متابعة قراءة أغلبية مشاركي منتدى “دافوس” يتوقعون ركودًا اقتصاديًا هذا العام
الأرشيف الشهري: يناير 2023
نيكي يغلق عند أدنى مستوى في أكثر من أسبوع مع ترقب اجتماع المركزي الياباني
الركود التضخمي.. ما لا يتمناه أحد لأي اقتصاد
الركود التضخمي عبارة عن فترة اقتصادية تتسم بارتفاع ملحوظ في التضخم (أي نمو أسعار السلع والخدمات) وكذلك معدل بطالة مرتفع مصحوباً بنمو اقتصادي متباطيء.
يصف محللون هذا السيناريو بأنه الأسوأ، لأن صانعي السياسات النقدية يجدون أنفسهم في موقف يصعب التعامل فيه مع هذا المزيج (ركود وتضخم في نفس الوقت)، لأن محاولة التعامل مع أحدهما ربما تؤدي إلى تفاقم الآخر.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، حدث تضخم مصحوب بركود وبشكل متكرر في اقتصادات العالم المتقدم، وفي منتصف عام 2022، كان الكثيرون يقولون إن الولايات المتحدة قد تواجه ركوداً تضخمياً لفترة قصيرة.
وزعم محللو مجلة فوربس في يونيو حزيران الماضي بأن تعرض الاقتصاد الأميركي لفترة قصيرة من الركود التضخمي أمر مرجح لأن صانعي السياسة الاقتصادية سيعالجون البطالة أولاً، تاركين التضخم ليتم التعامل معه لاحقاً.
بداية التعرف على المصطلح
تم استخدام مصطلح الركود التضخمي لأول مرة من قبل السياسي البريطاني إيان ماكلويد في خطاب ألقاه أمام مجلس العموم في عام 1965 حيث ارتبط وقتها بفترة قاسية من الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وتم إحياء المصطلح في الولايات المتحدة خلال أزمة النفط في السبعينيات، والتي تسببت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي على مدار خمسة أرباع سنوية متتالية، كما تضاعف التضخم في عام 1973 بأميركا وبلغ رقماً مزدوجاً في عام 1974.
كان يعتقد سابقاً أن الركود التضخمي أمر مستحيل الحدوث حيث استبعدت النظريات الاقتصادية التي هيمنت على الأوساط الأكاديمية في معظم فترات القرن العشرين وقوع ركود مصحوب بالتضخم في نماذجها.
على وجه الخصوص، النظرية الاقتصادية لمنحنى فيليبس، التي صورت سياسة الاقتصاد الكلي على أنها مقايضة بين البطالة والتضخم.
ونتيجة للكساد العظيم، أصبح الاقتصاديون منشغلين بمخاطر الانكماش وجادلوا بأن معظم السياسات المصممة لخفض التضخم تميل إلى زيادة البطالة، في حين أن السياسات المصممة لخفض البطالة ترفع التضخم.
لكن أظهر ظهور الركود التضخمي في جميع أنحاء العالم المتقدم في وقت لاحق من القرن العشرين أن هذا لم يكن هو الحال.
يُعد التضخم المصحوب بالركود مثالاً واقعياً على الكيفية التي يمكن بها لتجربة العالم الحقيقي أن تتجاوز آفاق وحدود النظريات الاقتصادية والوصفات السياسية المنطقية على نطاق واسع.
منذ ذلك الوقت، أثبت التضخم أنه مستمر حتى خلال فترات تباطؤ النمو الاقتصادي أو الانكماش. في الخمسين عاماً الماضية، شهد كل ركود معلن في الولايات المتحدة ارتفاعًا مستمرًا على أساس سنوي في مستويات أسعار المستهلك، أي أن كل ركود صاحبه تضخم.
الاستثناء الوحيد والجزئي لهذا هو الأزمة المالية لعام 2008 – وحتى في ذلك الوقت كان انخفاض الأسعار محصورًا في أسعار الطاقة والنقل بينما استمرت أسعار المستهلكين الإجمالية (باستثناء الطاقة) في الارتفاع.
إذاً ما الذي يسبب الركود التضخمي؟
لا يوجد إجماع حقيقي بين الاقتصاديين حول أسباب الركود التضخمي. لقد طرحوا عدة حجج لشرح كيفية حدوثه، على الرغم من أنه كان يعتبر في يوم من الأيام مستحيلاً.
أولاً: البعض ألقى اللوم على صدمات أسعار النفط.
إحدى النظريات تنص على أن التضخم المصحوب بالركود يحدث عندما تؤدي الزيادة المفاجئة في تكلفة النفط إلى تقليل القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
وخير مثال على ذلك أزمة النفط في السبعينيات حيث أنه في أكتوبر تشرين الأول عام 1973، فرضت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حظراً على الدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط بشكل كبير، وبالتالي زيادة تكاليف السلع والمساهمة في ارتفاع معدلات البطالة.
بسبب ارتفاع تكاليف النقل، أصبح إنتاج السلع والخدمات وإيصالها إلى المستهلكين أكثر تكلفة وارتفعت الأسعار حتى مع تسريح الناس من وظائفهم.
يشير منتقدو هذه النظرية إلى أن صدمات أسعار النفط المفاجئة مثل تلك التي حدثت في السبعينيات لم تحدث فيما يتعلق بأي من فترات التضخم والركود المتزامنة التي حدثت منذ الحظر المشار إليه.
