمة يصعب التحايل عليها، يتراوح حجم اقتصاد الظل ما بين 10 و25 في المائة من الناتج القومي، وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم هذا الاقتصاد في إيطاليا نحو 23 في المائة من الناتج القومي، وتنخفض هذه النسبة إلى 13 في المائة في فرنسا و10 في المائة في بريطانيا، وهي مبالغ ضخمة مقارنة باقتصادات هذه الدول. أما في الدول النامية، فقد تزيد نسبة اقتصاد الظل على 50 في المائة، وفي بعض الدول الأفريقية قد تزيد هذه النسبة على 70 في المائة. ويجدر التوضيح أن تقدير حجم اقتصاد الظل صعب للغاية، فهو بحسب تعريفه خارج عن الإطار الحكومي، ولذلك فهو يخضع للعديد من التقديرات ويحسب بالعديد من الطرق التي غالباً ما تنتج بيانات وأرقاماً مختلفة.
ولكن لماذا تحرص الحكومات على محاربة اقتصاد الظل؟ أو على الأقل تقليل حجمه؟ هناك عدد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الحكومات إلى ذلك. منها، وعلى الجانب الاقتصادي، فإن الشركات والأفراد الذين لا يمتثلون للأنظمة الضريبية يواجهون تكلفة أقل من الممتثلين بالضرائب، ولذلك فإن أسعار خدماتهم ومنتجاتهم عادة ما تكون أقل من أولئك الممتثلين بالنظام الضريبي. هذا الأمر يخل بنزاهة المنافسة في الاقتصاد ويسبب الخسائر للشركات والأفراد الممتثلين بالنظام. أما من الناحية الاجتماعية، فإن الأفراد الذين يعملون في هذا الاقتصاد الذي عادة ما يتلقون أجورهم بالنقد، هم أكثر عرضة للخطر الوظيفي من غيرهم، فهم غير مسجلين في أنظمة تقاعد أو معاشات تضمن لهم كرم العيش عند التوقف عن العمل لأي سبب، وهم عادة خارج حسبة الحكومات عند التعرض للأزمات كما كان الوضع أثناء الجائحة.
ولاقتصاد الظل محفزاته التي تجعل الشركات والأفراد يمارسون أنشطتهم من خلاله، منها زيادة الضرائب، التي تجعل بعض الأعمال التجارية غير ذات جدوى في ظل الضرائب المرتفعة. كما أن صعوبة الإفصاح عن الدخل والتسجيل في الأنظمة الضريبية يعد أحد أكبر المسببات. إضافة إلى ذلك، فإن صعوبة الالتزام ببعض الأنظمة وتعقيد الحصول على التراخيص الحكومية تجعل بعض الشركات والأفراد يسلكون الطريق الأسهل هو عدم الإفصاح بشكل كامل عن هذه الأنشطة.
ومن المهم جداً للحكومات الاطلاع على هذه المحفزات، لأن الحل يكمن في معالجتها، وفي حين أن العديد من الحكومات تسلك طرق الغرامات والمخالفات للحد من هذه الممارسات، فإن العديد من التجارب أثبتت ضعف هذه الأدوات مقارنة بغيرها التي تفصل في كل ممارسة بحسب محفزاتها ومسبباتها. كما أن اتباع الحلول الناجحة والمطبقة في الدول الأخرى قد لا يأتي بنتائج مشابهة، فعلى سبيل المثال قد يكون السبب في دولة ما هو كثرة المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمكن لهم كسب قوتهم بشكل رسمي، وقد يكون السبب في دولة أخرى هو عدم قناعة العامة بالأنظمة الضريبية، وفي دولة ثالثة قد يكون السبب هو عدم فهم الشركات والأفراد للمنهجية الحكومية في الإفصاح عن الدخل.
إن معاناة الحكومات في مكافحة اقتصاد الظل مستمرة منذ عشرات السنين، وهي على وشك أن تزداد فيما هو قادم لسببين رئيسين، أولهما العلاقة الطردية بين الركود الاقتصادي وأنشطة اقتصاد الظل، التي تحتم على العاطلين كسب قوتهم بطرق غير رسمية. والثاني هو زيادة الأدوات التي تساعد الناس في كسب قوتهم بشكل غير رسمي مثل أدوات الاقتصاد التشاركي، التي سهلت للناس عرض خدماتهم أو سلعهم عن طريق المنصات والتطبيقات بعيداً عن مراقبة الحكومة. وذلك يعني أن اقتصاد الظل ورغم كل ما يحيط قيمته من غموض، على وشك أن يزداد حجماً في السنوات القادمة.

د. عبد الله الردادي