متابعة قراءة ارتفاع الذهب عند التسوية مدفوعاً بتراجع الدولار وعوائد السندات
الأرشيف الشهري: أغسطس 2023
المؤشرات الأوروبية تختتم جلسة الاثنين مرتفعة مدعومة بالصناعات المنكشفة على الصين
ديون العالم.. أزمة بلا حل
أسهم أوروبا ترتفع على خلفية إجراءات صينية جديدة وقطاع التكنولوجيا يتصدر المكاسب
المؤشر نيكي يغلق على ارتفاع حاد لكن حظرا صينيا يضغط على أسهم السياحة
الذهب يرتفع مع تقييم الأسواق لأثر مسار أسعار الفائدة الأميركية
الدولار يتذبذب وسط توقعات بإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول
أسعار النفط ترتفع بعد تحرك الصين لدعم الاقتصاد المتعثر
تراجع الأرباح الصناعية في الصين للشهر السابع
إدارة ضغوط التضخم العالمية قد تصبح أكثر صعوبة
من أروقة المؤتمر السنوي لمحافظي البنوك المركزية الذي عقده بنك الاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول بولاية وايومنغ يومي الجمعة والسبت، ظهر جليا أن هناك معضلات كبرى منتشرة في جميع أنحاء العالم يمكن أن تؤدي إلى تكثيف ضغوط التضخم العالمية في السنوات المقبلة.
مما يجعل من الصعب على الاحتياطي الفدرالي والبنوك المركزية الأخرى تحقيق أهداف التضخم الخاصة بها.
وفي العديد من الخطب والدراسات الاقتصادية رفيعة المستوى التي تم تقديمها، ظهر القلق واضحا من عدة موضوعات، على رأسها ارتفاع الحواجز التجارية، وشيخوخة السكان، والتحول الطاقي من الوقود الأحفوري الذي ينشر الكربون إلى الطاقة المتجددة.
قيود التجارة
لعقود من الزمن، كان الاقتصاد العالمي يتحرك نحو قدر أكبر من التكامل، مع تدفق السلع بحرية أكبر بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين.
وسمح الإنتاج المنخفض الأجر في الخارج للأميركيين بالاستمتاع بالسلع الرخيصة وأبقى التضخم منخفضًا، وإن كان ذلك على حساب العديد من وظائف التصنيع في الولايات المتحدة.
لكن منذ ظهور الوباء، ظهرت علامات لتراجع هذا الاتجاه. وقامت الشركات المتعددة الجنسيات بنقل سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين.
وهم يسعون بدلا من ذلك إلى إنتاج المزيد من العناصر ــ وخاصة أشباه الموصلات، التي تشكل أهمية بالغة لإنتاج السيارات والسلع الإلكترونية ــ في الولايات المتحدة، بتشجيع من الإعانات الضخمة من قِبَل إدارة بايدن.
ومن ناحية أخرى فإن الاستثمارات واسعة النطاق في الطاقة المتجددة قد تكون مدمرة، على الأقل مؤقتاً، من خلال زيادة الاقتراض الحكومي والطلب على المواد الخام، وبالتالي ارتفاع التضخم.
شيخوخة السكان
أيضا، فإن قسماً كبيراً من سكان العالم يتقدمون في السن، ومن غير المرجح أن يستمر كبار السن في العمل. ومن الممكن أن تكون هذه الاتجاهات بمثابة صدمات للعرض، على غرار النقص في السلع والعمالة الذي أدى إلى تسارع التضخم خلال التعافي من الركود الجائحة.
قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في خطاب ألقته يوم الجمعة: “إن البيئة الجديدة تمهد الطريق لصدمات أسعار نسبية أكبر مما شهدناه قبل الوباء. إذا واجهنا احتياجات استثمارية أعلى وقيودًا أكبر على العرض، فمن المرجح أن نشهد ضغوطًا أقوى على الأسعار في أسواق مثل السلع الأساسية – خاصة بالنسبة للمعادن التي تعتبر ضرورية للتكنولوجيات الخضراء”.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد عمل البنك المركزي الأوروبي، وبنك الاحتياطي الفدرالي، والبنوك المركزية الأخرى التي تتمثل صلاحياتها في إبقاء زيادات الأسعار تحت السيطرة. ولا تزال جميع البنوك المركزية تقريبًا تكافح من أجل كبح التضخم المرتفع الذي اشتد بدءًا من أوائل عام 2021 ولم يهدأ إلا جزئيًا.