ثانياً: البعض ألقى اللوم على السياسات الاقتصادية السيئة
نظرية أخرى هي أن التقاء الركود والتضخم هو نتيجة لسياسة اقتصادية سيئة الصنع. يُشار إلى التنظيم المشدد والصارم للأسواق والسلع والعمالة في بيئة تضخمية على أنه السبب المحتمل للركود التضخمي.
وخير مثال على ذلك ما ذكره البعض بالتلميح إلى سياسات الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والتي ربما أدت إلى ركود عام 1970 – وهو مقدمة محتملة لفترات أخرى من الركود التضخمي.
في ذلك الوقت، وضع نيكسون تعريفات جمركية على الواردات وجمد الأجور والأسعار لمدة 90 يومًا في محاولة لمنع الأسعار من الارتفاع ، لكن بمجرد تخفيف الضوابط، أدى التزايد السريع للأسعار إلى فوضى اقتصادية.
يعد هذا تفسيرًا مخصصًا للركود التضخمي في السبعينيات والذي لا يفسر الفترات اللاحقة التي أظهرت ارتفاعًا متزامنًا في الأسعار والبطالة.
ثالثاً: إلقاء اللوم على فقدان معيار الذهب
تشير نظريات أخرى إلى العوامل النقدية التي قد تلعب أيضاً دوراً في الركود التضخمي. فقد أزال نيكسون آخر الآثار غير المباشرة لمعيار الذهب، مما أدى إلى انهيار نظام بريتون وودز الذي كان يتحكم في أسعار صرف العملات.
أزال هذا القرار معظم القيود العملية على التوسع النقدي وتخفيض قيمة العملة. مهما كان التفسير، فقد رأينا استمرار التضخم خلال فترات الركود الاقتصادي في حقبة السبعينيات.
حتى قبل السبعينيات، انتقد بعض الاقتصاديين فكرة العلاقة المستقرة بين التضخم والبطالة. وهم يجادلون بأن المستهلكين والمنتجين يعدلون سلوكهم الاقتصادي مع ارتفاع مستويات الأسعار إما كرد فعل على – أو توقعًا – لتغيرات السياسة النقدية.
ونتيجة لذلك ، ترتفع الأسعار استجابة للسياسة النقدية التوسعية دون أي انخفاض مقابل في البطالة، بينما ترتفع أو تنخفض معدلات البطالة على أساس الصدمات الاقتصادية الحقيقية للاقتصاد.
وهذا يعني أن محاولات تحفيز الاقتصاد خلال فترات الركود يمكن أن تؤدي ببساطة إلى تضخم الأسعار دون تعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي.
يفهم مما سبق أن الركود التضخمي ربما يكون نتاج صدمة اقتصادية غير متوقعة مثل صدمة المعروض من السلع، وهذا ما حدث من تعطل إمدادات النفط أو نقص في السلع الأساسية خلال جائحة كوفيد-19 مع نقص تدفق أشباه الموصلات مما أدى إلى إبطاء إنتاج كل شيء من أجهزة الحواسب إلى السيارات والأجهزة.
يمكن أن تؤثر مثل هذه الصدمة على جميع العوامل التي تشكل الركود التضخمي، ألا وهي التضخم والتوظيف والنمو الاقتصادي.
لماذا يعتبر الركود التضخمي سيناريو بالغ السوء؟
الركود التضخمي هو مزيج من ثلاث سلبيات: تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار.
هذا مزيج لا يفترض أن يحدث في منطق الاقتصاد. لا ينبغي أن ترتفع الأسعار عندما يكون لدى الناس أموال أقل لإنفاقها.
ففي حالة الركود، تتجه البنوك المركزية إلى خفض الفائدة وتقديم حوافز لإنعاش وتحفيز النمو الاقتصادي، بينما في حالة التضخم، تلجا البنوك المركزية لرفع الفائدة وتشديد سياستها النقدية، لكن ماذا لو حدث ركود وتضخم في نفس الوقت؟
ما هو علاج الركود التضخمي؟
لا يوجد علاج نهائي للركود التضخمي. الإجماع بين الاقتصاديين هو أنه يجب زيادة الإنتاجية إلى النقطة التي ستؤدي فيها إلى نمو أعلى دون تضخم إضافي. وهذا من شأنه أن يسمح بعد ذلك بتشديد السياسة النقدية لكبح جماح عنصر التضخم في الركود التضخمي.
يعني ذلك أن البنوك المركزية تلجأ في أوقات الركود التضخمي إلى التركيز على معالجة أمر بعينه دون الآخر، أي مثلا معالجة الركود، ثم التصدي لاحقاً للتضخم، أو العكس.
إن قول ذلك أسهل من فعله، لذا فإن مفتاح منع الركود التضخمي (أو الركود المصحوب بارتفاع الأسعار) هو أن يكون صناع السياسة الاقتصادية والنقدية استباقيين للغاية في تجنبه.
