بعد مرور نحو أربع سنوات ونصف السنة من الأزمة التي لُقّبت من صندوق النقد والبنك الدوليين، بأكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم، وأيضاً «أزمة متعمّدة» في كل التقارير، لم نَر حتى اليوم أي خطة واقعية أو جدّية لإعادة النهوض، أو حتى لا نيّة للإصلاح، لا بل هناك أهداف معتمدة لاستكمال هذا المشروع التخريبي، الإنهياري والكارثي.
نذكّر بأسف، بأنّ المسؤولين المباشرين في خلق هذه الأزمة غير النمطية، هم أنفسهم الذين يحاولون أن يبيعوا اللبنانيين وعوداً كاذبة وأوهاماً خيالية، وهم أيضاً الذين يديرون الأزمة، ويجرّوننا نحو الأسوأ. فالذين صنعوا هذه القنبلة النووية الإقتصادية، هم الذين فجّروها على رؤوس شعبهم، ويعدون بإعادة الإعمار الوهمي.
بعد أربع سنوات، على مرور هذه الكارثة، كانت إدارة الأزمة حتى أسوأ من الأزمة الأساسية، فبدأ الحديث عن مشروع قانون الكابيتال كونترول، والذي لم يُبصر النور حتى تاريخه، حتى تبخّر الكابيتال وتلاشى الكونترول. أما مشروع مكافحة تبييض الأموال، فبعد الأخذ والرد من منصّة إلى أخرى، شُرّع هذا القانون بعنوان جذّاب، لكنه مفرّغ من كل مضامينه. أما مشروع البطاقة التمويلية التي كانت مموّلة من البنك الدولي، فإنه لم يُبصر النور حتى اليوم، جرّاء خلافات داخلية حول توزيع البطاقة والمنصّة الإدارية وغيرها. وأخيراً شاهدنا مسلسل مشروع موازنة 2024 الكارثي، والذي يُحفّز الإقتصاد الأسود على حساب الإقتصاد الأبيض.
وقرأنا أخيراً بدعة مشروع لُقّب بقانون رد الودائع، هو في الحقيقة، قانون تشريع الهيركات وقانون شطب ما تبقى من الودائع، وقد طُويت هذه الصفحة كأنّ شيئاً لم يكن.
إن الإقتصاد اللبناني، هو اقتصاد صغير، ينهار بطريقة سريعة وبسيطة، لكن يمكن أيضاً أن ينمو بسرعة فائقة، إذا كان هناك نيّة حقيقية واستراتيجية واقعية وتنفيذ وملاحقة جدّية. لكن يا للأسف، كل هذه المكوّنات غير موجودة وليست صالحة حتى اليوم.
ومن بعد هذه الأزمة المتعمّدة، هناك مصالح مشتركة، لعدم الإصلاح، واستكمال الإنهيار والتخريب، بطريقة متعمّدة أيضاً، ومن الحكام أنفسهم. لا يُمكن إعادة الودائع إلى أصحابها، إلاّ من خلال إعادة الحركة الإقتصادية والإنماء، وإعادة تطوير القطاع الخاص، الذي هو السبيل الوحيد لإعادة الثقة وجذب الإستثمارات.
لإعادة الإنماء، الأهم هو البدء بإعادة شبه الثقة، وضخّ بعض السيولة في السوق المحلية، مع مراقبة وتدقيق شديد. فنقترح ضخ مليار دولار من «المركزي» لإعادة الحركة الإقتصادية، وإعادة التمويل، وهكذا نبدأ برَد أموال المودعين.
هكذا نعيد الحركة الإقتصادية، وترجع الودائع بالأرباح والإنماء، وليس تحت شعارات كاذبة ووهمية، وضَخ 150 أو 300 دولار أميركي لكل مودع، والذي لا يكفيه لتأمين أقلّ الحاجات الأساسية والإنسانية، ويستكمل مشروع التدمير الذاتي يوماً بعد يوم.
في المحصّلة، نذكّر ونشدّد على أن هذه الأزمة المتعمّدة تتكامل بعدم الإصلاح المتعمّد، من دون أي نيّة لإعادة الهيكلة، وإعادة البناء على أسس متينة، فالأسباب نفسها التي أوصلتنا إلى هذه الحال الكارثية لا تزال هي نفسها اليوم. إن الحل الوحيد هو بإعادة ضخّ سيولة في السوق المحلية مع مراقبة دقيقة، وتشجيع الإستثمار في كل القطاعات الإنتاجية، لإعادة الإنماء، وتزامن ضَخ السيولة مع مشروع الكابيتال كونترول لصرف الأموال في داخل لبنان، من دون تهريب وفساد. هكذا نعيد بناء الثقة المفقودة، ونعيد بناء هيكلنا حجراً بعد حجر عوضاً من استكمال التدمير الذاتي الجاري.
د. فؤاد زمكحل