وقال بيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: “نعيش في هذا العالم حيث يمكننا أن نتوقع حدوث المزيد من صدمات العرض. كل هذه الأشياء تجعل الإنتاج أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وبالتأكيد فإن هذا الوضع هو ما تكرهه البنوك المركزية أكثر من غيره”.
تغير الأنماط
وأثارت الأنماط المتغيرة في حركة التجارة العالمية أكبر قدر من الاهتمام خلال مناقشات يوم السبت في مؤتمر جاكسون هول.
ووجدت دراسة قدمتها لورا ألفارو، الخبيرة الاقتصادية في كلية هارفارد للأعمال، أنه بعد عقود من النمو، انخفضت حصة الصين من الواردات الأميركية بنسبة 5% من عام 2017 إلى عام 2022.
وأرجع بحثها هذا الانخفاض إلى التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، وجهود الشركات الأمريكية الكبرى للعثور على مصادر أخرى للسلع وقطع الغيار بعد أن أدى إغلاق الصين بسبب الوباء إلى تعطيل إنتاجها.
وجاءت هذه الواردات إلى حد كبير من دول أخرى مثل فيتنام والمكسيك وتايوان، التي تتمتع بعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة مقارنة بالصين -وهو الاتجاه المعروف باسم “دعم الأصدقاء”.
وعلى الرغم من كل التغييرات، وصلت واردات الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2022، مما يشير إلى أن التجارة الإجمالية ظلت مرتفعة.
وقالت ألفارو: “نحن لم نتخلص من العولمة بعد. إننا نشهد “إعادة تشكيل كبيرة للخارطة” تلوح في الأفق مع تحول أنماط التجارة.
توطين الصناعة
وأشارت إلى أن هناك أيضًا علامات أولية على “التوطين” من خلال عودة بعض الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة. موضحة أن الولايات المتحدة تستورد قطع الغيار والسلع غير المكتملة أكثر مما كانت عليه قبل الوباء، وهو دليل على أن المزيد من عمليات التجميع النهائي تحدث محليًا.
وقالت إن تراجع وظائف التصنيع في الولايات المتحدة يبدو أنه قد وصل إلى أدنى مستوياته.
ومع ذلك، حذرت ألفارو من أن هذه التغييرات لها جوانب سلبية أيضا: ففي السنوات الخمس الماضية، ارتفعت تكلفة البضائع القادمة من فيتنام بنحو 10% ومن المكسيك بنحو 3%، مما زاد من الضغوط التضخمية.
وبالإضافة إلى ذلك، قالت إن الصين عززت استثماراتها في المصانع في فيتنام والمكسيك.
علاوة على ذلك، فإن الدول الأخرى التي تشحن البضائع إلى الولايات المتحدة تستورد أيضًا قطع الغيار من الصين. وتشير هذه التطورات إلى أن الولايات المتحدة لم تخفض بالضرورة علاقاتها الاقتصادية مع الصين.
وفي الوقت نفسه، قد تعمل بعض الاتجاهات العالمية في الاتجاه الآخر وتهدئ التضخم في السنوات المقبلة. ومن بين هذه العوامل ضعف النمو في الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
وفي ظل الصعوبات التي يواجهها اقتصادها، سوف تشتري الصين كميات أقل من النفط والمعادن والسلع الأساسية الأخرى، وهو الاتجاه الذي من شأنه أن يفرض ضغوطاً هبوطية على التكاليف العالمية لتلك السلع.
إعانات الدعم
وقال كازو أويدا، محافظ بنك اليابان، خلال مناقشة يوم السبت، إنه على الرغم من أن النمو المتعثر في الصين “مخيب للآمال”، إلا أنه ينبع بشكل رئيسي من ارتفاع حالات التخلف عن السداد في قطاع العقارات المتضخم، وليس التغيرات في أنماط التجارة”.
