لا تنفع المكابرة في قضية رياض سلامة. وينبغي الاعتراف أنه حان الوقت لاتخاذ قرار سريع، في شأن كيفية التعاطي مع هذا الملف، خصوصاً لجهة حسم إشكالية استمرار الرجل في منصبه حتى نهاية ولايته، أو المسارعة الى الاتفاق على صيغة حل يجنّب البلد المزيد من المخاطر والمجازفات.
لا شك في انه لا يحق لأحد ان ينظر الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكأنه مرتكب قبل ان يصدر حكم قضائي مُبرم في هذا الموضوع. ولكن، لا يمكن التعاطي مع هذا الملف، وكأن شيئاً لم يكن. فالحديث هنا عن حاكم بنك مركزي، يفترض ان يكون مثل امرأة قيصر، فوق الشبهات. أما أن يكون حاكم المركزي متهماً، بانتظار ان يُثبت براءته، وان تكون هناك مذكرة دولية في حقه، لسوقه امام القضاء الفرنسي، وأن يستمر على رأس مؤسسة بأهمية وحساسية البنك المركزي، فهذا أمر أقل ما يُقال فيه انه غير طبيعي. والمقصود هنا، ليس الاستقالة او الاقالة، بل مبادرة من قبل سلامة تقضي بتعليق مهامه مؤقتاً، بانتظار تبيان الخيط الاسود من الخيط الابيض في القضاء الفرنسي… واللبناني ايضاً.
ومع ذلك، فإنّ استمرارية سلامة مثل استبعاده، تطرح اشكاليات ومشاكل يصعب تجاوزها في الوضع الحالي. واذا كان بقاء سلامة سيزيد الشكوك في احتمال وقف تعاون المؤسسات المالية الدولية مع مصرف لبنان، طالما ان سلامة هو من يوقّع الاوراق والمستندات التابعة للمصرف، فإنّ ازاحته قد تؤدي الى ما يشبه الفراغ القاتل في سدة الحاكمية. وقد بات واضحاً ان المناخات السياسية، في غياب رئيس للجمهورية، لن تسهّل امكانية التوافق على البديل. ولا يبدو ان الرئيس بري في وارد التراجع عن رفض تسلّم الحاكم الاول وسيم منصوري مهام الحاكمية. وفي كل الاحوال، ليس مُستحباً، بالنسبة الى الاحزاب والقوى المسيحية، ان يتسلم الموقع شخص غير مسيحي، في غياب رئيسٍ للجمهورية، بما سيجعل الامور أصعب، لا سيما ان الملف الرئاسي مفتوح على احتمالات الاطالة بما يجعل مجرد التفكير بتسليم الحاكمية مؤقتاً الى غير مسيحي، مسألة معقدة.
يبقى السؤال، ما هي التداعيات المالية والاقتصادية لبقاء سلامة او لتنحّيه من دون تأمين بديل؟
من الوجهة العملية، لا يوجد فارق عملي بين الوضعين. بمعنى، انّ من يراهن على ان الدولار سيحلّق فور تَنحّي سلامة، او ان الاقتصاد سينهار اكثر، يكون واهِماً. سعر صرف الليرة لا علاقة له بوجود سلامة او غيابه، لأن ما يجري عبر منصة «صيرفة» بات واضحا للجميع. مصرف لبنان يتحمّل خسائر مالية من اموال المودعين، مقابل دعم الليرة للحفاظ على استقرار مبدئي. وهذا الامر يمكن مواصلته في كل الاحوال. لكن، من المستغرب ان يكون المطلوب الحفاظ على سعر الليرة بأيّ ثمن. وكيف يعطي مصرف لبنان او السلطة السياسية التي طلبت منه، أو غَطته، صلاحية الانفاق من اموال الناس للدفاع عن الليرة. صحيح ان العملة الوطنية للجميع، لكن الصحيح أكثر ان اموال المودعين ملكية خاصة لا يمكن المسّ بها تحت اي مسمّى. وقد تمّ إهدار حوالى 22 مليار دولار من هذه الاموال منذ بداية الأزمة. فهل المطلوب انفاق كل ما تبقّى؟
وبالتالي، المشكلة لا تتعلق بالحفاظ على استقرار الليرة، وهو استقرار مصطنع ومكلف وغير قانوني، ولم يتحقق سوى منذ بضعة اسابيع، وقد لا يستمر طويلا، لأنه ليس في مقدور المركزي مواصلة دعم الليرة بهذه الطريقة. لكن المشكلة تكمن في مكان آخر، اذ انّ اي شخص سيتم إسناد مسؤولية الحاكمية اليه، بشكل مؤقت، لن يكون قادرا على اتخاذ اي قرار يتطلب قدراً من الشجاعة والحزم. وهذا الامر واضح في المناقشات التي بات يشهدها المجلس المركزي في مصرف لبنان، اذ انّ التردّد والخوف وحسابات المصالح الخاصة تسيطر على ما عداها، بدليل انّ قرارا لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودع، غَطّته الحكومة بقرار وتوصية الى البنك المركزي، لم يصدر حتى الآن، بسبب القلق غير المبرّر الذي يسيطر على الاعضاء. والبلد سيحتاج في الايام المقبلة الى من يجرؤ على اتخاذ القرارات، لأن الانهيار يتطلب اجراءات استثنائية بانتظار عودة الانتظام السياسي، وعودة المجلس النيابي الى ممارسة دوره التشريعي بشكل طبيعي، لكي يتم إقرار تشريعات تحاكي التغييرات التي فرضها الانهيار.
في المحصّلة، سيتبيّن بعد استعراض الاحتمالات، ان الضرر قائم، بوجود سلامة كما في غيابه، وسيكون الاختيار، في هذا الوقت، وقبل انتخاب رئيس للجمهورية، بين الاسوأ… والاسوأ، ولا شيء غير ذلك.
أنطوان فرح