متابعة قراءة ودائع البنوك الأميركية ترتفع لأول مرة في 4 أسابيع
الأرشيف اليومي: 14/05/2023
من إضراب إلى إضراب… ضدّ مَن؟
بعدما أُقرّت زيادة موظفي القطاع العام، إثر ضغوط مكثفة، والتي بلغت نحو أربعة أضعاف، إتجه موظفو الدولة مرة أخرى، إلى إضراب جديد متوالٍ، لشلّ البلاد وكل المؤسسات العامة. فمن المستفيد الأول من هذه الإضرابات المتكرّرة؟ ومَن المذلول من هذا الجمود المتكرّر؟
لن نعلّق على المطالب المحقّة لأي موظف، أكان من القطاعين العام أو الخاص، لأي زيادة في ظلّ هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي، حيث خسر اللبنانيون أكثر من 95% من قيمة مداخيلهم، ونحو 90% من مدخراتهم وودائعهم، في ظلّ تضخُّم كارثي ليس فقط في لبنان، لكن أيضاً في المنطقة والعالم، وانهيار نسبة عيشهم، وإجبارهم على التسول.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو أنّ هذه الإضرابات موجّهة ضدّ مَن؟ وهل هذه الضغوط تؤثر على المسؤولين الذين يطمرون رؤوسهم في التراب كالنعامة، ويستفيدون من هذه الفراغات لفتح الأبواب والنوافذ للفساد والرشاوى، وسيطرة وإدارة المافيات؟
لربما ما نشهده هو متابعة استراتيجية الشلل والجمود المبرمجة والممنهجة من وراء الستارة، فيستفيدون من الأوجاع والمطالب المحقّة لبعض موظفي القطاع العام المجديين، لتكملة الشلل والجمود لكل مؤسسات الدولة، لجرّنا إلى الانهيار الكامل والفادح، بغية إذلال الشعب، وسرقته مرة أخرى بطريقة غير مباشرة، من خلال المعاملات غير الرسمية والرشاوى لتنفيذ أي معاملة رسمية.
فلسوء الحظ، إنّ هذه الإضرابات المتتالية، عوضاً عن الضغوط على المسؤولين، تخدمهم وتساعدهم في متابعة سيطرتهم. أما الضغط فيكون فقط على المواطنين المذلولين والمسروقين والمحبطين، وخدمة جلية لتكملة عملية النهب والسرقة الموصوفة، والجمود والشلل المتتابعين منذ نحو أربعة أعوام.
بمعنى آخر، إنّ هذه الإضرابات لسوء الحظ، لن تفيد ولن توصل إلى أي نتيجة، إلاّ فتح الأبواب للزبائنية المستشرية والفساد المتمادي، وإدارة وسيطرة السفاّحين والجلاّدين والمجرمين. فتكون الزيادات للقطاع العام بالليرة اللبنانية، أما الرشاوى فتُسعّر بالدولار الفريش لأي معاملة بسيطة، أو توقيع ملزم.
في المحصّلة، إننا نذهب من إضراب إلى آخر، وكل أزمة تولّد أزمة أكبر، ولا أحد يريد، لا الإصلاحات، ولا إعادة الهيكلة، لكن بناء دولة الفوضى وتمكين الإقتصاد الأسود، وإعادة قوة وإدارة المهرّبين والمروجين والمبيضين. أما الضحية فهو الشعب الذي يدفع ثمن هذه الضغوط الوهمية، وكلفة الإضرابات بما تبقّى من مدخّراتهم المهدورة والمسروقة. فالإضرابات لا تضغط على السياسيين، لا بل تخدمهم. أما الضغط الحقيقي فهو على الشعب الذي تجلده وتقتله بضربات الرحمة.
د. فؤاد زمكحل
بتكوين تتكبد أسوأ أداء أسبوعي في 2023
الدين والمديونية وإعادة الهيكلة
تُستخدم عملية إعادة هيكلة الديون من قِبل البلدان المَدينة منذ عقود، مع درجات متفاوتة من النجاح. في الثمانينات من القرن الماضي، عانت العديد من الدول اللاتينية، مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين، من أزمة ديون أدّت إلى موجة من اتفاقيات إعادة هيكلة الديون مع دائنيها. وغالباً ما تضمّنت هذه الاتفاقيات تخفيضاً كبيراً في الدين، وتمديداً لفترة السداد، وخفضاً في أسعار الفائدة، مما سمح لهذه الدول باستعادة الاستقرار الاقتصادي والنمو.