وانتقد أويدا أيضًا الاستخدام المتزايد للإعانات لدعم التصنيع المحلي، كما فعلت الولايات المتحدة في العامين الماضيين. وقال إن “الاستخدام الواسع النطاق لسياسة التوطين الصناعية على مستوى العالم يمكن أن يؤدي إلى مصانع غير فعالة”، لأنها لن تكون بالضرورة موجودة في المواقع الأكثر فعالية من حيث التكلفة.
ودافعت نغوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، عن العولمة. وأدانت أيضًا ارتفاع إعانات الدعم والحواجز التجارية. وأكدت أن التجارة العالمية غالبا ما تكبح التضخم وساعدت بشكل كبير في الحد من الفقر.
وقالت: “التجارة المفتوحة هي مصدر لتقلص الضغوط الانكماشية وتقليل تقلبات السوق وزيادة النشاط الاقتصادي… لكن التفتت الاقتصادي سيكون مؤلما”.
أسعار النفط حول 85 دولاراً
أفادت دراسة صدرت عن معهد «أكسفورد لدراسات الطاقة» في منتصف شهر أغسطس (آب) الحالي بأن أسعار نفط برنت قد ارتفعت إلى معدل جديد حول 85 دولارا بسبب «تخفيض الإنتاج النفطي السعودي الإضافي في شهر يوليو (تموز)، وتقلص مؤشرات الركود الاقتصادي عالميا، ومعلومات نفطية صينية مشجعة خلال النصف الأول من عام 2023».
وأضافت دراسة «أكسفورد» أنه في حين استطاعت أسواق النفط التأقلم مع النتائج المترتبة للحرب الروسية – الأوكرانية، إلا أنه في الوقت نفسه، أدت هذه الحرب إلى متغيرات مهمة في الوسائل اللوجيستية لتجارة النفط، بالذات بعد الحظر الذي تبنته الأقطار الأوروبية على استيراد النفط والغاز الروسيين.
تدل المؤشرات المتوفرة أنه قد طرأت تغييرات ضخمة في طرق نقل الإمدادات البترولية، وأن صادرات النفط الخام الروسية قد ارتفعت قليلاً خلال النصف الأول لعام 2023، حيث توجه كثير من هذه الصادرات إلى الصين والهند، من ناحية. في الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى نجد أن أوروبا استطاعت أن تعوض النفط الروسي، بصادرات نفطية من الشرق الأوسط، وغرب أفريقيا والولايات المتحدة.
لكن في الوقت نفسه، تفيد دراسة «أكسفورد» بأن الأسواق قد أصبحت مجزأة أكثر، وأقل شفافية عما كانت عليه قبل الحظر الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن طرق مواصلات تصدير النفط الخام والمنتجات البترولية قد أصبحت أطول وأكثر تكلفة، الأمر الذي يزيد من ثمن الصادرات البترولية.
تشمل التغييرات في طرق المواصلات، مثلاً، الصادرات البترولية الروسية والأميركية معاً، إذ إن حوالي 90 في المائة من صادرات النفط الخام الروسية للصين والهند تتم عن طريق الشحن البحري، كما أن صادرات النفط الخام الأميركي إلى أوروبا وآسيا قد سجلت أرقاماً قياسية. تعكس طرق المواصلات الجديدة هذه تبني أسواق جديدة للطرفين الروسي والأميركي. ففي حين كانت معظم الصادرات الروسية تنقل بالأنابيب المباشرة إلى أوروبا، واستوردت الأسواق الآسيوية والأوروبية من دول الخليج أو من مناطق قريبة أخرى، نجد أن هاتين السوقين تستوردان نفطاً أكثر من الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي أو المحيط الهادي، مما يعني نفقات أعلى.
وتضيف دراسة «أكسفورد» أن صادرات المنتجات البترولية الروسية إلى أوروبا قد توقفت تماماً. هذا، في حين، أن صادرات المنتجات البترولية الروسية قد ارتفعت خلال النصف الأول لعام 2023 إلى الأقطار الآسيوية، والخليج، وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية إلى معدلات تفوق ما كان يتم تصديره إلى هذه الأسواق قبل الحظر.
يعود السبب في زيادة الصادرات الروسية للأسواق الجديدة إلى الحسومات التي تمنحها الشركات الروسية، الأمر الذي يعوض بعض الشيء ارتفاع سعر الشحن للمسافات البعيدة عن موانئ التصدير الروسية.
