ي نيسان 2018، نُظّم مؤتمر «سيدر» في العاصمة الفرنسية باريس من أجل لبنان، وهو مؤتمر إنمائي وتَمويلي واقتصادي لإعادة النمو في لبنان. فأين نحن من هذا المؤتمر بعد مرور ست سنوات من الوقت الضائع والمهدور؟
لُقّب مؤتمر سيدر بإسم الأرزة اللبنانية، وباللغة الفرنسية كانت أحرف CEDRE تشير إلى Conférence Economique pour le développement par les réformes et avec les entreprises أي المؤتمر الإقتصادي للتنمية والإصلاحات مع الشركات.
وبعد ست سنوات من الوقت الضائع، لم يُنفّذ حرف واحد من هذا المؤتمر أو من الإصلاحات المرجوّة. الكلمة الواحدة التي نُفّذت هي: «مؤتمر»، والصور التذكارية، والطائرات الخاصة التي نقلت المسؤولين اللبنانيين لطلب المساعدة.
نشدّد على أن هذا المؤتمر الإصلاحي والإقتصادي لم يكن يشبه المؤتمرات السابقة مثل باريس (1 و2 و3)، ومؤتمرات لندن، ستوكهولم وبروكسيل. لذا لن يسمّى مؤتمر باريس (4)، لكن المنظّمين شددوا على تغيير إسمه، وتسميته «مؤتمر سيدر» وهو مؤتمر الإصلاحات وإعادة الهيكلة لجرّ لبنان الى الخط السليم.
وعوضاً عن ضخ السيولة، وتمويل المشاريع الوهمية والعشوائية، كان هذا المؤتمر يهدف إلى التمويل المشروط بحسب مشاريع واضحة ومدروسة، ودفاتر شروط دقيقة وتقنية، وتدقيق داخلي وخارجي، وملاحقة دؤوبة، وتمويل جزئي بشروط وفق التنفيذ.
من المؤسف جداً، أنه بعد ست سنوات على هذا المؤتمر الإقتصادي والتمويلي والإصلاحي، لم يُقترح مشروع واحد للبلدان المانحة، لأن المعنيين في لبنان ليسوا مهيئين أو معتادين على ملاحقة دفاتر الشروط والتمويل الدقيق، لا بل اعتادوا على التمويل العشوائي والهدر والفساد من دون محاسبة ولا رقابة.
الـ 14 مليار دولار الموعودة من هذا المؤتمر، كانت مخصّصة لتمويل مشاريع معينة، ودقيقة، مع ملاحقة مستمرة. بعض الفاسدين كانوا ينتظرون تمويلاً عشوائياً، مثل ما حصل في المؤتمرات السابقة، لتوزيع الحصص والتمويل الخاص وغيرها.
إضافة إلى ذلك، نذكر من التاريخ الأسود وهو آذار 2020 عندما تعثّرت الدولة رسمياً عن دفع مستحقاتها، وأُدرجنا في عتبة Restricted Default – RD. هذا يعني أنه منذ هذا التاريخ، طُويت صفحة مؤتمر سيدر نهائياً، وجُررنا إلى مشروع إلزامي مع صندوق النقد الدولي. بمعنى آخر، هذا يعني أن أي مساعدات أو تمويل لن يمر إلاّ عبر مشروع وإعادة هيكلة دقيقة، ومتابعة الإصلاحات عبر صندوق النقد الدولي.
في الذكرى السادسة لمؤتمر سيدر، علينا أن نكون واقعيين، ونواجه الحقائق والوقائع بموضوعية، ونقبل بأنّ مؤتمر سيدر أصبح إحياء ذكرى ووهماً، ينشط فيه بعض المسؤولين على المنصات، لرشق بعض «عوّامات» الخلاص، لكن الكل يُدرك تماماً أن هذا التمويل لن يحصل، وأننا محكومون بالذهاب إلى مشروع صندوق النقد الدولي، وشروطه الحاسمة والصعبة.
في المحصّلة، في الذكرى السادسة لمؤتمر سيدر، أصبحنا مقتنعين، بأنه لا يوجد أي نية للإصلاح، ولا نية لإعادة الهيكلة، لا بل إن النية الحقيقية، تكمن في تكملة الإنهيار وجرّ بلادنا واقتصادنا وشعبنا إلى القعر. فالذين عاشوا وتموّلوا من هدر المؤتمرات والتمويل، لن يستطيعوا أن يكونوا أركان إعادة البناء والتنمية.
من جهة أخرى، البلدان المانحة والمجتمع الدولي تعبا أيضاً من لبنان، وخسرا كل الثقة بالحكّام والمسؤولين. فالتمويل الخارجي هو وعد كاذب ووهم لرفع المعنويات، لكن في الحقيقة لا تمويل خارجياً ولا دينَ سنتاً واحداً من دون تنفيذ الإصلاحات المرجوة منذ سنوات، والتطبيق الخارجي الدؤوب والملاحقة التفصيلية والتي لن تحصل مع الفريق الحاكم نفسه، المسؤول المباشر عن أكبر عملية نهب في تاريخ العالم.
د. فؤاد زمكحل