حرب الناقلات تعود على شاشة الرادار

في ظل التطورات العالمية المضطربة، عادت أنباء حروب الناقلات. لكن هذه المرة ليست كسابقتها خلال حرب الناقلات خلال الحرب العراقية- الإيرانية في عقد الثمانينات؛ حيث جرت معظم الهجمات خلال مرور الناقلات في مياه الخليج العربي؛ إذ من الملاحظ الآن أن الاعتداءات على الناقلات أو المنشآت البترولية البحرية تتوزع على بحار عدة: الخليج العربي، والبحر الأسود، وبحر البلطيق.

فقد أطلقت أوكرانيا مُسيَّرة جوية محملةً 450 كيلوغراماً من المتفجرات على الناقلة الروسية «سيغ» في نهاية الأسبوع الأول من شهر أغسطس (آب) الجاري، في المياه الأوكرانية الإقليمية بالبحر الأسود. وتصادف هذا الهجوم مع وصول أكثر من 3 آلاف بحار أميركي في طريقهم إلى منطقة الخليج، وذلك في إطار خطة لتعزيز القوات الأميركية في الشرق الأوسط، لردع التهديدات الإيرانية للسفن التجارية المارة بمضيق هرمز.

وقد وصل البحارة الأميركيون إثر إعلان مسؤولين أميركيين أن الجيش الأميركي يدرس نشر حراس مسلحين على متن السفن التجارية العابرة لمضيق هرمز.

كانت المرة الأولى التي استخدمت فيها البحرية الأميركية حراساً مسلحين على البواخر التجارية الأميركية العابرة للمحيطات، خلال الحرب العالمية الثانية. كما رافقت سفن بحرية أميركية ناقلات النفط الكويتية خلال «حرب الخليج» خلال عقد الثمانينات. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تضع حراساً مسلحين على البواخر التجارية عندئذ، فإنها استبدلت بعلم بعض الناقلات العلم الأميركي، مما وفر لها حماية سفن الأسطول الأميركي المرافق لها في هذه الحال. لكن رغم ذلك، استمر تهديد الناقلات.

تأتي هذه التطورات في الوقت نفسه الذي يهدد فيه «الحرس الثوري» الإيراني بالاستعداد للقيام بمناورات عسكرية لعشرات من قواربه الصغيرة، لتبيان إمكاناته في غلق كل من مضيق هرمز وباب المندب في الوقت نفسه. ومن المعروف أن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها إيران بغلق المضيقين أمام الملاحة الدولية، فقد بدأت بالتصريح بهذا النوع من المناورات منذ صيف عام 2018.

هذا، ويأتي التهديد الحالي في الوقت نفسه الذي تشير فيه الأنباء إلى مرحلة جديدة من المفاوضات الأميركية- الإيرانية التي قد يتم فيها تبادل أسرى بين البلدين، والإفراج عن حسابات مصرفية إيرانية في الخارج.

وتترافق هذه الأحداث والتصريحات مع النسف الغامض قبل أشهر لشبكة «نورد ستريم» في بحر البلطيق لتصدير الغاز الروسي مباشرة عبر البحر، دون المرور في دول ترانزيت أوروبية إلى الشمال الأوروبي (ألمانيا وهولندا والنمسا). هذا المشروع الذي عارضته الولايات المتحدة منذ بدء التخطيط له، خوفاً من توسع الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.

كما بدأ الكلام في وسائل الإعلام الغربية مؤخراً، عن إمكانية رفض حكومة النيجر الانقلابية مد خط أنبوب الغاز النيجيري عبر أراضيها إلى الأسواق الأوروبية. ومن نافلة القول إن التأخير أو التوقف عن مد الأنبوب النيجيري سيؤدي بدوره إلى خلق أزمة إمداد غازية في أوروبا، بعد نسف خط «نورد ستريم». وتحاول الشركات الأميركية الضالعة في تشييد الخط النيجيري التغلب على هذه العقبة، بالتعاون مع الإدارة الأميركية، خلال المفاوضات الجارية لحل مشكلة انقلاب النيجر العسكري.

تكمن الخطورة الجيوسياسية لمجمل هذه الأحداث والتهديدات في عدم استقرار ميزان القوى الدولي، والتهديدات العسكرية الفعلية في أكثر من قارة. فمخاطر التوسع الإيراني إقليمياً قائمة على قدم وساق، رغم المحاولات لردعها. وتصاعد الاقتتال في الحرب الأوكرانية قد فتح باب النزاعات على مصراعيه بين روسيا والغرب، ليشمل مختلف أنواع الأسلحة؛ بل وحتى الكلام في بعض الأحيان من كبار المسؤولين عن قصف موسكو أو استعمال السلاح النووي. والكلام مستمر لقصف الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي، والذي يشكل خط إمدادات مهم للقوات الروسية في الحرب. هذا، مع العلم بأن الجسر قد تم قصفه فعلاً سابقاً.