لقد أدت العقوبات إلى تغييرات هيكلية في تجارة المنتجات البترولية. وقد كان هناك بالفعل تخوف أوروبي عند مناقشة العقوبات في بروكسل حول آثار توقف صادرات الديزل الروسي عن أوروبا. فقد كانت روسيا المصدر الأكبر والأساسي لإمدادات الديزل إلى السوق الأوروبية. وبالفعل توقفت صادرات الديزل الروسية إلى أوروبا بعد الحظر، إلا أنه قد استطاعت الأقطار الأوروبية بعد الحظر استيراد الديزل من الشرق الأوسط، وآسيا، والولايات المتحدة.
تتوقع دراسة «أكسفورد» أن تطرأ تغييرات هيكلية وأساسية على تجارة الديزل العالمية. فأوروبا تعتمد الآن على إمدادات الديزل من مصادر بعيدة ذات مسافات طويلة، مما يرفع أسعار الديزل في أوروبا عن مستوى الأسعار في الدول المستوردة الأخرى.
وتطرقت دراسة «أكسفورد» إلى التصورات المستقبلية للطلب العالمي على النفط.
ففي الصين، مثلا، الدولة الأكثر استهلاكا واستيرادا للنفط، فإن المؤشرات العامة غير مشجعة، رغم استطاعة الصين استعادة نموها ثانية (بعد الجائحة). لكن يتضح أن هناك مطبات متوقعة للاقتصاد الصيني، إذ لا يزال يعاني الاقتصاد من مشاكل أساسية، متمثلة في الارتفاع العالي للدين المحلي وقطاع عقارات ضعيف.
إلا أنه رغم العقبات التي تواجهها الصين، فإن ارتفاع الطلب على النفط سجل معدلات عالية خلال النصف الأول من عام 2023 نحو زيادة 1.1 مليون برميل يومياً أعلى في النصف الأول لعام 2023 عن النصف الأول لعام 2022.
السؤال الآن، هل ستستطيع الصين المحافظة على مستويات الطلب العالية للنفط، أم أن الآثار السلبية للمطبات أعلاه قد تبدأ في التأثير سلبياً على الطلب خلال النصف الثاني.
تدل توقعات دراسة «أكسفورد» أن الطلب على النفط سيزداد 970 ألف برميل يومياً خلال عام 2023، وأن الطلب سيكون منخفضاً في النصف الثاني ليرتفع نحو 835 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 1.1 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من العام.
وليد خدوري
موازنة 2023 التخريبية والإصلاحات الوهمية؟
لا شك في أنّ موازنة 2023، وهي قيد الدرس في الوقت الراهن، تُبرز بعض الإصلاحات الوهميّة في عناوينها، لكن لسوء الحظ مرّة أخرى، نقول إنها موازنة تخريبية في الداخل، بل وتتابع المسلسل التخريبي المالي والنقدي والإقتصادي والإجتماعي، وهو الوضع القائم في البلاد منذ زمن بعيد. فماذا تتضمّن هذه الموازنة؟
جاءت موازنة 2023 بعد مرور تسعة أشهر على السنة الجارية، وبتنا قريبين من نهايتها، وهذا يعني أنها موازنة شكلية، ورفع عتب تجاه صندوق النقد الدولي، وكأن الأخير يسكن في كوكب آخر بعيد عن الأرض ولا يعلم ماذا يدور في كواليسنا. علماً أن لدى الصندوق مكتباً إقليمياً في لبنان، منذ مدة بعيدة، بحيث يُلاحق الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في لبنان بدقة وتجرُّد.
كما أن هذه الموازنة المطروحة، هي موازنة ضريبية بامتياز، والسؤال الذي يطرح نفسه: هذه الضرائب المفروضة على مَن؟ هل هي ضرائب على اقتصاد مهترئ؟ أو على شعب منهوب ومنكوب ومذلول؟ ثم مَن يفرض الضرائب؟ أليست هي السلطة المسؤولة المباشرة وغير المباشرة عن أكبر عملية نهب في تاريخ العالم؟
وإذا أخذنا في الإعتبار الضرائب المفروضة في موازنة 2022، وبملاحظة دقيقة لجباية هذه الضرائب، نجد أنها أقل من 15% إلى 30%. لذا، فإنّ رفع نسب الضرائب عادة يكون شكلياً، لكن في النهاية إن الجباية تكون على نحو أقل من 50 إلى 60% وفق المطلوب.
