التعاون الاقتصادي المهم في المنطقة العربية

على هامش اجتماعات فعاليات «الملتقى الاقتصادي السعودي العراقي»، الذي انطلق يوم 25 مايو (أيار) 2023 بتنظيم من اتحاد الغرف السعودية والعراقية، ومشاركة أكثر من 300 شركة سعودية وعراقية وعدد من الجهات الحكومية والخاصة، يعد التعاون الاقتصادي بين السعودية والعراق محطة مهمة في العالم العربي، حيث إن السعودية أكبر اقتصاد عربي بناتج محلي إجمالي 833.5 مليار دولار بينما العراق بلغ 209.9 مليار دولار وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022، فإن الملتقى فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، ورفع حجم الاستثمارات بين البلدين، حيث دعا مستثمرون سعوديون وعراقيون للإسراع بإطلاق أعمال «الشركة السعودية العراقية للاستثمار»، لتمويل مشروعات بقيمة 3 مليارات دولار، وتمكين الشركات العراقية من قروض صناديق التمويل السعودية، واتفقوا على ملامح خطة للتعاون تضمن تنمية التجارة والاستثمارات المشتركة.

ومن المهم الإشارة إلى نمو حجم التجارة البينية بين السعودية والعراق، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 1.5 مليار دولار لعام 2022 بنسبة ارتفاع 50 في المائة مقارنةً بعام 2021، ما يعكس عمق واستدامة العلاقات الاقتصادية، وضرورة مواصلة تعزيز التبادل التجاري بين البلدين والاستفادة من افتتاح منفذ جديدة عرعر والإسراع بافتتاح منفذ جميمة الحدودي، على الرغم من الفرق في كفاءة البنية التحتية للبلدين.

يشار إلى دور النفط والغاز في رسم العلاقات الدولية ومستقبل المنطقة، ودور كل من السعودية والعراق الهام، إذ لا بد من أن نحدد العوامل أو المتغيرات التي تحدد أسعار النفط عالمياً. ومن ناحية أخرى يجب أن نشخص أكبر 10 دول تنتج النفط عالمياً، لأنها تلعب دوراً رئيسياً في رسم مستقبل العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، وهي أميركا حيث تنتج تقريباً 16.49 مليون برميل، وروسيا 10.68 مليون برميل، والسعودية 10.66 مليون برميل، وكندا 5.4 مليون برميل، والصين 4.07 مليون برميل، ثم يليها كل من العراق والإمارات والبرازيل وإيران والكويت.

من ناحية أخرى تمثل دول الخليج العربي السعودية والإمارات والكويت بجانب العراق، اللاعب الأساسي في المنطقة العربية والشرق الأوسط في تحديد حجم ومستويات الإنتاج في العالم، وتمثل مركز الثقل الاستراتيجي من خلال دورها الفاعل في «أوبك بلس»، من خلال تحديد إنتاج وتصدير وأسعار النفط في العالم، ومن الضروري تعزيز الجهود الدولية من قبل السعودية والعراق.

ومن الجدير بالإشارة أن التعاون بين السعودية والعراق في النفط يتضمن دخول شركة «أرامكو» في تطوير أحد الحقول النفطية، الذي ينتج حالياً 60 مليون قدم مكعب من الغاز، لإنتاج ما يزيد على ‏400 مليون قدم مكعب من الغاز، ‏لتزويد الشبكة الوطنية بالغاز اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية، إذ جرى إطلاق جولتين من التراخيص لاستثمار وتطوير عدد من الحقول الاستكشافية في المناطق الشرقية والغربية من العراق، حيث تتضمن هذه الرقع كميات كبيرة من الغاز، مع تطلع العراق إلى مشاركة الشركات السعودية لتطوير هذه الحقول، وإنتاج الغاز المطلوب لتوليد الطاقة الكهربائية، وسدّ الحاجة المحلية من هذا الغاز.