تتطلب مرحلة تغيير الطاقة الحالية استتباب استقرار عالمي أكثر مما هو متوفر فعلاً، وتخصيص الأموال اللازمة من مليارات الدولارات لتطوير مصادر الطاقة المتعددة، استعداداً لعام 2050. ومن ضمن هذه الاستعدادات تخصيص الاستثمارات الضخمة لتقليص الانبعاثات الكربونية من الإنتاج البترولي، لكي يستطيع النفط والغاز المنخفض الانبعاثات التنافس مع إمدادات الطاقة الأخرى. من ثم، فإنه مطلوب من الدول البترولية حالياً إعارة اهتمام أكثر بقطاع الطاقة لديها، وكيفية تأهيله ليصبح منافساً للدول الأخرى بعد تصفير الانبعاثات في عام 2020.

وليد خدوري

ضعف صيني…نسمع عنه ولا نراه

في بداية العام، كان الكل يتحدث عن نمو متوقع في الطلب على النفط من الصين سيساعد أسعاره في التحسن.

ثم تحول هذا التفاؤل إلى تشاؤم وتوقعات بتباطؤ الاقتصاد الصيني على خلفية الأرقام المخيبة للآمال حول الإنتاج الصناعي والاستثمارات الصناعية وسوق العقار.

ليس هذا وحسب، بل هناك مخاوف من أن تدخل الصين في النفق نفسه الذي دخلت فيه اليابان، التي عانت من انكماش وتباطؤ اقتصادي طويل بعد عقود من النمو السريع.

لكن مع كل ما نسمعه عن ضعف الاقتصاد الصيني وهو ما يؤثر بصورة مستمرة سلباً على أسعار النفط، فإن الطلب على النفط من الصين لا يزال ينمو.

واردات الصين من النفط السعودي والروسي هذا العام في ارتفاع، وليس ذلك وحسب بل وارداتها من نفط إيران وصلت مؤخراً إلى أعلى مستوى في 10 سنوات، بحسب بيانات شركة «كبلر» لتتبع الناقلات (إذا صدقت أرقام كبلر).

السؤال هنا: هل وصل الطلب على النفط من الصين إلى ذروته هذا العام أم هناك مجال لمزيد من الطلب؟!

جهات عديدة مثل «إنرجي أسبكتس» وغيرها تتوقع أن الطلب على النفط من الصين وصل إلى ذروته بالفعل في الربع الثاني عند 16.4 مليون برميل يومياً، وسيهبط إلى 15.8 مليون برميل يومياً في الربع الثالث، قبل أن يرتفع إلى 16.2 مليون برميل يومياً في الربع الرابع.

ماذا يعني كل هذا؟! أن أسعار النفط هي الأخرى وصلت إلى ذروتها.

إذاً أين يذهب كل هذا النفط الذي تستورده الصين إذا كان الاقتصاد يتراجع والمخاوف حول نموه تتزايد؟!

الواضح أنه يذهب إلى المخزونات وليس المصافي لتحويله إلى وقود للسيارات والطائرات والمصانع.

ما الذي يدفع الصين للتخزين؟ قد تكون مخاوف من ارتفاع أسعار النفط في الفترة المقبلة، ما يجعلها تفضّل الأسعار الحالية.

أو قد تستفيد الصين من الخصومات التي تحصل عليها من روسيا وإيران.

زيادة التخزين اليوم تعني أن الطلب لن ينمو في الفترة المقبلة، خصوصاً إذا ما ظلت البيانات الصينية تظهر ضعفاً مستمراً.

ولهذا لا أستغرب أن تواصل السعودية تخفيض إنتاجها طوعياً حتى نهاية العام حتى لا تواصل المخزونات التجارية في الصين نموها، وتجبر هوامش التكرير التي تحسّنت مؤخراً مصافيها على إنتاج المزيد من الوقود وتصديره بدلاً من تخزين النفط.

اقترب العام على نهايته وما زلنا ننتظر ضعفاً في الطلب ونسمع عنه ولا نراه، ومن الأفضل أن نتمسك بالتفاؤل مع خطط تحفيز الصين لاقتصادها وقد نُفاجأ في الربع الرابع.

