محكمة لندن تسمح باستمرار الدعوى القضائية التي رفعها “مُخترع” البتكوين لاستعادة 2.5 مليار دولار

قالت محكمة في لندن إن الدعوى القضائية التي رفعها “كريغ رايت” ،الذي يدعى أنه مُخترع البتكوين، ضد مطوري شبكة العملة المشفرة لمحاولة استرداد مليارات الدولارات يمكن أن تستمر في المحاكمة.

إذ يقاضي عالم الكمبيوتر الأسترالي “رايت” 15 مطوراً في محاولة لاسترداد حوالي 111 ألف بتكوين والتي تبلغ قيمتها حالياً نحو 2.5 مليار دولار بعد أن فقد المفاتيح المشفرة للوصول إليها عندما تم اختراق شبكة الكمبيوتر في المنزل.

ويدّعي “رايت” أنه كتب ورقة البتكوين البيضاء التي حددت لأول مرة التكنولوجيا الكامنة وراء الأصول الرقمية تحت الاسم المستعار “ساتوشي ناكاموتو” في عام 2008 ،إلا أن هذا الادعاء محل خلاف شديد.

ويمهد القرار الأخير لمحكمة لندن الطريق لمحاكمة بشأن ما إذا كان المطورون مدينون بواجبات لمالكي الأصول الرقمية، الأمر الذي قد يشكل تحدياً أساسياً للتمويل اللامركزي إذا فاز “رايت” بحسب تصريح أحد المحامين الذي يمثل بعض المطورين.

وصرح “كريغ رايت” بعد إعلان قرار المحكمة بأنه مسرور بهذا الحكم، كما اعتبرت محاميته “فيليسيتي بوتر” أن القرار “خطوة نحو نظام بيئي للأصول الرقمية منظم ومحكم بشكل جيد ويجب أن يرحب به مالكو العملات المحتملون والحاليون على حد س

