متابعة قراءة هل تُصبح بيتكوين العملة المستخدمة بعد نهاية العالم؟
الأرشيف الشهري: أبريل 2023
كيف يتعاطى المسؤولون مع تقرير صندوق النقد؟
يحتاج لبنان إلى مساعدة ماليّة وتقنيّة كبيرة للتغلّب على هذه الأزمة الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية العميقة. ونحتاج لذلك البدء بجملة إصلاحات شاملة لتنظيم الماليّة العامّة وإعادة هيكلة الدين العام وإعادة تأهيل القطاع المصرفي وتوسيع شبكة الأمان الإجتماعي وإصلاح الشركات المملوكة للدولة وتحسين الحَوكمة وغيرها من أمور باتت بديهيّة، لا سيّما عمليات التدقيق في البنك المركزي وقطاع الكهرباء.
هذه أمور أصبح تردادها مُملّ في ظلّ غياب الحكومة والبرلمان والمسؤولين عن القيام بأدنى واجباتهم من أجل الخروج من النفق هذا. وقد يكون تقرير صندوق النقد الدولي، وما ورد فيه إعادة للتذكير بتقصير الدولة في هذا المجال.
وبحسب صندوق النقد الدولي، وآخر تقرير له في آذار 2023 أن لبنان يمر بمنعطف صعب لأكثر من ثلاث سنوات ويواجه أزمة غير مسبوقة مع اضطراب إقتصادي حاد وإنخفاض كبير في سعر صرف الليرة اللبنانية، وتضخّم من ثلاثة أرقام كان له تأثير كبير على حياة الناس وسبل عيشهم وارتفعت معه معدّلات البطالة والهجرة بشكل حاد، ووصل الفقر الى مستويات عالية تاريخيّاً. أضف الى ذلك تعطّل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة العامّة والتعليم العام وانهيار برامج الدعم الإجتماعي الأساسية والإستثمارات العامّة، وأصبحت المصارف غير قادرة على تقديم الائتمان للإقتصاد، والودائع المصرفية لا يمكن الوصول إليها. وتفاقمت الحالة مع وجود عدد كبير من اللاجئين الذين استوطنوا في هذا البلد.
يضيف تقرير الصندوق أنّه وعلى الرغم من خطورة الوضع الذي يستدعي اتخاذ إجراءات فوريّة وحاسمة إلا أنه كان هناك تقدّم محدود في تنفيذ حزمة الإصلاحات الإقتصاديّة الشاملة. هذا التقاعس يضرّ بشكل جدّي ذوي الدخل المحدود والمتوسّط ويقوّض الإمكانات الإقتصادية الطويلة المدى للبنان. لذلك يتوجّب على الحكومة والبرلمان والبنك المركزي العمل معاً، وبسرعة وحسم لمعالجة نقاط الضعف المؤسسيّة والهيكليّة لتحقيق الإستقرار في الإقتصاد، وتمهيد الطريق من أجل انتعاش قوي ومستدام.
يضيف التقرير أن استمرار الوضع الراهن من شأنه أن يقوّض الثقة في مؤسّسات الدولة مع عواقب لا رجعة عنها، وستؤدّي حالة عدم اليقين المرتفعة الى إضعاف الوضع بشكل أكبر مع تضخّم متصاعد، الأمر الذي يؤدّي إلى تسريع الدولرة النقديّة مع زيادة خطر ترسّخ الأنشطة غير المشروعة في الإقتصاد وخسارة البنك المركزي لاحتياطاته من العملات. ولن تتمكن المصارف من تقديم أي ائتمان، وسيواصل صغار المودعين تكبّد خسائر كبيرة في عمليات سحب العملات الأجنبيّة الخاصّة بهم بينما الودائع المتوسطة والكبيرة سيبقى مغلقاً عليها الى أجَل غير مسمّى.
ومن جملة اقتراحات صندوق النقد الدولي، والتي وردت في هذا التقرير، التركيز على إعادة هيكلة موثوقة للنظام المالي لاستعادة صلاحيته وهذا يتطلّب الإعتراف والمعالجة المُسبقة للخسائر الكبيرة التي يتكبّدها البنك المركزي والبنوك التجاريّة واحترام التسلسل الهرمي للمطالبات، وحماية صغار المودعين. كذلك يجب إعادة هيكلة البنوك القادرة على الإستمرار، أمّا غير القادرة فما عليها سوى الخروج من السوق. كذلك تعديل قانون السريّة المصرفيّة. بالإضافة إلى ذلك يجب تحديث الاطار القانوني والمؤسّسي للبنك المركزي والسلطات المصرفيّة الأخرى لتعزيز الحوكمة والمُساءلة حتى تتم إعادة بناء الثقة في المؤسّسات.
يضيف تقرير الصندوق أن توحيد أسعار الصرف وترشيد السياسة النقديّة عاملان أساسيّان لإعادة بناء المصداقيّة وتحسين الوضع الإقتصادي بما يقلّل من الضغوط على احتياطات البنك المركزي، ويمهّد الطريق لسعر صرف يحدّده السوق. كذلك يجب حظر تمويل البنك المركزي للحكومة وبشكل صارم، وأن يكتفي بتدخّلات محدودة للغاية على أن يكون الغرض منها معالجة ظروف السوق المضطربة لا غير.
وينتهي التقرير بالتركيز على تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد وغسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (AML/CFT) لاستعادة الثقة الإجتماعيّة في سياسات الحكومة، وتعزيز النمو الشامل الأمر الذي سوف يشكّل خارطة طريق للإصلاح بما في ذلك تعزيز إستقلاليّة ونزاهة النظام القضائي وتحسين المُساءلة لا سيّما في القطاع العام.
كلّها أمور تطرّق إليها صندوق النقد الدولي في تقرير مفصّل أشار فيه الى الطرق الواجب تَتبّعها من أجل الخروج من واحدة من أسوأ أزمات العصر الحديث.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا تفعل الحكومة والبنك المركزي والمسؤولون على مختلف مستوياتهم للسير بهذا التقرير؟ والأمر البديهي أن التقرير لم يكن سياسياً، وبأي شكل، بل مُستند الى معطيات إقتصادية بحتة. قد تكون هذه الأمور بديهيّة في إعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي والخروج من هذا النفق المظلم.
أما أن يكون بعضهم غير موافق على تدخّل صندوق النقد الدولي لغايات باتت معروفة، فهذا يعقّد الأمور ويزيد من التقسيم الحاصل ضمن دوائر الإدارة في الدولة ويتخطّى بديهيّات الإقتصاد ويضع البلد في المجهول، ولن يكون هناك حلّ بديل في ظلّ هذا الإنهيار الكامل.
إنّه هروب إلى الأمام ومحاولة للقضاء على آخر ركيزة في قيام الدولة، ومحاولات فاشلة من قبل بعضهم للتعويض عنها بمؤسّسات وهميّة لن تجرّ سوى الخراب على البلد، وخسائر إضافيّة على المواطنين.
بروفسور غريتا صعب