وائل مهدي

التدقيق الجنائي أكد المؤكد لا اكثر ولا أقل

يحتاج مضمون تقرير التدقيق الجنائي المكوّن من 332 صفحة، الى قراءة هادئة ومحترفة لتحليل المعلومات والمعطيات الواردة فيه، لكنّ العناوين العريضة واضحة من حيث المبدأ، وتُفيد بأنّ رياض سلامة ارتكب مخالفات، وبعض السياسيين استفادوا من أموال الصندوق الأسود، وبأنّ «الدولة» كانت المستفيد الاكبر، وهي مَن هدر المليارات.

تلهّى البعض في تفاصيل رقمية وردت في مضمون تقرير التدقيق الجنائي الذي أجرته شركة «مارسال/ألفاريز»، لإطلاق المواقف والتحليلات، وصولاً الى استنتاج مفاده انّ حاكم مصرف لبنان السابق يقف وراء الهدر وسرقة الاموال، بما أدّى الى الانهيار، وفقدان المودعين لأموالهم. في المقابل، استفادت جماهير الاحزاب من التقرير للتصويب في اتجاه خصومها. بدأ «العوني» يَتباهى بأنّ سياسته أدّت الى كشف الحقائق التي تُظهر ان سلامة هَدرَ مال المودعين. وراح «القواتي» يصوّب سهامه في اتجاه العوني من زاوية ان الكهرباء، التي كانت في عهدة التيار الوطني الحر، استهلكت لوحدها حوالى 24 مليار دولار في 6 سنوات. وبدأ خصوم تيار المستقبل يغمزون من قناة ورود اسم النائب بهية الحريري في لائحة المستفيدين من اموال المركزي، كذلك اشتعلت جبهات الشتائم والاتهامات على خلفية ورود عناوين المهرجانات التي استفادت من دعم مالي من المركزي، وهي مهرجانات مرتبطة بأسماء زوجات سياسيين.

كل هذه «الحروب» الصغيرة لا تضع الاصبع على الجرح، لأن مثل هذه «المخالفات» التي سمحت بتسرّب اموال لدعم مهرجانات او مؤسسات او حتى اشخاص، ليست بيت القصيد، وهي حتماً ليست السبب الذي أدّى الى الانهيار والافلاس وهدر اموال الناس.

في الواقع، يمكن الاستنتاج، ومن خلال العناوين العريضة للتقرير، الحقائق التالية:

اولاً – تأكيد ما أكده تقرير صندوق النقد الدولي بنسخته الانكليزية الموسّعة، والذي اشار الى انه حتى العام 2017، لم تكن هناك فجوة مالية، وكانت اموال المودعين مؤمّنة بالكامل تقريبا، في القطاع المالي اللبناني. (مصرف لبنان والمصارف). في حين ان تقرير التدقيق الجنائي اشار الى فائض بالعملات في مصرف لبنان حتى العام 2015 بلغ في حينه حوالى 7,2 مليارات دولار. وهذا يعني ان فجوة الـ73 مليار دولار نشأت في السنوات الاخيرة، لا سيما ان التدقيق الجنائي يحدّد الخسائر التي تراكمت حتى اوائل العام 2020 فقط، وقد اشار الى انها وصلت الى 50,7 مليار دولار.

ثانياً – ان ادارة مصرف لبنان كانت أحادية (solo) ومحصورة برياض سلامة، وان الرجل ارتكب مخالفات ليس أخطرها تقديم الدعم او القروض المدعومة لجمعيات او مؤسسات او مهرجانات، بل ما يتعلق بالاستفادة الشخصية المحتملة، من خلال شركة «فوري»، وهذا الملف موضع تحقيقات في لبنان واوروبا، ولم تصدر الأحكام النهائية في هذه القضية حتى اللحظة.

ثالثاً – انّ «الدولة» بمفهومها الواسع هي المسؤولة عن الانهيار، وهي المستفيد الاول من اموال المودعين، كما انها الهادِر الاكبر والاساسي لهذه الاموال. سواء من خلال قطاع الكهرباء، او من خلال سياسة الدعم، او من خلال اقتناص الاموال من مصرف لبنان عبر «إلزامه» بالاكتتاب في سندات اليوروبوندز، او حتى من خلال تثبيت سعر صرف الليرة، واستعمال اموال المودعين من اجل هذا التثبيت.

