تقود الصين العالم حالياً في إنتاج وبيع السيارات والحافلات الكهربائية. إلاّ أنها تخطط لأبعد من ذلك بكثير، بسعيها المستمر للهيمنة على صناعة مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية، التي توفر رحلاتٍ جوية على ارتفاعٍ منخفض، وتكون أسرع وأكثر أماناً وأرخص وأقلّ تلويثاً للهواء.
“باوان” كمركز لخدمات النقل الجوي المتقدمة
يأتي اهتمام الصين بهذه المركبات الطائرة، لكونها تتميز بتصاميمٍ فريدة ومفيدة في حركة جديدة نحو التنقل الجوي المتقدم، والتنقل الجوي الحضري. أي أنها تخلق مفهوماً جديداً لتطوير البنية التحتية عبر نظام نقل جوي آمن وآلي للركاب والبضائع في المناطق الحضرية والريفية.
إنطلاقاً من ذلك، من المقرر أن تصبح منطقة باوان في مقاطعة غواندونغ الصينية مركزاً لخدمات النقل الجوي المتقدمة، حيث وقعت حكومة المقاطعة في وقتٍ سابق من هذا الشهر، اتفاقيات شراكة مع ثلاثة من مطوري هذه المركبات. وهم شركة مركبات الأجرة الطائرة “أوتوفلايت AutoFlight” ومقرها الصين، والتي تعمل على طرح مركبات “Prosperity I” في السوق. وشركة “إيهانغ EHang” الصينية للتكنولوجيا المتقدمة، و”ليليوم Lilium” الألمانية الناشئة في مجال مركبات الأجرة الطائرة.
مشروع عملاق
ستؤدي الاتفاقية مع “أوتوفلايت” إلى إنشاء مركز تسويق ومعهد بحث وتطوير في باوان التي يبلغ عدد سكانها 4.4 مليون نسمة، وهي واحدة من تسع مناطق في شنتشن. في حين تستكشف حكومة المقاطعة مع الشركات الثلاثة المذكورة أعلاه إمكانية نشر خدمات هذه المركبات الطائرة عبر منطقة الخليج الكبرى، والتي تضم هونغ كونغ وماكاو وتشوهاي وغوانغتشو، بحيث تتقلص المدة الزمنية للرحلات بنسبةٍ كبيرة.
إلى ذلك، بدأت شركة “إيهانغ” التي تتخذ من غوانغتشو مقراً لها، التعاون مع مسؤولي باوان لإنشاء مركز عرض لعمليات الحركة الجوية الحضرية، مفيدةً بأن هذا المشروع قد يتكون من 10 طرق بحلول نهاية عام 2023 وسيكون مقره في المنطقة الساحلية الجنوبية من باوان. كما تعمل الشركة إياها على إصدار الرخص المطلوبة لمركبة” EH216-S eVTOL” ذاتية القيادة، مع إدارة الطيران المدني في الصين، وإنتاجها بكمياتٍ كبيرة. يُضاف ذلك لتخطيطها لإنشاء مركز بحث وتطوير ومنشأة صيانة في باوان.
أهداف طموحة
يُظهر هذا المشروع، حسب الخبراء، أن السلطات الصينية تتبنى هذا النهج من أجل تحفيز صناعة المركبات الجوية غير المأهولة بشكلٍ أكبر. إذ تنمو حالياً هذه الصناعة في الصين بمعدل سنوي يبلغ حوالي 14 في المئة. ويوجد ما يقارب من 15 ألف شركة مصنعة لهذه الطائرات، مع أكثر من 700 ألف مالك فردي مسجل.
تنظم الصين ندواتٍ صناعية وحكومية لتسهيل تبادل المعلومات لتعزيز تنسيق وإدارة المجال الجوي على ارتفاعاتٍ منخفضة. وفي هذا الصدد، أصدرت منطقة باوان “خطتها الصناعية الاقتصادية المنخفضة الارتفاع”، وحددت أهدافاً طموحة لإنشاء البنية التحتية الأرضية بحلول عام 2025، بما في ذلك أكثر من مئة مطار. وتقول الحكومة المحلية إنها ستنشئ أيضاً أكثر من 50 مساراً للطائرات بدون طيار وتسهل 300 ألف رحلة طيران تجارية للطائرات بدون طيار سنوياً، حيث تتطلع إلى جذب الشركات الرائدة العاملة في البحث والتطوير والتصنيع والعمليات على ارتفاعاتٍ منخفضة.
نموذج “Prosperity I”
وإضافةً إلى مركبة شركة “إيهانغ” التي سيُعتمد عليها في خطط الحكومة الصينية، تعمل فرق الهندسة في “أوتوفلايت”، التي تمتلك مرافق بحث وتطوير في الصين وألمانيا وكاليفورنيا، للامتثال للوائح الجوية التنظيمية في الصين وأوروبا لنموذجها “Prosperity I” من الجيل الرابع المكون من أربعة مقاعد، والذي حقق رقماً قياسياً عالمياً لأطول رحلة تجريها مركبة إقلاع وهبوط عمودي كهربائية بشحنة كهربائية واحدة، مسجلاً 250.3 كيلومتراً.
تبلغ سرعة هذه المركبة 200 كيلومتر في الساعة، وتم تزويدها بأحدث تقنيات المتابعة، فضلاً عن مروحة دفع أفقي استُحدثت خلف المقصورة، ليصبح العدد ثلاث مراوح للدفع الأفقي، هذا إلى جانب حزمة بطاريات أيونات الليثيوم. ومن المتوقع أن تطير نسخة تحمل حمولة من هذا النموذج بحلول العام المقبل. لتسمح بعدها العمليات التجريبية بتقييم المركبة الطائرة قبل أن تدخل في الإنتاج المتسلسل.
وتدّعي الشركة الصينية أن مركباتها الكهربائية الطائرة مستدامة تماماً وصامتة، لا وبل مثالية للتشغيل الحضري ومستقبل النقل الجماعي. وهي تخطط للمشاركة في أولمبياد باريس العام المقبل. ولأجل ذلك، توصلت الشركة إياها إلى اتفاقٍ مع شركاء فرنسيين بما في ذلك مجموعة المطارات “ADP” للانضمام إلى تمرين “Re.Invent Air Mobility” الذي سيتم إجراؤه خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024. سيسمح لها ذلك بإجراء رحلات تجريبية مع مركبتها “Prosperity I” خلال الحدث الرياضي بين تموز وآب من العام المقبل، باستخدام مطار “بونتواز” في العاصمة الفرنسية كقاعدةٍ جوية.