انهيار سوق الكريبتو ونهاية التفكير السحري الذي أصاب الرأسمالية

أثناء إلقائي محاضرة بصفتي أستاذاً زائراً في إحدى الأكاديميات العسكرية عندما كان سعر عملة البيتكوين الرقمية المشفرة الواحدة قد اقترب من 60 ألف دولار، سُئِلت، كما يحدث مع أساتذة الاقتصاد في كثير من الأحيان، عن رأيي في هذه العملات المشفرة، وبدلاً من التعبير عن تشكيكي المعتاد في هذا الأمر، قمت بإجراء استطلاع رأي للطلاب، فوجدت أن أكثر من نصف الحاضرين يتداولون في العملات المشفرة، وغالباً ما يجري تمويل هذا التداول عن طريق القروض.
لقد صُدِمت بالنتيجة، فكيف يمكن لهذه الفئة من الشباب أن يقضوا وقتهم ويهدروا طاقتهم بهذه الطريقة؟! كما أن هؤلاء الطلاب لم يكونوا وحدهم، حيث تبدو الرغبة في التداول في العملات المشفرة أكثر وضوحاً بين الجيل زد وجيل الألفية، إذ أصبحت تلك المجموعات مستثمرة في هذه العملات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بمعدلات غير مسبوقة وبتوقعات متفائلة جداً.
وقد توصلت إلى أن العملات المشفرة ليست عبارة عن أصول غريبة فحسب، ولكنها مظهر من مظاهر التفكير السحري الذي أصاب جزءاً من الجيل الذي نشأ في أعقاب الكساد الكبير، والرأسمالية الأميركية على نطاق أوسع.
ويتمثل هذا التفكير السحري في افتراض أن الظروف المفضلة ستستمر إلى الأبد دون اعتبار للتاريخ، وفي تقليل النظر للقيود، والتركيز الحصري على النتائج الإيجابية.
ولكن من أين أتت هذه الأيديولوجية؟ لقد وفّرت الفترة الاستثنائية التي شهدت معدلات فائدة منخفضة وسيولة مالية زائدة التربةَ الخصبة لازدهار هذه الأحلام الخيالية، كما سمحت التكنولوجيا المنتشرة باعتقاد أن الشركات الحديثة أو رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، يمكنهم أن يغيروا كل شيء، وقد أدى الشعور بالغضب بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 إلى تقبُّل الحلول الاقتصادية الجذرية، فضلاً عن أن خيبة الأمل من السياسات التقليدية أدت إلى نزوح الطموحات الاجتماعية إلى عالم التجارة، وأدى انتشار وباء كورونا إلى دفع كل هذه الأسباب للأمام، بينما كنا نجلس أمام الشاشات الذكية ونشعر بالملل، وما غذَّى ذلك كان الأموال التي كانت تبدو مجانية.
ولكن مع تداول البيتكوين الآن بحوالي 17 ألف دولار أميركي، ووسط انخفاض تقييمات الأسهم وتسريح العمال في قطاع التكنولوجيا، بدأت هذه الأفكار التراجع، ويبدو أن تفكك هذا التفكير السحري سيهيمن على هذا العقد بطرق مؤلمة ولكنها تصالحية في نهاية المطاف، إلا أن هذا الوضع سيكون أكثر إيلاماً للجيل الذي اعتاد تصديق هذه الأوهام.
وكان المروِّجون للعملات المشفرة قد تعهّدوا باستبدال الحكومات عن طريق استبدال العملات التقليدية، وبرفض النظام المصرفي والمالي التقليدي من خلال التمويل اللامركزي، وقالوا إنهم يمكن أن يرفضوا القبضة الخانقة المزعومة لعمالقة الإنترنت على التجارة من خلال ما يسمى بـ«Web 3.0»، وأصرّوا على أنه يمكننا رفض المسار التقليدي نحو نجاح التعليم والادخار والاستثمار من خلال التداول في «dogecoin» وهي عملة رقمية مشفرة كان يُقصد بها الدعابة، ولكن قيمتها السوقية وصلت إلى ذروتها بأكثر من 80 مليار دولار.
وتشترك هذه الوعود الوهمية والسخيفة في شعور مشترك مناهض للمؤسسات الراسخة تغذِّيها تقنية لم يفهمها معظمنا مطلقاً، فمَن الذي يحتاج إلى الحكومات أو البنوك أو الإنترنت التقليدي عندما يمكننا العمل بشكل يتجاوز الحدود؟
وقد أظهرت الأسواق المالية السائدة هذه الاتجاهات نفسها، حيث ساد التفكير السحري لدى طبقة المستثمرين الأوسع، وخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة وانعدامها تضخمت قيمة الأصول المضاربة ذات الاحتمالات المنخفضة للنجاح، وقدَّم الباعة الذين يروِّجون للعملات الرقمية المشفرة، التي حوّلت أصول المضاربة إلى طرق جديدة لجذب الجمهور دون الخضوع لعمليات التدقيق التقليدية، وعوداً أكبر مع استبعاد مخاطر أكبر، وهي السمة المميزة للجهل الموجود في التفكير السحري، وظل الكثير من المستثمرين لفترات طويلة يقومون بعمليات شراء تشبه تذاكر اليانصيب، وفاز الكثير منهم بالفعل.