الأسهم الأميركية على أعتاب سوق صاعد جديد
2023: سنة مراجعة قانون النقد والتسليف للبنان: الدولرة الشاملة تطغى على أي نظام صرف لليرة
من المعروف في علم النقد، أنّه بعد سقوط الربط المرن لسعر الصرف واستحالة الانتقال إلى تعويم العملة الوطنية في اقتصاد جدًا مدولر، لا يبقى من مخرج لوقف نزيف النقد الناتج من انعدام الثقة، سوى اللجوء إلى الربط الصارم، عبر إعادة النظر بقانون النقد والتسليف، مع اتجاه السوق نحو الدولرة الشاملة الأكثر فعالية في الظرف الراهن، من أي نظام سعر صرف آخر (او أقلّه مجلس النقد بشرط حسن الإلتزام به..). سنة 2023 هي سنة اتخاذ مجلس النواب الملف النقدي بين يديه، لمراجعة الوجهة القانونية النقدية ونظام سعر الصرف، على ضوء الانتقال الواقعي نحو الدولرة الشاملة في جميع القطاعات، حفاظًا على الحدّ الأدنى من حق المواطنين بالقدرة الشرائية، للاستجابة إلى كل حاجاتهم المدولرة بشكل غير قابل للتراجع.. وذلك بغض النظر عن الاعتراف الرسمي بالدولرة، الذي لا بدّ أن يتمّ تقبّله كما تمّ تقبّل إزدواجية الدولرة في السوق بالتسعير والدفع، وليس فقط بالإدخار.. فما هي شروط ذلك؟ وأي دروس من التجارب الدولية؟
تشير الأدبيات الإقتصادية وتجارب البلدان التي مرّت بحالات مماثلة، إلى جملة من الشروط الأساسية، كحدّ أدنى، وهي الآتي:
1- نظام مالي قوي وإشراف مالي سليم لاستبعاد احتمالية حدوث أزمات مصرفية في بيئة تفتقر إلى الإقراض كملاذ أخير؛
2- المالية العامة القوية التي تمنح اللاعبين في السوق ثقة كافية في استدامة السياسة المالية؛
3- أسواق العمل المرنة لتسهيل التكيّف الاقتصادي الكلي استجابة للصدمات الخارجية.
مع العلم أنّه لا توجد قائمة واحدة من المشاكل التي يجب على جميع الدول التي تعتمد الدولرة الشاملة الرسمية معالجتها. فمعظم البلدان لديها خصائص هيكلية محدّدة.
على سبيل المثال، بينما اختارت الإكوادور الدولرة الرسمية الكاملة في خضم أزمة مالية نظامية مع تضخم مرتفع، وفي ظل نظام سعر صرف مرن، انتقلت السلفادور إلى الدولرة الرسمية في بيئة استقرار الاقتصاد الكلي وسعر الصرف الثابت. نتيجة لذلك، كان معدل تحويل العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي مشكلة في الإكوادور، وليس السلفادور. وبالمثل، في حين أنّ اختيار الغطاء القانوني الجديد لم يكن مشكلة في هذين البلدين، فقد كان موضوعًا رئيسيًا للمناقشة في زيمبابوي في أوائل عام 2009.
من هنا، ضرورة أن تزن البلدان المعنية بعناية تكاليف وفوائد اعتماد عملة أجنبية كعملة قانونية. فبمجرد اعتماد قرار الدولرة رسميًا، من الضروري سن إطار قانوني واضح، والذي يجب أن يوافق عليه المجتمع ككل بشكل مثالي.
وتعدّ الإكوادور وزيمبابوي مثالين على ذلك، حيث كان التضخم المفرط باللجوء الى الدولرة الشاملة كملاذ أخير، بغياب الثقة الكلي بمختلف سائر الأدوات، خصوصًا أنّ اقتصاداتهما كانت بالفعل في الواقع تعتمد على الدولار بدرجة عالية.
تتطلب الدولرة الموافقة على التشريع الذي يحدّد الأساس القانوني للسياسة النقدية الجديدة، ومراجعة القانون الذي يحكم عمل المصرف المركزي. أي انّ في لبنان، قانون النقد والتسليف «Code de la Monnaie et du Crédit» الذي يجب أن يكون تمّت الموافقة عليه من قِبل المجلس النيابي، والذي ينطوي على تغييرات في قوانين المصرف المركزي وتشريعات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضًا تعديل التشريعات المتعلقة بالقطاع المصرفي والمالي، لتعكس الظروف المتغيّرة، بما في ذلك اللوائح المحاسبية أو التشريعات ذات الصلة، التي تسمح بتحويل المطلوبات والالتزامات المحدّدة أصلاً بالعملة الوطنية إلى العملة الجديدة.
يجب أن يحدّد التشريع الجديد دورًا بديلاً للبنك المركزي. وهذا يعني إعطاء البنك المركزي هدفًا مختلفًا وتعديل وظائفه ومسؤولياته وفقًا لذلك. على الرغم من أنّ البنك المركزي ليس ضروريًا تمامًا في ظلّ الدولرة الرسمية، إلّا أنّ البنوك المركزية في الواقع استمرت في الوجود في معظم البلدان التي اعتمدت الدولرة الشاملة الرسمية (الإكوادور والسلفادور والجبل الأسود …). كوسوفو وتيمور – لديهما سلطات مصرفية مركزية تمّ إنشاؤها بعد الاستقلال، والتي تلعب دورًا بارزًا في الإشراف على القطاع المالي.
يجب على البنوك المركزية ممارسة الإشراف المالي وإصدار اللوائح الاحترازية والإشرافية، وإدارة النقد (الأوراق النقدية والعملات المعدنية)، وإدارة الاحتياطيات الدولية، وتوفير وظيفة مقاصة مركزية لنظام الدفع، والعمل كوكيل مالي وتسجيل حسابات الدولة، وإجراء دراسات الاقتصاد الكلي وتقديم المشورة للحكومات بشأن مختلف الملفات الماكرو – إقتصادية…
يجب حظر المسؤوليات النموذجية الأخرى للبنك المركزي، بما في ذلك طباعة الأوراق النقدية الجديدة (ولكن ليس بالضرورة العملات المعدنية الوطنية).