كما أن الضرائب المباشرة وغير المباشرة، المذكورة في المسوّدة، لا تُطبّق، وإذا طُبّقت لا تأخذ بالإعتبار الوضع الراهن في لبنان. وحتى لو طُبّقت، فإننا نعلم بحسب خبرتنا والتاريخ يشهد، بأنه كلّما زادت الضرائب، كلّما نقص مردود الدولة، لأنه في مقابل زيادة الضرائب، يرتفع منسوب التهريب، وتمويل الإرهاب، وتبييض الأموال، ولا تعود هذه كلّها إلى مداخيل الدولة.
إذاً، ما نلاحظه اليوم هو موازنة شكلية، وهميّة، لن تُطبّق، وإذا طُبقت فإنها ستُطبّق على الإقتصاد الأبيض، ومَن يختار الحوكمة الرشيدة والشفافية.
كذلك، تجدر الإشارة إلى أن موازنة 2023 ترتكز على سعر منصّة صيرفة. علماً أنه في الـ 839 صفحة التي تضمّنتها الموازنة، لم يُذكر فيها كلمة «صيرفة». لذا، فإن هذه الموازنة مبنيّة على منصّة وهميّة، وهي معرّضة للتوقف عن العمل تدريجاً.
وإذا ما قارنّا ما بين موازنتي 2022 و2023، فإن واضعي الموازنة يوهمون القارئ لها بأن المداخيل زادت بنسبة 4.8 أضعاف، أي بالأحرى 5 أضعاف، لكن نظرياً، تُفيد الحقيقة بأن الموازنة الحالية لن تجد أحداً يُطبّقها، وإذا طُبّقت فإنها تُطبّق بالطريقة السوداوية وغير الشفّافة.
وعليه، يُعطى لوزير المال من خلال هذه الموازنة، الصلاحية الكاملة، على صعيد تغيير الشطور والتنازلات، إذا لزم الأمر. وهذا أمر مهم، بأن صلاحية معيّنة تُسحب من مجلس الوزراء وتُحوّل إلى وزير المال، وهذا يحصل للمرة الأولى، ما يدلّ على تغيير في القوانين والأعراف، والتي تُخالف مبدأ الشفافية والحوكمة في لبنان.
في المحصّلة، مرّة أخرى، نجد أنفنسنا أننا لم نتعلّم شيئاً من خلال المنصّات التنفيذية والدستورية، بعيداً عن الإستراتيجية والرؤية الواضحة، كأن شيئاً لم يحصل في لبنان، وكأننا نسينا أن أموال المودعين قد نُهبت، وأننا نُواجه أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، فيما أداء المسؤولين لا يزال مستمراً على هذا النحو الرديء والسيئ. علماً أنّ الحكومة الحالية تطلب الإستدانة من «المركزي» من دون أي جدولة لإعادة الهيكلة لاقتصادنا المهترئ، وغيرها من الإصلاحات الضرورية. إنها موازنة الهروب إلى الأمام لحفظ ماء الوجه حيال صندوق النقد الدولي، الذي من غير الممكن أن يقع في أفخاخها، فيما لا نزال نحفر في النفق العميق عينه، من دون أي إصلاحات تُذكر.