ولم يكن من الممكن أن ينجو الاقتصاد الحقيقي من هذه العدوى، فقد ازدهرت الشركات من خلال توسيع نطاقها وطموحها لإشباع رغبتها في التفكير السحري، حيث جرى تصوير «WeWork» وهي شركة عادية توفر مساحات عمل مرنة، على أنها مشروع روحي يعيد تشكيل الحالة البشرية، مما رفع تقييمها بشكل كبير، كما أعادت شركتا «فيسبوك» و«جوجل» تصور نفسيهما على أنهما قوة تكنولوجية، وأعادتا تسمية علامتهما التجارية بـ«ميتا» و«ألفا»، حيث سعى كل منهما للحصول على إمكانات واسعة يمكنها من خلالها استعراض فكرة الميتافيرس، ولكنها في الواقع كانت أعمالاً إعلانية مبتذَلة (وإن كانت فعَّالة جداً)، إلا أن هذه الشركات باتت تكافح الآن مع عدد من أفكارها الخيالية.
وعلى نطاق واسع، أصبح الكثير من الشركات يتبنى مهامّ اجتماعية أوسع استجابة لرغبة المستثمرين والموظفين الشباب في استخدام رأسمالهم وتوظيفه كأدوات للتغيير الاجتماعي؛ وذلك لأن أحد المظاهر الأخرى للتفكير السحري هو اعتقاد أن أفضل الآمال لإحراز تقدم في أكبر تحدياتنا، التي تتمثل في تغير المناخ والظلم العنصري وعدم المساواة الاقتصادية، هي الشركات والاستثمارات الفردية، وليس الحشد السياسي والاهتمام بمجتمعاتنا.
وأعترف بأن هذا الفكر يعكس تجربتي الخاصة، فعلى مدار العقد الماضي، كان كوني أستاذاً للاقتصاد يعني أنه يجري سؤالي عن العملات المشفرة أو عن طرق التقييم الجديدة للشركات، وقد كان يبدو الابتسام في وجهي وتجاهلي عندما كنت أعبّر عن أفكاري التقليدية، فقد قيل لي إن كل مشكلة تجارية يمكن حلها بطرق جديدة وفعَّالة بشكل جذري من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي على كميات متزايدة من البيانات.
فقد تعلم الكثير من الخريجين، الذين نشأوا في هذه الفترة من التخبط المالي وطموح الشركات المتزايد، ملاحقة هذه الأشياء البراقة برأسمالهم البشري والمالي، بدلاً من الاستثمار في مسارات مستدامة، وهي العادة التي بات يَصعب غرسها في الأجيال اللاحقة.
وصحيح أنه يجب الإشادة بتبنِّي الحداثة والطموح في مواجهة المشكلات الضخمة، ولكن التنوع الشديد للسمات التي رأيناها كثيراً في السنوات الأخيرة يؤدي إلى نتائج عكسية، إلا أن أساسيات العمل لم تتغير بسبب هذه التقنيات الجديدة أو أسعار الفائدة المنخفضة، ولا يزال الطريق إلى الازدهار يتمثل في حل المشكلات بطرق جديدة تقدم قيمة مستدامة للموظفين ومقدمي رأس المال والعملاء.
ولكن المبالغة في تقديم الوعود للجيل الجديد بسبب نطاق التغيير الذي أحدثته التكنولوجيا وإمكانيات الأعمال والتمويل لن تؤدي إلا إلى شعوره بالسخط حين تتعثر هذه الوعود، وكل هؤلاء المستثمرين ومالكي العملات المشفرة الجدد سيضمرون ضغينة ضد الرأسمالية، بدلاً من إدراك العالم المنحرف الذي وُلدوا فيه.
وفي الوقت الذي تنهار فيه العملات المشفرة، فإن نهاية هذا التفكير السحري باتت تقع على عاتقنا، وهذه أخبار جيدة، وصحيح أن أصحاب المصالح سيقاومون هذا الاتجاه من خلال الاستمرار في نشر رواياتهم الخاصة، ولكن ارتفاع الأسعار والعودة إلى دورات الأعمال الروتينية سيستمران في إحداث الصحوة التي بدأت في عام 2022.
ولكن ماذا بعد؟ نأمل أن يتبع ذلك تنشيط للبراغماتية؛ فوجود أصول مضاربة من دون أية وظيفة اقتصادية هو أمر بلا قيمة، كما يجب تحسين المؤسسات القائمة، على الرغم من عيوبها، بدلاً من الاستغناء عنها.
وصحيح أن الشركات تُعدّ ذات قيمة اجتماعية لأنها تحل المشكلات وتولِّد الثروات، ولكن ينبغي عدم الوثوق بها باعتبارها المسؤولة عن التقدم، بل يجب تحقيق توازن من قِبل الدولة، فالمقايضات ستظل موجودة في كل مكان، ولن يكون هناك مفر منها، ولكن المضي قدماً وسط هذه المقايضات، بدلاً من تجاهلها، هو الحل لبدء حياة جيدة.