يجب على الحكومة والبنك المركزي إعداد ونشر جدول الدولرة. لا توجد مدة محدّدة للفترة الانتقالية، يمكن أن تصل إلى أقل من 6 أشهر، كما هو الحال في الإكوادور، حيث تمّ تبني الدولرة في خضم أزمة اقتصادية عامة. بشكل عام، تعتمد مدة تنفيذ الدولرة الرسمية على عدد من العوامل، بما في ذلك مستوى الدعم العام، ودرجة استقرار الاقتصاد الكلي، والخصائص المؤسسية مثل آجال استحقاق العقود التي تتعايش فيها العقود بالدولار والعملة الوطنية. ويجب أن تتيح الفترة الانتقالية وقتًا كافيًا لشرح للعملاء الاقتصاديين مسار الدولرة وكيفية العمل في ظل النظام النقدي الجديد.
يجب أن يحدّد جدول الدولرة على الأقل تواريخ:
(1) التاريخ الذي سيصبح فيه سعر التحويل ساري المفعول، التاريخ الذي ستصبح فيه العملة الجديدة رسميًا قانونية؛
(2) عندما يتوقف البنك المركزي عن إجراء عمليات السوق المفتوحة.
(3) متى سيبدأ البنك المركزي في استبدال العملة الوطنية بالعملة الجديدة؛
(4) الفترة التي يُصرّح خلالها بالعملتين بالتداول، والتاريخ الذي سيتمّ فيه التخلّص التدريجي من أوراق العملات النقدية الوطنية؛
(5) التواريخ التي سيتمّ فيها تحويل الميزانيات العمومية للنظام المالي إلى «دولار»، وتدخل القواعد المحاسبية الجديدة لقطاع الأعمال حيز التنفيذ.
يجب التركيز بشكل خاص على النشر:
1- معدل التحويل لإعادة تصنيف الأسعار والأصول والالتزامات والعقود والمعاملات المالية بالعملة الوطنية إلى الدولار.
2- فترة انتقالية يتمّ خلالها الإعلان عن أسعار السلع والخدمات بكلتا العملتين، والتاريخ الذي يتوقف فيه استخدام العملة المحلية كوسيلة للمعاملات؛
من المهم أيضًا نشر حملة إعلامية تهدف إلى تحضر المؤسسات والرأي العام لخصائص النظام الجديد.. (الصحف والإذاعة والتلفزيون والإنترنت)، بالإضافة إلى الملصقات والمواد الإعلامية الأخرى. وتصل الاتصالات إلى الوكلاء الاقتصاديين وعامة الناس.
عندما تقوم دولة ما بالدولرة ، فإنّ أهم سؤال ينتظره الجميع، هو معدل تحويل العملة المحلية إلى العملة القانونية الجديدة.
يجب اعتماد سعر الصرف الأقرب إلى سعر السوق الذي يسمح للمتداولين بالتحويل بسرعة وسهولة بين العملتين. وثانيًا، يتطلب معدل التحويل تغطية التزامات البنك المركزي الرئيسية بالمخزون الحالي لصافي الاحتياطيات الدولية بالعملات الأجنبية…
قرار حاسم آخر هو تحديد القاعدة النقدية التي يمكن تغطيتها بالاحتياطيات الدولية المتوفرة. يجب استخدام احتياطيات البنوك في المقام الأول لدعم تشغيل نظام الدفع، ولكن يمكن أيضًا أن تكون بمثابة أداة عازلة للسيولة. في الإكوادور، تستخدم الاحتياطيات المصرفية لأغراض أنظمة الدفع، بينما في السلفادور تعتبر الاحتياطيات المطلوبة جزءًا لا يتجزأ من شبكة الأمان المالي.
من الناحية العملية، لا يمكن للبنوك المركزية في البلدان التي تعتمد على الدولار رسميًا توفير دعم السيولة، إلّا إذا كان لديها احتياطيات دولية فائضة – والتي قد لا تكون كبيرة في اقتصاد قائم على الدولار – كما هو الحال في البلدان التي لديها نظام مجلس عملات. وتفضّل بعض الدول إبقاء العملات المعدنية الوطنية بعد اعتماد الدولرة الكاملة لأسباب مختلفة:
1- الاحتفاظ برمز وطني بمجرد إلغاء العملة الوطنية تدريجياً وإلغاء تداول الأوراق النقدية؛
2- في الحالات التي يصبح فيها الدولار الأميركي العملة الرسمية، قد يكون من الصعب التعامل مع العملات المعدنية الأميركية بالنسبة لبعض الشرائح الاجتماعية؛
3- قد تكون فئات العملات المعدنية الأميركية الشائعة الاستخدام قليلة جدًا، بحيث لا تفي تمامًا باحتياجات الفئات الصغيرة خاصة..
4- نقل العملات المعدنية لمسافات طويلة مكلّف للغاية إذا تمّ قياسه من خلال التقييم. تستخدم كل من الإكوادور وتيمور الشرقية سلسلة من العملات المعدنية الوطنية، والتي يمكن تحويلها بالكامل إلى دولارات أميركية في بلديهما.