د. فؤاد زمكحل
تدهور الاقتصاد الصيني
انهمرت التقارير والتوقعات المتشائمة حيال الاقتصاد الصيني، بعد سلسلة من الأحداث الأسبوع الماضي، منها مخالفة نتائج شهر يوليو (تموز) لمبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي التوقعات، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، وإعلان شركة «إيفرغراند» العقارية العملاقة إفلاسها في الولايات المتحدة. لم تكن هذه الأحداث وحدها الدافع الوحيد للتشاؤم حيال الاقتصاد الصيني، بل هناك عدد من الحيثيات والتحديات الأخرى، مثل فشل النمو في تلبية التوقعات بسبب انخفاض الطلب، ووقوع الشركات والمؤسسات الحكومية الصينية تحت طائلة الديون، وانخفاض اليد العاملة، والقيود الغربية المفروضة على نقل التقنية. كل ذلك طرح فكرة قد لا تكون جديدة، ولكنها لم تُؤخذ على محمل الجد قبل ذلك، وهي أن فترة ازدهار الصين التي امتدت أربعين عاما قد انتهت، وأن الصين لن تصبح بعد اليوم محرك نمو الاقتصاد العالمي، وما تعثراتها في ربيع هذا العام إلا نذير بمشكلة أكثر خطورة على المدى البعيد. فما أسباب وصول الصين إلى ما هي عليه اليوم؟ وما مدى مصداقية هذه التقارير؟
ارتكزت الصين خلال فترة نموها على يدها العاملة، واستطاعت الحكومة الصينية التعامل مع ما رآه الجميع مشكلة، وهو عدد السكان، محولة إياه إلى نقطة قوة، ورافعة بذلك إنتاجيتها إلى مستويات مكّنت اقتصادها من نمو تاريخي. وانتشلت خلال هذه الرحلة مئات الملايين من الصينيين من تحت خط الفقر. ولكن الصين اليوم ولأول مرة منذ عام 1961 تشهد انخفاضاً في عدد السكان، هذا الانخفاض لم يكن متوقعاً حتى عام 2029 على الأقل. وتوقعت الأمم المتحدة أن يستمر انخفاض سكان الصينيين ليصل إلى 800 مليون بنهاية هذا القرن، مقارنة بـ 1.4 مليار حالياً.
ولسنوات طويلة اعتمدت الصين نظام الطفل الواحد، حتى وصلت نسبة الخصوبة لـ 1.2 طفل لكل امرأة. وفي عام 2021 غيرت الحكومة هذه السياسة من طفل واحد إلى 3 أطفال، إلا أن الأسلوب المعيشي اختلف الآن في الصين مقارنة بالسنوات الماضية، فالأسعار ارتفعت كثيراً في الصين التي تعد اليوم إحدى أغلى الدول في العالم لتكوين أسرة وتربية الأطفال، وأصبحت الكثير من الأسر تفضل مولوداً واحداً، بل عزف الكثير من الجيل الحالي عن الإنجاب. وانخفضت نسبة الإنجاب لتصبح نصف ما كانت عليه قبل 7 سنوات. هذا التوجه سيجعل الصين تعاني من تحديات مستقبلية، منها ما هو ظاهر اليوم وهو انخفاض عدد اليد العاملة التي كانت تراهن عليها الصين، ومنها أيضاً ارتفاع معدل أعمار الشعب، وهو ما سيضع ضغطاً في المستقبل على الحكومة لتوفير الرعاية الاجتماعية.
وقد يقول قائل إن هناك تعارضاً بين انخفاض عدد السكان، وارتفاع معدلات البطالة، حيث يفترض أن تزيد فرص العمل للشباب عند انخفاض عدد السكان. والواقع أن نوعية الوظائف المتوافرة أصبحت لا تتناسب مع الباحثين عن عمل، فعدد الخريجين من الجامعات في الصين لهذا العام وحده نحو 11 مليون خريج، وهو بلا شك أمر يحسب للصين التي بلغت نسبة الأمية فيها عام 2000 واحداً لكل 10 بالغين. في المقابل فإن الوظائف المتوافرة لا تتناسب مع طموحات هؤلاء الخريجين، وهو ما جعل القادة الصينيين ينتقدون الشباب بوصفهم غير جيدين في العمل اليدوي ولا راغبين في الانتقال إلى الأرياف.
وقد وصلت معدلات البطالة للصينيين بين الأعمار 16 إلى 24 نحو 21.3% وهي الأعلى تاريخياً، وقد أوقفت الحكومة بعده هذه الإحصائية إعلان البيانات تماماً، وهو إجراء يتناسب مع طبيعة الحكومة الصينية، ولكنه بكل تأكيد لا يساعدها في جذب الاستثمارات الأجنبية التي قد تكون أحد الحلول المهمة لدعم اقتصاد الصين في المستقبل، والتي بكل تأكيد لا تشجعها سياسة التعتيم على البيانات.