ميهير أ. ديساي *

أستاذ في كليتي «إدارة الأعمال» و«الحقوق» بجامعة هارفارد.

الكباش المستمر بين منصة صيرفة والسوق السوداء

 

تعدّى سعر صرف الدولار الأميركي عتبة الـ 50 ألف ليرة، ومن ثم سريعاً عتبة الـ 60 ألفاً، وها هو يُتلاعَب به من دون أي سقف محدّد، في ظل خلافات سياسية، وانهيار ما تبقّى من الإقتصاد، وتهديم العدل والعدالة، من دون أي خطة إقتصادية، مالية ونقدية إنقاذية.

على هامش هذه المعارك، الحقيقة المرّة التي نعيشها، هي أن سعر الصرف هذا، والإنهيار المستمر، ليس له حدود ولا سقوف، والمعركة الحقيقية الراهنة هي كباش مُحتدم وحاد بين منصة «صيرفة»، التي بين يدي المصرف المركزي، والسوق السوداء والتي بين أيادي حيتان الصيرفة.

فهذه المعركة الحقيقية التي تحصل وراء الستارة، هي حول مَن سيُسيطر على سعر الصرف، ويمتلك اختلافاته، أكانت صعوداً أم نزولاً. فربح «المركزي» بعض الأشواط عندما رفع سعر منصّة صيرفة إلى 38 ألفاً مؤخراً، وسحب السيولة بالليرة اللبنانية، وضَخ بعض العملة الخضراء التي كان قد «ضَبّها» من السوق، في الأشهر الماضية. أما ردة الفعل فقد جاءت سريعة وقاسية، من خلال الأيادي السود، والمنصّات الإلكترونية الوهمية، والتي أعادت الفجوة وسحبت السوق السوداء إلى آفاق مرتفعة.

فكل من الخصوم يستعمل أسلحته المدمّرة للسيطرة على السوق، ويكون الآمر الأكبر والأهم، وصانع القرار الرئيسي في هذه اللعبة الخطرة.

من ضمن هذه المعركة الدموية، سُحب قسم كبير من الليرة اللبنانية من السوق، ومن الذين هرعوا «هلعين» إلى المصارف لشراء بعض العملات الصعبة، بحسب سعر صيرفة الجديد، وأصبحوا رهائن، أو سجناء، مرة أخرى. أما حاملو الورقة الخضراء فباتوا يبيعونها بالنذر اليسير، وبأنابيب اختبار بإنتظار أسعار صرف متسلّقة.

من المؤكد أن حيتان الصيرفة تتلاعب بلقمة عيش اللبنانيين، وبنسبة عيشهم، وبحياتهم، ويُحقّقون أرباحاً طائلة، في كل عملية نهب. ومصلحتهم المبطّنة هي خلق فجوة مستدامة بين سعر صيرفة، وسعر السوق السوداء، ويحققون أرباحاً باهظة، ويتسبّبون بخسائر كبيرة لـ«المركزي».

سوق «صيرفة» باتت بـ 38 ألف ليرة، لكن لا قدرة لـ«المركزي» على متابعة بيع بعض سيولته بهذا السعر، عندما سُحب سعر السوق السوداء إلى آفاق جديدة لبضع ساعات بل أيام، وتخطّت الـ 60 ألفاً. فسعر الصرف هذا، والذي كان في بعض الأوقات شبه ثابت أو يتحرّك بالمئات أو حتى بالألوف، أصبح يتلاعب بشطور الـ 5 آلاف و10 آلاف ليرة وبطريقة عشوائية، وفي اليوم الواحد.

إضافة إلى ذلك، إن التلاعب الراهن يرتبط مباشرة بالتجاذبات السياسية القائمة، ووسائل الضغط أو إشعال الشارع، وجَرّنا نحو الفوضى، وحكم المافيات.

في الخلاصة، مهما كانت الأسباب التقنية المرتبطة بسعر الصرف والتقلّبات المبنية على عدم التوازن بين العرض والطلب، فإنّ أساس هذه التغيُّرات المبطّنة والمخفيّة هي كباش ومعارك مصيرية، بمَن سيتحكّم بالسوق السوداء، ومعارك محتدمة بمن سيكون زعيم أو زعماء أسعار الصرف، وكل خصم يستعمل كل الأدوات المتاحة لديه، وكل الضربات والسقطات مسموحة في هذه الفوضى الجماعية، والضياع الكامل. فالحيتان تزيد أرباحها الفادحة، والشعب يدفع ثمن هذه المعارك الدامية و»العاقرة». فالكباش مستمر ويلين أكثر وأكثر من ناحية السوق السوداء، وبمن سيكسب الأرض.

 

د. فؤاد زمكحل

رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