فترة التداول النقدي المزدوج: bimonetarisation. يؤدي الاضطرار إلى إدارة عملتين رسميتين إلى تكاليف سوق إضافية وأوجه قصور اقتصادية أخرى. يتعيّن على تجار التجزئة التعامل مع مجموعتين من الأوراق النقدية والعملات المعدنية، ويجب الإعلان عن الأسعار لبعض الوقت بالعملتين وفقًا لسعر التحويل الرسمي.
يجب على الحكومة والبنك المركزي إعداد خطة لوجستية مع جدول زمني للإجراءات الرئيسية التي يتعيّن اتخاذها. أثناء التحويل، يعدّ توزيع وتخزين العملات الورقية الجديدة والقديمة تحدّيًا كبيرًا من وجهة نظر لوجستية.
كما ينبغي إبطال أوراق العملة الوطنية في وقت استبدالها بعملة الدولار الجديدة. تتضمن الأساليب المستخدمة عادة التكسير الميكانيكي وحرق الأوراق النقدية. من الأفضل القيام بذلك بشكل مركزي وليس بطريقة لامركزية، ويجب أن يتمّ دمجها مع نظام الإبلاغ عن العملات.
إنّ اعتماد عملة أجنبية كعملة قانونية له تكاليف وفوائد.
التكاليف الرئيسية المرتبطة بالدولرة الرسمية مثل:
(1) فقدان إيرادات طباعة العملة Gains de seigneuriage ؛
(2) قدرة محدودة أو معدومة على تقديم مساعدة مقرض الملاذ الأخير للمصارف المتعثرة؛
(3) عدم وجود سعر صرف يستخدم كحاجز واقٍ؛
(4) عدم القدرة على تخفيض قيمة المطلوبات المالية المقومة بالعملة الوطنية من خلال الانخفاض الكبير في سعر الصرف، أو عن طريق زيادة التضخم.
في المقابل، فإنّ فوائد تبنّي الدولرة رسميًا هي:
1- تقارب التضخم المحلي مع التضخم العالمي؛
2- القضاء على مخاطر الصرف التي تخفّض أسعار الفائدة المحلية.
3- تحسين البيئة الملائمة للاستثمار بفضل استقرار التضخم وانخفاض أسعار الفائدة؛
4- غياب ما يسمّى بـ «الخطيئة الأصلية»، مما يساعد في تقليل مخاطر البلد مع اختفاء مخاطر عدم تطابق العملات من الميزانيات العمومية للاقتصاد.
5- استعادة الثقة من خلال خلق «صدمة إيجابية» بفك الربط مع المرحلة السابقة التي ادّت الى الانهيار…
صحيح أنّ لكل خيار تحدّياته وإيجابياته المرجوة، إلاّ أنّ الدولرة الشاملة ليست أمنية أي بلد، إنما الملاذ الأخير بعد انعدام فعالية الخيارات الأخرى لأنظمة سعر الصرف… الآلية واضحة والمراحل دقيقة… والطابة تبقى في ملعب مجلس النواب…
د. سهام رزق الله
اقتصاد الظل
يعرف اقتصاد الظل بأنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تمارس دون اطلاع الحكومة ومعرفتها بحجم وقيم هذه الأنشطة، وعادة ما تمارس هذه الأنشطة خارج إطار الضرائب الحكومية. ويُطلق على اقتصاد الظل عدد من المسميات الأخرى مثل الاقتصاد الأسود، والاقتصاد البديل، والاقتصاد الموازي، وغيرها من المسميات التي ترمز إلى وجود اقتصاد مشابه للاقتصاد الرسمي ولكن خارج الإطار الحكومي وسيطرته. وفيما قد يذهب البعض بأذهانهم إلى الأنشطة الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات والبشر كأبرز الأمثلة على اقتصاد الظل، فإن الجرائم لا تشكل الجزء الأكبر من اقتصاد الظل، بل هي الأنشطة الطبيعية والمعتادة التي تمارس من الشركات والأفراد دون إفصاح رسمي.
ولتوضيح هذه الأنشطة، هناك العديد من الأمثلة، فقائد سيارة الأجرة الذي يأخذ أجره نقداً، والعمالة المؤقتة سواء كانوا للمنشآت أو الحدائق أو العمالة المنزلية، الذين عادة ما يأخذون أجورهم نقداً، والمطاعم والمقاهي التي لا تصدر فواتير بيع رسمية. والعامل المشترك بين غالبية هذه الأنشطة هو التعامل النقدي بعيداً عن الدفع عن طريق البنوك والمصارف، ولذلك فإن كثرة استخدام النقد في الاقتصاد قد يعد أحد أهم المؤشرات لحجم اقتصاد الظل.
وحجم اقتصاد الظل لا يمكن الاستهانة به البتة، ففي الدول المتقدمة التي يفترض أن تكون ذات أنظمة محكمة يصعب التحايل عليها، يتراوح حجم اقتصاد الظل ما بين 10 و25 في المائة من الناتج القومي، وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم هذا الاقتصاد في إيطاليا نحو 23 في المائة من الناتج القومي، وتنخفض هذه النسبة إلى 13 في المائة في فرنسا و10 في المائة في بريطانيا، وهي مبالغ ضخمة مقارنة باقتصادات هذه الدول. أما في الدول النامية، فقد تزيد نسبة اقتصاد الظل على 50 في المائة، وفي بعض الدول الأفريقية قد تزيد هذه النسبة على 70 في المائة. ويجدر التوضيح أن تقدير حجم اقتصاد الظل صعب للغاية، فهو بحسب تعريفه خارج عن الإطار الحكومي، ولذلك فهو يخضع للعديد من التقديرات ويحسب بالعديد من الطرق التي غالباً ما تنتج بيانات وأرقاماً مختلفة.