‏وتضمَّن الملتقى عدداً من الاتفاقيات التي تخص موضوعات الطاقة، كان على رأسها الاتفاق مع السعودية لتحويل كمية من الطاقة الكهربائية إلى العراق تصل إلى 1000 ميغاواط، وقيام الشركات السعودية بإنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية في محافظة النجف، وهذه المحطة ستكون أكبر محطة في العراق باستخدام الطاقة الشمسية. كما جرى الاتفاق بين الطرفين على إنشاء بعض المدن الصناعية في الحدود المشتركة بين البلدين، وهو ما يسهم في تطوير الصناعة والتجارة لكلا البلدين.

وفي إطار الربط الكهربائي، عمل الفريق المشترك لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي السعودي-العراقي، بقدرة 1000 ميغاواط، وفق مبادئ الاتفاق الموقعة بين الجانبين، مؤكدين حرصهما وتطلعهما إلى سرعة إنجاز إجراءات الطرح والترسية لتنفيذ المشروع، وعلى أهمية توفير المتطلبات اللازمة لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، بقدرة 1000 ميغاواط، واستمرار المشاورات واللقاءات لتنفيذ مشروع نبراس الشرق للبتروكيماويات.

وفي الختام، يشار إلى ضرورة استمرار التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والنقل والخدمات اللوجستية بين البلدين، وتسهيل حركة المنافذ البرية والجوية والبحرية وإجراءات السفر ونقل البضائع، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وتكثيف التعاون وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، بما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

 

د. ثامر محمود العاني

التحويلات المالية وأهميتها في كل المراحل

تؤدي التحويلات المالية دورًا حيويًا في الاقتصادات العالمية. ويشير مصطلح «التحويلات المالية» إلى الأموال التي يرسلها الأفراد المغتربون أو العاملون في الخارج إلى بلدانهم الأصلية. ويعتبر لبنان واحداً من البلدان التي تعتمد بشكل كبير على هذه التحويلات، وذلك بسبب العديد من العوامل التي تؤثر في اقتصاده، ومنها الصراعات الداخلية والأزمة المالية التي يعانيها البلد.

تُعتبر التحويلات المالية مصدراً مهماً للعملة الأجنبية في الاقتصاد اللبناني. فعندما يقوم اللبنانيون المغتربون بإرسال الأموال إلى أهلهم في لبنان، فإنّها تعزّز مخزون العملة الأجنبية في المصارف المحلية. وبدورها، تؤدي زيادة مخزون العملة الأجنبية إلى تحسين قيمة العملة المحلية وتعزيز سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، وهنا يأتي دور البنوك المركزية في ضبط سعر الصرف لضمان استقرار الاقتصاد.

وتعزّز التحويلات المالية أيضاً الاستهلاك والإنفاق في الاقتصاد اللبناني، حيث يعتبر استقبال العملة الصعبة نتيجة لتلك التحويلات دعماً مالياً للأسَر والأفراد في لبنان، ويساهم ذلك في زيادة القوة الشرائية للمستهلكين المحليين. وبالتالي، يتزايد الطلب على السلع والخدمات المحلية، ما يؤدي إلى تحسين الأعمال التجارية المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم التحويلات المالية في تعزيز الاستثمار في الاقتصاد اللبناني. فعندما يستقبل البنك المحلي العملة الصعبة من التحويلات، تُتاح له إمكانية توجيه هذه الأموال نحو الاستثمارات المحلية. ويمكن استخدام هذه الأموال لدعم الشركات المحلية وتوسيع نطاق أعمالها، وبناء مشاريع البنية التحتية، وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة. ومن خلال زيادة الاستثمارات، يتمّ تعزيز فرص العمل وتحسين الأوضاع المالية للأفراد والأسر.

الجدير بالذكر أن التحويلات المالية تساعد أيضاً في تخفيف الأعباء المالية على الأسَر والأفراد في لبنان، إذ يعتمد الكثيرون منها على هذه التحويلات كمصدر رئيسي للدخل. وبفضل هذه الأموال، يمكن للأسر تلبية احتياجاتها الأساسية مثل المعيشة والتعليم والرعاية الصحية، ما يُخفّف الضغط المالي عن الحكومة ويقلل من حاجتها لتوفير المزيد من الخدمات الاجتماعية.