في السنوات الأخيرة، واجهت اليونان والعديد من الدول الأوروبية الأخرى أزمة ديون في أعقاب أزمة الاقتصاد العالمي في العام 2008. خضعت اليونان، على وجه الخصوص، لعملية إعادة هيكلة ديون في العام 2012، والتي تضمّنت تخفيضاً بنسبة 50% في دينها، وتمديداً لفترة السداد، وجرى خفض أسعار الفائدة. بينما ساعدت إعادة هيكلة الديون اليونان في تجنّب التوقّف عن السداد والخروج من الأزمة، ولكنها أدّت أيضاً إلى تكاليف اقتصادية.
إنّ الديون المستحقة على البلدان يمكن أن تشكّل عبئاً كبيراً على الاقتصاد والموارد المالية، وقد يؤدي ذلك إلى تدهور حاد في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وتشكّل إعادة هيكلة الديون أداة مهمّة لتخفيف هذا العبء وإعادة استقرار الاقتصاد.
ومن بين الفرص التي توفّرها إعادة هيكلة الديون للبلدان المَدينة، هي تخفيف الضغط المالي وتخفيض معدل الفائدة على الديون. بمجرد إعادة هيكلة الديون، يصبح في إمكان البلدان المَدينة دفع مبالغ أقل من الفائدة، وبالتالي توفير الموارد المالية اللازمة للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
كما توفر إعادة هيكلة الديون فرصاً لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الظروف الاجتماعية. فعندما يتمّ تخفيض الديون وتمديد فترة السداد، يتمّ تحسين إجمالي الموارد المالية، وتوفير المزيد من الأموال للاستثمار في الاقتصاد. وبالتالي، يمكن للبلدان المَدينة تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين الحياة المجتمعية والاجتماعية.
وتوفر إعادة هيكلة الديون أيضاً فرصاً لتحسين العلاقات الدولية وزيادة التعاون. عندما يوافق الدائنون على إعادة هيكلة الديون، يصبح من المرجّح أن يتمّ تحسين العلاقات بين البلدان وتعزيز التعاون في مجالات مختلفة مثل التجارة والاستثمار والثقافة والعلوم.
ومن المهمّ الإشارة إلى انّ إعادة هيكلة الديون عملية معقّدة تحتاج إلى تعاون وتفاهم من الجانبين، وعادة ما تتمّ بين الدائن والمَدين، وتتطلب التخفيف من الشروط التي تمّ تحديدها في عقود الديون السابقة. تمثل هذه العملية فرصة حقيقية للدول المَدينة لإعادة بناء اقتصاداتها، وخلق فرص للتنمية.
على سبيل المثال، في العام 2005، قامت دولة العراق بإعادة هيكلة ديونها الخارجية، وتمّ التوصل إلى اتفاق بين العراق ودائنيها بتخفيض حوالى 80% من قيمة الديون، وتمديد فترة السداد حتى العام 2028. وقد أدّى ذلك إلى تخفيف الضغط على الاقتصاد العراقي وزيادة الإنفاق في البنية التحتية والخدمات العامة.
كما أنّ دولة الأوروغواي في عام 2003 قامت بإعادة هيكلة ديونها الخارجية، ونجحت في تحقيق تخفيضات كبيرة في الديون، وتمديد فترة السداد حتى 30 عاماً. وقد أدّى ذلك إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والتحول إلى اقتصاد يستند إلى الصادرات والاستثمارات الأجنبية.
في النهاية، تمثل إعادة هيكلة الديون فرصة حقيقية للبلدان المَدينة لإعادة بناء اقتصاداتها وتحسين ظروف حياة مواطنيها. يجب على البلدان المَدينة العمل بجد لتحقيق إعادة هيكلة ناجحة للديون، والتأكّد من تخفيف الضغوط المالية وزيادة الإنفاق على البنية التحتية والخدمات العامة. ومن المهم أن تتمّ هذه العملية بطريقة تضمن توازناً بين الواردات والأنفاق.
يشكّل الدين الداخلي في البلدان مكوناً مهمّاً من مكونات الدين العام، حيث يتمثل في المبالغ التي تقترضها الحكومة من المصارف والمؤسسات المالية داخل البلد، وذلك لتمويل المشروعات والبرامج الحكومية، وتحسين البنية التحتية والخدمات العامة.