ولكن لماذا تحرص الحكومات على محاربة اقتصاد الظل؟ أو على الأقل تقليل حجمه؟ هناك عدد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الحكومات إلى ذلك. منها، وعلى الجانب الاقتصادي، فإن الشركات والأفراد الذين لا يمتثلون للأنظمة الضريبية يواجهون تكلفة أقل من الممتثلين بالضرائب، ولذلك فإن أسعار خدماتهم ومنتجاتهم عادة ما تكون أقل من أولئك الممتثلين بالنظام الضريبي. هذا الأمر يخل بنزاهة المنافسة في الاقتصاد ويسبب الخسائر للشركات والأفراد الممتثلين بالنظام. أما من الناحية الاجتماعية، فإن الأفراد الذين يعملون في هذا الاقتصاد الذي عادة ما يتلقون أجورهم بالنقد، هم أكثر عرضة للخطر الوظيفي من غيرهم، فهم غير مسجلين في أنظمة تقاعد أو معاشات تضمن لهم كرم العيش عند التوقف عن العمل لأي سبب، وهم عادة خارج حسبة الحكومات عند التعرض للأزمات كما كان الوضع أثناء الجائحة.
ولاقتصاد الظل محفزاته التي تجعل الشركات والأفراد يمارسون أنشطتهم من خلاله، منها زيادة الضرائب، التي تجعل بعض الأعمال التجارية غير ذات جدوى في ظل الضرائب المرتفعة. كما أن صعوبة الإفصاح عن الدخل والتسجيل في الأنظمة الضريبية يعد أحد أكبر المسببات. إضافة إلى ذلك، فإن صعوبة الالتزام ببعض الأنظمة وتعقيد الحصول على التراخيص الحكومية تجعل بعض الشركات والأفراد يسلكون الطريق الأسهل هو عدم الإفصاح بشكل كامل عن هذه الأنشطة.
ومن المهم جداً للحكومات الاطلاع على هذه المحفزات، لأن الحل يكمن في معالجتها، وفي حين أن العديد من الحكومات تسلك طرق الغرامات والمخالفات للحد من هذه الممارسات، فإن العديد من التجارب أثبتت ضعف هذه الأدوات مقارنة بغيرها التي تفصل في كل ممارسة بحسب محفزاتها ومسبباتها. كما أن اتباع الحلول الناجحة والمطبقة في الدول الأخرى قد لا يأتي بنتائج مشابهة، فعلى سبيل المثال قد يكون السبب في دولة ما هو كثرة المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمكن لهم كسب قوتهم بشكل رسمي، وقد يكون السبب في دولة أخرى هو عدم قناعة العامة بالأنظمة الضريبية، وفي دولة ثالثة قد يكون السبب هو عدم فهم الشركات والأفراد للمنهجية الحكومية في الإفصاح عن الدخل.
إن معاناة الحكومات في مكافحة اقتصاد الظل مستمرة منذ عشرات السنين، وهي على وشك أن تزداد فيما هو قادم لسببين رئيسين، أولهما العلاقة الطردية بين الركود الاقتصادي وأنشطة اقتصاد الظل، التي تحتم على العاطلين كسب قوتهم بطرق غير رسمية. والثاني هو زيادة الأدوات التي تساعد الناس في كسب قوتهم بشكل غير رسمي مثل أدوات الاقتصاد التشاركي، التي سهلت للناس عرض خدماتهم أو سلعهم عن طريق المنصات والتطبيقات بعيداً عن مراقبة الحكومة. وذلك يعني أن اقتصاد الظل ورغم كل ما يحيط قيمته من غموض، على وشك أن يزداد حجماً في السنوات القادمة.
د. عبد الله الردادي
البتكوين ترتفع فوق 21000 للمرة الأولى لها في شهرين
مارك كوبان: لا أحتاج إلى ملياراتي وسوف أكون سعيدًا بنسبة 1٪ من ثروتي
التغيّرات أو التقلُّبات أو التلاعب بسعر الصرف
الحديث عن تغيّرات أو تقلّبات سعر الصرف، مبنّي على عوامل تقنية لم تعد مناسبة، لأنّ الحقيقة المرّة والكلمة المناسبة هي حقيقة التلاعب بسعر الصرف وبحياة اللبنانيين، ونسبة عيشهم.
من الجهة التقنية، ترتبط التغيّرات بسعر الصرف في كل بلدان العالم بالعرض والطلب، والتوازن بين العملة الوطنية والعملات الصعبة، والاستيراد والتصدير، والكتلة النقدية، وبعض الأمور التقنية. لكن ما نشهده اليوم في أرض الواقع، لا يُشبه العوامل التقنية الدولية، إنما هي لعبة بكرة نار يتقاذفونها، ويتلاعبون بها لأسباب غامضة وتخريبية.
