عُقد مؤتمر التعدين الدولي خلال الفترة من 10 إلى 11 يناير (كانون الثاني) 2024 في السعودية؛ حيث ركزت الجلسات الحوارية المكثفة على وضع الحلول أمام التحديات التي تواجه المنظومة، إلى جانب أهمية تلبية الطلبات المتزايدة على المعادن الاستراتيجية؛ إذ إن الحدث أصبح يشكل منصة ثرية للنهوض بالصناعة على مستوى العالم، وإن الهدف المستقبلي يكمن في جعل القطاع ذا أثر حقيقي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
إن الهدف من المؤتمر أن يكون رائداً لقطاع المعادن الذي يرتكز على إنشاء مراكز تميز لبناء القدرات البشرية، والعمل على تمكين الاستثمار من خلال تطوير السياسات والإجراءات، ويتم التركيز على المعادن الاستراتيجية والحرجة التي ستساهم في التحول للطاقة الذي يشهده العالم، وكذلك الاستدامة في القطاع، وتنمية المجتمعات المحلية والمستثمرين في التعدين.
وسلَّطت جلسات فعاليات مؤتمر التعدين الدولي الضوء على ضرورة تعزيز الابتكارات التكنولوجية المستمرة، وأهمية توفير الإمدادات المستقرة من البطاريات لإعادة تدويرها، وذلك للنهوض بالصناعة وتحقيق مستهدفاتها على المدى البعيد، وكذلك ضرورة الحاجة إلى المعادن الحرجة، لتحقيق التحول في الطاقة؛ إذ ركز المسؤولون في القطاع على ضرورة بذل جهود موازية، مع توسيع نطاق الصناعة، والقيام بذلك بطريقة مستقلة، وعلى الدور المحوري الذي تلعبه الصناعة بيئياً واجتماعياً، وعلى التحدي المتمثل في العثور على الإدارة الجيدة لشركات التعدين، في سبيل تحقيق الاستدامة.
من ناحية أخرى، حصلت «الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية» (مدن) التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة جزءاً كبيراً من أسهمها، على شهادة اعتماد عالمية، لإنتاجها 614 كيلوطناً من الأمونيا ذات الانبعاثات المنخفضة، وهو ما يمثل نقطة تحول جديدة للمستقبل؛ إذ إن الهيئة لديها أكبر برنامج استكشافي في العالم، وحددت 18 مشروعاً لزيادة وتيرة العمل في المجال وتحقيق الاستدامة.
وشاركت «مدن» خلال المؤتمر بجلسة نقاشية حول دعم استقرار سلاسل توريد الصناعات التعدينية، ودعم توريد الصناعات المعدنية، وتحقيق استدامة إمدادات المعادن في مدنها الصناعية؛ إذ استطاعت «مدن» تحقيق ارتفاع نسبته 4.36 في المائة بعدد المصانع التحويلية التعدينية لتصل إلى 1629 مصنعاً خلال عام 2023، ويتركز أغلبها في المدن الصناعية بالرياض وجدة والدمام والخرج، ما يُسهم في تحقيق إيرادات قياسية لقطاع التعدين بالسعودية.
وأبرمت «مدن» خلال هذا المؤتمر مذكرتَي تفاهم: الأولى مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، لتنفيذ مشروعات بحثية ودراسات مشتركة في المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها: توطين التقنية، ودعم المحتوى المحلي، وتنمية رأس المال البشري، ووقعت المذكرة الثانية مع شركة «معادن» للتعاون في مجالات دعم المحتوى المحلي، ورفع كفاءة الخبرات الوطنية وزيادة التوظيف، إضافة إلى دعم الاقتصاد المناطقي، وإطلاق الفرص الاستثمارية في مجالات التعدين، عبر برنامج «ثروة» الذي أطلقته «معادن» نهاية عام 2022.
وتعمل «مدن» على تنويع القاعدة الإنتاجية، ودعم قطاع التعدين، تماشياً مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي خطَّت مسارات واسعة للتنمية الصناعية، بمضاعفة القيمة المضافة، وزيادة نسبة المنتجات المصنعة ذات القاعدة التقنية، ورفع معدل الصادرات الوطنية، بالمواءمة مع تطلعات «رؤية 2030»، كما تُسهم المدن الصناعية الواقعة تحت إشراف الهيئة في تعزيز المحتوى المحلي بعدد من الصناعات النوعية ذات العلاقة، من بينها: صناعة الكابلات، والزجاج، والحجر، والرخام، والجرانيت، إضافة إلى الحديد والصلب، وصفائح الألمنيوم، والخزفيات، وكذلك الخرسانة الجاهزة، ومواد البناء، كالترويبة والمواد اللاصقة.
وسبق أن عُقدت فعاليات مؤتمر التعدين الدولي خلال الفترة من 11 إلى 13 يناير 2022، بعنوان «مستقبل المعادن»، والتي أكدت أهمية المبادرة العربية للمعادن المستخدمة في مجال الطاقة النظيفة، تماشياً مع الجهود الدولية نحو الوصول إلى نُظم طاقة أنظف وأقل انبعاثات، والحد من التغير المناخي، وضرورة مواكبة التطورات التقنية، وتوظيفها لتحقيق التنمية المستدامة في الصناعة لدى الدول العربية، وتعزيز مكانة المعادن، وتعظيم قيمتها، وحُسن استغلالها، وتعزيز سلسلة القيمة الخاصة بها.
ولفتت وزارة الصناعة والثروة المعدنية إلى التأكيد على المشاركين، أن قطاع التعدين العالمي يتسم بالتحديات والفرص الكبرى؛ خصوصاً في مرحلة التعافي من جائحة «كوفيد– 19»؛ حيث يؤدي تعامل شركات التعدين مع مخاطر الصحة العامة المرتبطة بالفيروس وما نتج عن الأزمة، إلى تعافي سلاسل التوريد وزيادة طلب المستهلكين، إذ جرت مناقشة زيادة الطلب على المعادن الاستراتيجية التي من المتوقع أن تنمو بوتيرة أسرع في العقود القادمة، وما يمثله هذا النمو من فرصة استثمارية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك موقفاً جماعياً بشأن أهمية المعادن للمجتمعات والاقتصادات المستقبلية، والدعوة إلى خريطة طريق لإحراز تقدم في حوار أصحاب المصلحة المتعددين، بشأن التعدين والصناعات التعدينية في هذه المناطق، والإشادة من جميع الحضور من ممثلي الحكومات والشركات بما تتمتع به السعودية من قدرات كبيرة في التعدين، وبأنها تمتلك كثيراً من المقومات للتميز في هذا القطاع، لتصبح مركزاً لشركات خدمات التعدين، ومقراً إقليمياً لها، لكونها تتوسط منطقة تعدينية مهمة، تمتد من أفريقيا إلى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وفي الختام، الدعوة إلى بناء فلسفة عمل مختلفة في مواجهة تحديات الصناعة المتطورة، مما يشير إلى أن العمل مع الشريك المناسب لإضافة القيمة هو أمر أساسي، وأن العنصر البشري من أهم العناصر التي لا بد من التركيز عليها، وهو المستهدف الأول في التهيئة والتدريب لتأسيس سلاسل إمداد ذات قيمة، وأن الاستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع التعدين تركز على توفير بيئة عمل تستقطب المستثمرين، على اعتبار أن ذلك هدف للقطاع الذي يمثل الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية، وفق «رؤية 2030»، باعتبار المعادن عصب الصناعة المتقدمة.