وفي المقابل، فإن الصين تستنكر هذه التقارير، وترى أن وسائل الإعلام الغربية تضخم المشكلات الحاصلة في الصين حالياً لأسباب سياسية. وقد كان رد وزير الخارجية الصيني قاسياً حين قال: «إن الواقع سوف يصفعهم على وجوههم». وقد يكون للصين مبررها في هذا الرد، والمبرر ليس من المسؤولين الصينيين وحدهم، فصندوق النقد الدولي توقع أن يشكل نمو الصين هذا العام ما نسبته 35% من النمو العالمي، هذا التوقع كان بداية العام، ولم يحدث في الصين بعد ما يجعل هذا التوقع المتفائل ينقلب إلى التشاؤم الحالي.
لا شك أن للغرب أجندته في محاولة الضغط على الصين بهذه التقارير التي توصّل بعضها إلى أن دور الصين الاقتصادي في المستقبل قد جرى تضخيمه كما ضُخم دور اليابان في التسعينات، وروسيا قبلها في الستينات الميلادية، حيث دخل كلاهما في دوامات دهورت اقتصادهما. ولا يمكن الحكم على مستقبل الاقتصاد الصيني من النتائج الربعية، أو من أداء قطاع العقار حتى إن كانت نسبته ضخمة من الناتج القومي الصيني. ولكن المتأمل في الواقع الصيني يدرك أنها تعاني من مشكلة ديموغرافية، فالتوجه السكّاني لا يتناسب مع النموذج الاقتصادي الحالي، وهو ما يستدعي إصلاحات هيكلية جديدة في الدولة قد تعطل الصين على المدى القصير، ولكنها جوهرية لاستمرار الازدهار الاقتصادي.
عندما يكشف منصوري الــمستور: 800 مليون دولار كانت مُخبّأة
ركزّت معظم ردود الفعل على البيان التوضيحي الذي أصدره مصرف لبنان حول الموجودات والمطلوبات، على مسألة الشفافية غير المألوفة سابقاً، وعلى المبلغ المتبقّي من الاحتياطي الالزامي. لكن هناك نقاطاً أخرى ينبغي التوقف عندها، من ضمنها تصحيح العلاقة بين «الدولة» ومصرفها المركزي.
عندما يَسأل زوّار احد نواب حاكم مصرف لبنان، عن سر اختفاء الـ600 مليون دولار من الاحتياطي الالزامي ومن ثم ظهور المبلغ بشكل مفاجئ في النصف الثاني من شهر تموز، يبتسم ويرد على السؤال بسؤال: 600 مليون دولار فقط؟ اعتقد انّ المبلغ اكبر بقليل من ذلك.
ورغم ان نائب الحاكم يتحفّظ عن الشرح بوضوح عن القطبة المخفية في هذا الموضوع، الا أنه يؤكد انّ إخفاء المبلغ كان مقصودا، وكان الامر معروفاً من قبل نواب الحاكم، أو من قبل بعضهم على الاقل، وانهم لفتوا سلامة في حينه الى هذه الثغرة، لكنه تجاهل الامر.
وبعد صدور البيان التوضيحي المفصّل عن الحاكم بالانابة وسيم منصوري في شأن الوضع المالي الحالي في مصرف لبنان، اتّضَح ان كلام نائب الحاكم دقيق لجهة حجم المبلغ الذي كان ضائعا، ومن ثم ظهر فجأة في اليوم الاخير من ولاية سلامة. والـ600 مليون دولار التي ذكرها بيان تموز، زاد عليها بيان منصوري في آب حوالى 200 مليون دولار، ليصبح اجمالي المبلغ الذي كان غير مَرئي في البيانات المالية لمصرف لبنان حوالى 800 مليون دولار. وبما ان الادارة الجديدة للمصرف لم تنفق اي دولار اضافي بعد تسلّمها مهام الحاكمية، فهذا يعني انّ الـ200 مليون الاضافية هي ايضا من موروثات العهد السابق.