لماذا نسمّيها «تلاعب»؟ لأنّ هذه التغيّرات لا تلحق أي منطق تقني أو اقتصادي. والبرهان الأول هو حين أبصرت النور منصة صيرفة منذ سنة تقريباً، وضُخّت بعض السيولة من العملات الصعبة، حيث ارتفع سعر السوق السوداء، عوضاً أن ينخفض بحسب المنطق المالي والتقني، والمفاهيم الاقتصادية والمالية والنقدية. وقد حُفرت فجوة متعمدة بين منصة صيرفة والسوق السوداء.
ومن ثم بعد اتفاق سياسي، وتمهيداً للإنتخابات النيابية في العام الماضي، إنخفض سعر السوق السوداء، بنحو 10 آلاف ليرة، في بضع ساعات.
التفسير المباشر لهذه التقلّبات غير النمطية، أنّ هناك أيادي سوداء وبعض حيتان الصيرفة، يعملون ليلاً نهاراً وراء الستائر لخلق فجوة مستدامة ما بين السوق السوداء ومنصة صيرفة، بهدف أن يكون هؤلاء الموردون والبائعون الأكثر أهمية، يتحكّمون بسعر الصرف بعيداً من أي منصة رسمية.
البرهان الثاني الذي يُضاف إلى هذا التلاعب المتعمّد، هو حين زار لبنان مطلع صيف 2022، أكثر من مليون و800 ألف مغترب، حيث جرى ضخ حوالى 3 إلى 4 مليارات دولار، في السوق المحلية. إذ عوضاً من أن ينخفض سعر سوق الصرف، إرتفعت السوق السوداء بطريقة وهميّة، وغير منطقية. وهناك أمثلة كثيرة تُبرهن أنّ تقلبات سعر الصرف لها أسباب مختبئة وهمية وغير نمطية.
إضافة إلى ذلك، ليس سرّاً، أنّ سعر صرف السوق السوداء، يُلاحق على بعض التطبيقات الإلكترونية (Applications)، ولا نعرف مَن وراءها، أو من يُديرها، وبأي منطق تقني تتفاعل مع الأسواق. لكن المضحك المبكي، أنّ هذه السوق والتطبيقات الوهمية تعمل أكثر من بورصتي نيويورك أو لندن، وتعمل 24/24 ساعة، و7 أيام /7. فمن لم يستيقظ فجراً على رنة هاتفه ليُفاجأ بسعر الإرتفاع المذهل تحت ضوء القمر؟ ومَن لا يُفاجأ بالرنة عينها، يوم الأحد تُعلمه عن ارتفاع أو انخفاض الأسعار من دون سبب أو تفسير؟ فالواضح أنّ هناك مَن يتلاعب بذكاء اللبنانيين، لكن أيضاً بحياتهم ونسبة عيشهم ويشنّ عليهم حرباً نفسية.
أما في الموضوع التقني، فحجم اقتصادنا الذي كان يشكّل نحو 55 مليار دولار، تدهور إلى نحو 25 ملياراً بحسب مرصد البنك الدولي، وهذا يعني أنّ حجم اقتصادنا انخفض بنسبة 50%. فإذا بقيت التحويلات بالعملات الصعبة من الخارج تتمحور ما بين نحو 7-8 مليارات دولار سنوياً، وحتى لو وصلت إلى 10 مليارات دولار، ثمة فجوة كبيرة حيال الطلب والحاجة إلى الورقة الخضراء. فالحل الوحيد لنصل إلى بعض التوازن هو من جهة، إستقطاب عملات صعبة إضافية، ومن جهة أخرى إرتفاع سرعة التبادل بالعملات الصعبة في السوق المحلية.
كذلك هناك عامل واضح، أنّ جزءاً من العملات الصعبة التي تدخل البلاد، تُسحب إلى سوريا، جرّاء العقوبات وخصوصاً «قانون قيصر». فالسيولة الآتية إلى لبنان لن تكفي اقتصادنا المهترئ، فكيف يمكن أن تكفي إقتصادين وشعبين تحت الضغط الاقتصادي والاجتماعي؟
في الخلاصة، لا شك في أنّ هناك أسباباً تقنية ومالية ونقدية، وخسارة تامة في التوازن بين العرض والطلب. لذا فإنّ الفجوة كبيرة بينهما في السوق المحلية، لكن في الوقت عينه، شئنا أم أبينا، تُنتج هذه الفجوة تغيّرات وتقلّبات في أسعار الصرف، لكن الأسباب الأكثر أهمية هي من جهة، تهريب العملات من بلدنا، ومن جهة أخرى، التلاعب بأسعار الصرف بمنصّات وهميّة وبأهداف تخريبية ومدمّرة، وأرباح فادحة تتحقق في كل ساعة وفي كل يوم، من خلال هذه الأيادي السود والسوق السوداء، وجرّ اللبنانيين إلى المجهول.
د. فؤاد زمكحل
اليوان في أسواق النفط
ساهمت زيارة الرئيس الصيني شي جينييغ إلى السعودية الشهر الماضي واجتماعاته في الرياض مع قادة ثلاث قمم: «السعودية، وأقطار مجلس التعاون الخليجي، والأقطار العربية»؛ حيث وقعت اتفاقات ثنائية شملت الطاقة، والبنى التحتية، والتمويل، والتعليم والتكنولوجيا. واتفقت السعودية والصين على تحويل علاقاتهما الثنائية إلى «شراكة تعاونية شاملة»، على خطى الإمارات وإيران ومصر والجزائر. وقررتا عقد اجتماعات بين قادة الدولتين مرة كل سنتين، مما يفتح المجال لتوطيد العلاقات مستقبلاً. كما أعربت السعودية عن اهتمامها الكبير بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، و«مواءمتها» مع خطط «رؤية السعودية 2030».
