قال رالف شولهامر، أستاذ زائر في مركز الأبحاث البلجيكي “إم سي سي بودابست”، إن أوروبا تشهد شائعات لسيناريوهات كارثية، وهو أمر مفهومٌ بالتزامن مع تدفق سيل من الأخبار المشؤومة.
وانحسرت توقعات النمو الاقتصادي الألماني مرةً أخرى الأسبوع الجاري، وأمست تُبشر بنمو ضئيل في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1%.
وأضاف الكاتب في مقاله بموقع “Unherd” البريطاني: “يبدو أن فرنسا، التي تُعدُّ صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فقدت السيطرة الكاملة على شؤونها المالية العامة وتعاني من مستويات ديون تتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مشكلة تواجهها اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وبلجيكا أيضاً”.
وبتعبيرٍ آخر، تسير بعض الاقتصادات الأوروبية الكبرى في مسار اقتصادي غير مستدام، إذ إن هناك فجوة متزايدة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات.
أسباب تدعو للتفاؤل
وتابع الباحث: على الرغم مما سبق، هناك بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل. على سبيل المثال، تشهد بولندا منذ 3 عقود ما يُسمى بـ”المعجزة الاقتصادية”، إذ تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 3 أمثال، وإذا احتُسبت هذه الزيادة على أساس الفرد، فسيكون قد تضاعف 4 أضعاف تقريباً.
وهذه قصة نجاح فريدة من نوعها لم تحظَ بالاهتمام الذي تستحقه، يقول الكاتب، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى خوف السياسيين الغربيين ذوي الميول اليسارية من أن يؤدي النجاح الاقتصادي لدولةٍ محافظة بشدة إلى تقوية شوكة منافسيهم المحليين.
ومع ذلك، فإنها تُظهر أن النمو الاقتصادي ممكن حتى في الاتحاد الأوروبي الذي يعاني غالباً من الركود.
ولا تقتصر قصة نجاح الإصلاح على بولندا وحدها. فقد ربَطَت السويد معاشات التقاعد الحكومية بعُمر الفرد المتوقع بشكلٍ عام، مما يضمن أن الأصول ستتفوق على الخصوم في نظام التقاعد الوطني.
وفي الوقت نفسه، نفَّذَت الدنمارك إصلاحاً حكومياً في عام 2007 أدَّى إلى خفض عدد البلديات من 271 إلى 98 بلدية، وحرصت كل الحرص في الوقت ذاته على ألّا يقل عدد سكان أي بلدية عن 20,000 نسمة، وقد مكّن ذلك حكومة كوبنهاغن من تحسين كفاءة الخدمات العامة واستدامتها المالية.
مخاوف متزايدة
وأشار الباحث إلى أن هناك ما يبرر المخاوف المتزايدة من أن أوروبا تتجه نحو أزمة مالية جديدة. ولكن مع ذلك، توجد عدة حلول ممكنة يجري تطبيق بعضها فعلاً في دول أصغر في الاتحاد الأوروبي. وتكمن إحدى العقبات الرئيسة، برأي الكاتب، في تقاعس كل من باريس وبرلين عن معالجة التراجع الحاصل في اقتصاديهما المحليين، وإحجام الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار أولاف شولتس عن التصدي للأسباب الداخلية التي غالباً ما تنشأ محليّاً.
الحد من البيروقراطية واللوائح
وأكد الكاتب ضرورة الحد من البيروقراطية واللوائح، وليس تعقيدها، من أجل تحفيز تكوين رأس المال والارتقاء بالابتكار، ورفع سن التقاعد، خاصةً أن سياسات الهجرة الفاشلة التي استقطبت العمالة غير الماهرة في المقام الأول لن تنقذ أنظمة التقاعد من القنبلة السكانية الموقوتة المتمثلة في الخلل الديموغرافي.
وأخيراً، تحفيز الناس على العمل والاعتماد على أنفسهم بدلاً من الاعتماد على سخاء الحكومة، وهي القضية التي تفاقمت بسبب حكومة الائتلاف الحالية في ألمانيا.
وصاغ عالم الاقتصاد هربرت شتاين قانون شتاين الذي ينص على أنه “إذا لم يكن من الممكن أن يستمر شيء ما إلى الأبد، فإنه سيتوقف لا محالة”. والسؤال الذي يواجه أوروبا ليس ما إذا كانت الإصلاحات ستُنفَّذ أم لا، بل متى ستُنفَّذ، لأن المسار الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وكما رأينا، فقد بدأت بعض البلدان بالفعل في إجراء التصحيحات اللازمة للمسار. والأمر الآن متروك للبقية كي تتبعها.