واذا أخذنا في الاعتبار ما قاله نائب الحاكم لزواره في شأن معرفته المسبقة بوجود الثغرة، فهذا يرجّح نظرية ان هذه الاموال (800 مليون دولار) كانت قد أُنفقت، لكنها أُخفيت في القيود من خلال الاعمال المحاسبية. وبالتالي، يصبح من المرجّح ان قسماً كبيراً منها استُخدم لتغطية الخسائر التي كان يتكبدها مصرف لبنان من خلال منصة صيرفة، للادعاء بأن تثبيت سعر صرف الدولار لم يكن مكلفاً، وهذا الامر تبين اليوم انه ادعاء كاذب. واذا احتسبنا الارقام منذ نيسان، بعدما باشَر مصرف لبنان قرار تثبيت الدولار عبر صيرفة، يتبين ان خسائر المركزي في 4 اشهر بلغت حوالى مليار دولار سُحبت من اموال المودعين في المصرف.
ويردّد المصدر نفسه (نائب الحاكم) ان الادارة الجديدة للمركزي وضعت صخرة بينها وبين السلطة السياسية. وهو يقصد بالطبع القرار المُتخذ بعدم تمويل الدولة من الاحتياطي الالزامي، سوى ضمن الشروط التي وضعتها الحاكمية بالانابة بقرار يحظى بإجماع نواب الحاكم. لكن هذه الصخرة لا تكفي للاطمئنان، لأن المطلوب في هذه الحقبة تعاون كل الجهات لحلحلة الأزمات الطارئة بانتظار الوصول الى الحل الشامل، والذي يتماهى مع عمق أزمة نظامية (systemic crisis) مثل التي يعيشها البلد منذ حوالى 4 سنوات.
وعلى سبيل المثال، واذا افترضنا ان حاكمية المركزي بالانابة، حافظت على هذه الصخرة بينها وبين السلطة، ومن ثم عمدت السلطة، ومثل هذا الامر وارد بقوة، الى مواصلة الانفاق عبر ضخّ المزيد من الليرات، سواء لتسديد المطلوبات بواسطة الليرة، أو لشراء دولارات من السوق، ماذا ستكون النتيجة؟
تتصرف الادارة الجديدة للمركزي حيال هذا الاحتمال على اساس ان لا علاقة لها، واذا انهارت الليرة دراماتيكياً بسبب تكبير الكتلة النقدية بالليرة بقرار من السلطة السياسية، فهي تتحمّل المسؤولية.
لكن المشكلة ليست في تحديد المسؤوليات فقط، بل في النتائج التي سيتحملها الاقتصاد والبلد والمواطن. وبالتالي، ليس المطلوب ان تعود الادارة الجديدة عن قرار وقف تمويل الدولة من اموال المودعين المتبقية في المركزي، بل انّ الوضع الاستثنائي القائم يحتّم المزيد من التعاون بين الدولة ومصرفها المركزي. واذا كان مصرف لبنان، هو مصرف القطاع العام، وهو المصرف المسؤول عن تأمين العملة الاجنبية للدولة، عندما تتأمّن التغطية بالعملة الوطنية، فمن باب الاولى ان تتم «المصالحة» بين «الدولة» ومصرفها المركزي، لتمرير هذه الحقبة الحَرجة في تاريخ البلد. العلاقة كما كانت بالامس غير سليمة، لأن الدولة تصرفت وكأن صندوق مصرف لبنان وصندوقها المالي واحد، وتستطيع ان تغرف من هذا الصندوق قدر ما تشاء. ولكن المفارقة ان الدولة ومصرفها المركزي، وعند اول مفترق، تبادلا الاتهامات، وصارت الحكومة تدّعي (ورقة سمير ضاهر) انّ المركزي هو من أنفق القسم الاكبر من الاموال التي تحولت الى خسائر، في حين ان المركزي يرد بأن الدولة هي من انفق القسم الاكبر (تصريحات وارقام سلامة). وفي النتيجة، يتفق الفريقان على انهما الجهة التي انفقت الاموال. وبالتالي، المطلوب اليوم ان تتصالح الدولة مع مصرفها، وان يتم التعاون وفق قانون النقد والتسليف، ووفق متطلبات المرحلة الاستثنائية، على اجراءات تساعد في ادارة الأزمة، بانتظار البدء في الحل الشامل، الذي أدّى تأخيره الى الكارثة المالية التي يعانيها البلد اليوم.
أنطوان فرح