نشرت صحيفة «الفايننشال تايمز» الأسبوع الماضي مقالاً حول دفع ثمن النفط بالدولار وعلاقته بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الصورة في سنة 2023 باتت مختلفة، «حيث إن نظام طاقة عالمي جديد ما بين الصين والشرق الأوسط بدأ يأخذ شكلاً جديداً»، وأخذ يعرف نظام الطاقة الجديد بما يسمى «ولادة البترويوان»، بمعنى أن الصين تريد إعادة صياغة سوق الطاقة العالمي كجزء من محاولة أوسع لتقليص دور الدولار في مجموعة «بريك» (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين)… ودول أخرى تأثرت بتسييس الدولار كجزء من احتياطاتهم المالية جراء غزو روسيا لأوكرانيا. يعني هذا عملياً أنه ستكون هناك زيادة في استعمال العملة الصينية في التجارة العالمية للنفط. فقد أعلن الرئيس الصيني أن بلاده لن تزيد فقط استيرادها من النفط، بل ستعمل أيضاً لزيادة «جميع أنواع التعاون في مجالات الطاقة». وهذا قد يعني، مثلاً، الاستكشاف والإنتاج المشترك في مناطق جديدة، كبحر جنوب الصين، بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مصافي التكرير والمصانع الكيميائية والبلاستيكية.
وبالفعل، نجد أن بعض هذه الاستثمارات المشتركة في قطاعات التكرير والبتروكيماويات قد أصبحت قائمة بالفعل بالذات مع الشركات السعودية الكبرى، بالإضافة إلى شركات بترولية خليجية أخرى. وتأمل الصين أن استثماراتها في هذه المشاريع سيتم تسديدها بالعملة الصينية «ريمينبي»، الذي سيتم التعامل بها في بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي، بحلول عام 2025.
ستترك هذه السياسة بصماتها على تجارة الطاقة العالمية، إذ إن روسيا وإيران وفنزويلا تشكل بمجموعها نحو 40 في المائة من احتياطي مجموعة «أوبك بلس»، كما أنها جميعاً تُصدّر النفط للصين بحسومات. هذا، بينما يشكل احتياطي دول مجلس التعاون الخليجي 40 في المائة أيضاً للاحتياطي النفطي لمجموعة «أوبك بلس»، فيما تشكل الدول الأخرى الـ20 في المائة من الاحتياطي المتبقي، وهو يكمن في دول ذات علاقات جيدة مع روسيا والصين.
إن التنافس بين الدول الكبرى حول النفط ليس بالشيء الجديد، فقد ترافقت الصراعات الجيوسياسية تاريخ الصناعة النفطية طوال القرن العشرين. لكن الجديد في الأمر الآن، هو محاولات بعض الدول الكبرى تهميش الصناعة النفطية بحجة مكافحة تغير المناخ من جهة واستعمال «سلاح» النفط في حرب أوكرانيا بقرارات الحظر والمقاطعة ووضع سقف سعري لأسعار الصادرات النفطية الروسية من جهة أخرى.
من ثم، نحن في مرحلة جديدة من تاريخ الصناعة النفطية: التشريعات لتهميش الصناعة من ناحية، ومحاولة الضغط على الدول النفطية لاتخاذ مواقف جيواستراتيجية في النزاع الكوني للدول الكبرى، دون الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الأمنية والاستراتيجية للدول النفطية، أكان ذلك في ردع محاولات تهديد المصالح الأمنية لهذه الدول، أو الضغط عليها لكي لا تتخذ قرارات اقتصادية – نفطية تعكس مصالحها وتساعد على تطوير صناعاتها البترولية وأسواقها الدولية.
لذا، بدأت الدول النفطية تتخذ مواقف متوازنة ما بين النزاعات القائمة، التي لا علاقة مباشرة لها بها، كما التي لا توفر نهجاً واضحاً للتعامل مع مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وفي ضوء التجارب الحالية، من المتوقع استمرار سياسة التوازن ما بين الدول الكبرى في المستقبل المنظور. وبما أن الصين من أكبر الدول المستهلكة والمستوردة للطاقة في الوقت الحاضر، فمن الضروري أخذ هذه المعطيات بنظر الاعتبار عند رسم سياسات الدول المصدرة للنفط، ومن أهم هذه المعطيات أننا في «عالم متعدد الأقطاب».
وبالفعل، لقد تطورت علاقات الصين مع الدول النفطية العربية منذ عقود، بحيث أصبحت أغلبية الصادرات النفطية الخليجية منذ عقد التسعينات تتجه إلى شرق آسيا، وبالذات الصين، كما أن هناك شركات صينية عاملة في جميع الدول النفطية العربية. وتشير دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى أنه قد توسعت تجارة الصين للسلع والخدمات والتكنولوجيا والدفاع مع الدول العربية. وتعتبر السعودية في صلب هذه التوجهات، حيث فاقت قيمة التجارة ما بين الصين والسعودية 80 مليار دولار في عام 2021، وبلغت قيمة الاستيرادات الصينية من النفط السعودي في عام 2021 نحو 44 مليار دولار، ما يمثل حوالي 77 في المائة من إجمالي واردات الصين من السلع السعودية.
وليد خدوري