رابعاً – الهندسات المالية كانت لها حصة كبيرة في اسباب الانهيار المالي، ولكن المفارقة ان هذا الامر كان معروفاً وواضحاً، وكانت «الدولة» تعرف في حينه ان سلامة يشتري لها الوقت بسعر باهظ، ولم يرف لها جفن، بل تابعت في سياسة تبذير هذه الاموال، من خلال سلسلة الرتب والرواتب، الانفاق الاضافي الذي غطّاه مصرف لبنان من امواله (اموال المودعين). وكان معروفاً اكثر ان الهندسات المالية طريقة ابتدَعها سلامة لجذب كل اموال المصارف المودعة في الخارج الى خزائنه، وهذا ما حصل فعلاً. والمشكلة هنا ايضا، ان اسعار الفوائد التي دفعها سلامة لم تكن وحدها الحافز الذي دفعَ المصارف الى سحب الدولارات من المصارف المراسلة وايداعها مصرف لبنان، بل ان المعضلة كانت في ان اي مصرف لا يشارك في هذه العمليات المالية، لا يستطيع دفع فوائد مرتفعة لمودعيه، كما بقية المصارف المشاركة في الهندسات. وبالتالي، كان سيصبح بعد فترة خارج السوق، وقد يتعرّض للافلاس.

التدقيق الجنائي اكد المؤكد، لا اكثر ولا أقل، وهو ان الدولة هي صاحبة «الفضل» الاول والاساسي في إفلاس البلد، وهناك من استفاد من هذه الفوضى، للحصول على حصة ولو زهيدة نسبياً من هذه الكعكة السائبة.

أنطوان فرح

صيني من كل خمسة عاطل عن العمل… ماذا يمكن أن يحدث؟

سجلت بطالة الشباب الصيني أعلى مستوياتها على الإطلاق في يونيو (حزيران) الماضي، وأثرت سلبًا على الاقتصاد الصيني بأكمله.

وأفاد المكتب الوطني الصيني للإحصاء أنه بالنسبة للأعمار من 16 إلى 24 عامًا، سجل معدل البطالة رقمًا قياسيًا بلغ 21.3% – أو أكثر من واحد من كل 5 أشخاص.

وقال سون شين، المحاضر فيKing’s College London ،  “إن اتجاه بطالة الشباب واضح لأن البيانات الخاصة بها، بغض النظر عن كيفية حسابها، تُظهر أن معدل بطالة الشباب الحضري قد تضاعف تقريبًا منذ عام 2019 ويستمر في التفاقم”.

كما ذكر سون أن المشكلة تفاقمت بسبب “بيئات العمل الصعبة” التي تقلل التوظيف في الشركات الأجنبية، في حين أن قطاع الدولة غير قادر على توفير وظائف كافية تناسب توقعات الخريجين.

وبالنسبة لبيانات يوليو (تموز) الصادرة الأسبوع الماضي، أغفل مسؤولو الحكومة الصينية تمامًا البيانات الخاصة ببطالة الشباب.

وقال متحدث باسم المكتب لشبكة CNBC إن الحكومة الصينية لم تنشر بيانات عن بطالة الشباب لأنها تعيد تقييم منهجيتها وبسبب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يعني معدل البطالة بالضرورة أن هناك نقصًا في الوظائف في الصين. ووفقًا لتقرير من صحيفة نيويورك تايمز، لم يتمكن الشباب من خريجي مؤسسات التعليم العالي من العثور على وظائف “ذوي الياقات البيضاء” (القطاعات المرموقة مثل البنوك وشركات التكنولوجيا) التي يريدونها، وهي الوظائف التي ذهبوا إلى الجامعة من أجلها بالأساس.

ومع تعافي الاقتصاد الصيني بشكل أبطأ مما كان متوقعًا، فقد يكون ضرر ارتفاع معدلات البطالة مضاعفاً.

وذكرت الصحيفة أيضًا أنه في خضم الأزمة، يطلب القادة الصينيون من الشباب قبول وظائف “أقل من مؤهلاتهم” بدلًا من “لا شيء”.. بل إن الرئيس الصيني شي جينبينغ شخصيا شجع الشباب على “تحمل مرارة العيش” في سبيل بناء الشخصية والمجتمع.

لكن الأمور ليست بهذه البساطة، ووفقًا لبحث أممي، فإن بطالة الشباب تؤثر على النمو الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وعلى الاستقرار. وحذر تقرير صندوق “تشيلدرينز فاند” من أن بطالة الشباب يمكن أن يكون لها “تداعيات مؤثرة وخطيرة” وقد تسفر عن اضطرابات اجتماعية.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن ليو شينغيو، وهي شابة باحثة عن عمل، تشعر بالضيق لأن الصينيين الأكبر سناً يدعون أن جيلها “صعب الإرضاء للغاية”.

وفيما يبدو تذمراً وتمرداً، قالت ليو للصحيفة: “إنهم ليسوا من جيلنا، ولا يفهموننا… لذا فإن آرائهم لا تهمنا كثيرًا”.