إنّ الدين الداخلي يُعتبر أحد المصادر الرئيسية لتمويل الحكومات، ويمكن أن يساعد في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في البلد. كما أنّ الدين الداخلي يُعتبر أحد الأدوات الرئيسية للحكومة في التحكّم في الاقتصاد والتأثير على الأسعار والفائدة.
ومع ذلك، يجب أن تتخذ الحكومات إجراءات واضحة لإدارة الدين الداخلي بشكل فعّال، حتى لا تؤدي إلى تفاقم الدين العام وزيادة الضغط المالي على الحكومة والمواطنين. يتطلب ذلك التخطيط والمتابعة والتحكّم الدقيق في الإنفاق الحكومي وتحقيق التوازن بين الإيرادات والإنفاق.
كما تتطلب إدارة الدين الداخلي أيضاً، توفير بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمارات، حيث تتأثر الفائدة المطلوبة على الدين الداخلي بحالة الاقتصاد العام ومستوى الثقة في الحكومة وقدرتها على إدارة الدين العام بشكل فعّال.
تشير الإحصاءات إلى أنّ الدين الداخلي في العديد من الدول النامية يشكّل نسبة كبيرة من الدين العام، مما يعكس مستوى الاعتماد على التمويل المحلي وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية. وهذا يجعل إدارة الدين امراً دقيقاً.
يوجد العديد من الحجج ضدّ الدين الداخلي في البلدان، حيث يشكّل هذا الدين تحّديًا كبيرًا للحكومات والمجتمعات المحلية، ويمكن تلخيص هذه الحجج بما يلي:
1- زيادة الضغط على الميزانية الحكومية: يزيد الدين الداخلي من الضغط على الميزانية الحكومية، حيث يتوجب على الحكومة سداد الفوائد على الدين المستحقة، والتي يمكن أن تؤثر سلباً على ميزانية الحكومة وتقلّل من قدرتها على تمويل المشاريع والبرامج الحكومية.
2- تأثير سلبي على النمو الاقتصادي: يمكن أن يؤدي الدين الداخلي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث يمكن أن يؤثر على القدرة التنافسية للبلد ويقلّل من استثمارات الشركات والمستثمرين المحليين والأجانب.
3- تأثير على الاستثمار الخارجي: يمكن أن يؤثر الدين الداخلي على الاستثمار الخارجي في البلد، حيث يمكن أن يراوح مستوى الفائدة المطلوبة على الدين الداخلي ما بين مستويات مرتفعة وغير مجزية، مما يقلّل من جاذبية البلد للاستثمارات الخارجية.
4- زيادة الاعتماد على التمويل المحلي: يمكن أن يؤدي الاعتماد الكبير على التمويل المحلي إلى تقليل احتمالية الحصول على تمويل خارجي وزيادة الضغط على المواطنين لتحمّل أعباء الدين العام.
5- تعطيل النمو الاقتصادي المستقر: يمكن أن يؤدي الدين الداخلي إلى تعطيل النمو الاقتصادي المستقر في البلد، حيث يتوجب على الحكومة سداد الديون بفوائد مرتفعة.
انّ خفض الدين الداخلي في البلد يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة والمواطنين. ومن بين الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك:
1- خفض الإنفاق الحكومي: يمكن للحكومة تقليص الإنفاق على المشاريع غير الضرورية والمكلفة، وتحويل هذه الأموال لتخفيف الدين الداخلي.
2- زيادة الإيرادات: يمكن للحكومة زيادة الإيرادات عن طريق فرض الضرائب على الأغنياء والشركات، وتحويل هذه الأموال لتخفيف الدين الداخلي.
3- تعزيز الاقتصاد: يمكن للحكومة تعزيز الاقتصاد المحلي عن طريق دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنفاق الحكومي في المشاريع الاقتصادية.
4- تقليص الفائدة: يمكن للحكومة تقليص الفائدة على الديون الحكومية، وبالتالي تخفيف الدين الداخلي.
5- إعادة جدولة الديون: يمكن إعادة جدولة الديون الحكومية، وتمديد فترة السداد وتخفيض الفائدة، وبالتالي تخفيف الضغط على المواطنين وتحفيز النمو الاقتصادي.
باختصار، خفض الدين الداخلي يتطلب إجراءات متعدّدة، ولا يمكن تحقيقها بسرعة. ومن المهم أن تعمل الحكومة والمواطنون سوياً على تحقيق هذه الأهداف، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة للجميع.
بروفسور غريتا صعب