وعلى الرغم من أن التحويلات المالية تعتبر موردا هاما للاقتصاد اللبناني، إلا أنه يجب أن ندرك أنها ليست الحل الوحيد لمشاكل الاقتصاد. يجب على الحكومة اللبنانية أن تبني سياسات اقتصادية شاملة وإصلاحات هيكلية لمعالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها البلد، مثل الفساد والبطالة وعجز الموازنة. إن تعزيز المناخ الاستثماري وتشجيع الابتكار وتنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة يلعبان أيضاً دوراً هاماً في تحسين الوضع الاقتصادي في لبنان.

باختصار، توضح أهمية تدفّق التحويلات المالية على سعر الصرف وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد اللبناني. إن استقبال الأموال من التحويلات يحسّن مخزون العملة الأجنبية، ويدعم الاستهلاك والإنفاق المحلي، ويعزز الاستثمارات ويخفف الأعباء المالية. ومع تبنّي سياسات اقتصادية شاملة، يمكن أن تؤدي هذه التحويلات دورا مهما في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في لبنان.

وعليه، كيف يمكن أن يحسّن تدفّق العملة إلى لبنان مستوى المعيشة؟

إن العملة القوية والتدفق السليم لها إلى أي اقتصاد هما مفتاحان لتحسين مستوى المعيشة. وبالنسبة للبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية ومالية خانقة، فإنّ تدفق العملة إلى البلاد يمكن أن يكون عاملاً حاسماً لتحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. ولكن، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

أولاً، يؤدي تدفق العملة القوية إلى تحسين القدرة الشرائية للأفراد في لبنان. عندما تكون لدى المواطنين القدرة على شراء السلع والخدمات التي يحتاجونها، يرتفع مستوى راحتهم وحياتهم اليومية. وهذا يعني توفر الغذاء والإسكان والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي تؤثر بشكل كبير في جودة الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدّي تدفّق العملة الى تحسين البنية التحتية في لبنان. ويمكن استخدام الأموال المستلمة لتمويل مشاريع البنية التحتية مثل بناء الطرق والجسور وتطوير شبكات النقل والمياه والكهرباء. هذه المشاريع تعزز البنية التحتية وتُسهم في تحسين الحياة اليومية للمواطنين، فضلاً عن دعم قطاع البناء وخلق فرص عمل جديدة.

من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يعزّز تدفق العملة الواردة، استثمارات لبنان. فعندما يكون هناك استقرار في الاقتصاد وتدفق العملة، يصبح لبنان وجهة جذابة للمستثمرين المحليين والأجانب. ويمكن أن تترجم هذه الاستثمارات بتوسيع الشركات المحلية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحفيز الابتكار وتطوير الصناعات المحلية. كل هذا يُسهِم في تحسين الاقتصاد وزيادة فرص العمل وتعزيز المستوى المعيشي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تدفق العملة إلى تحسين قدرة البنوك والمؤسسات المالية على تقديم الخدمات المالية للمواطنين. إذا كانت البنوك مزوّدة بمخزون قوي من العملة الأجنبية، فإنها يمكن أن تعزّز قدرتها على توفير القروض والتمويل للأفراد والشركات. كما يعزّز ذلك النشاط الاقتصادي ويفتح آفاقًا جديدة للأعمال والاستثمارات والابتكار.

في الختام، يتّضِح أن تدفق العملة إلى لبنان يمكن أن يحسّن مستوى المعيشة بطرق عديدة. ويساهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتعزيز البنية التحتية، ودعم الاستثمارات، وتحسين الخدمات المالية. ولتحقيق هذه الفوائد، يجب أن يعمل القطاع الحكومي والقطاع الخاص على توفير بيئة استثمارية مستدامة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. إن العمل المشترك والتزام جميع الأطراف سيساهمان في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة في لبنان.

 

بروفسور غريتا صعب