ما هي المعطيات الجديدة التي يحملها وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت، وهل يمكن المراهنة على نقطة تحوّل قد تؤدي هذه المرّة الى إطلاق مسيرة إنجاز الاتفاق المنتظر مع الصندوق، ام انّها مجرد زيارة روتينية يقوم بها المسؤولون عن الملف اللبناني في المؤسسة الدولية، للاطلاع على سير الامور ميدانياً؟
يبدأ اليوم وفد صندوق النقد الدولي برئاسة المسؤول عن الملف اللبناني إرنستو راميريز محادثاته في بيروت في زيارة تستمر حتى الخميس المقبل (4 أيام). وسيستفيد راميريز من وجوده في بيروت لعقد لقاء خاص مع الإعلام، غير مخصّص للنشر، بما يعني انّ إدارة الصندوق ترغب في وضع الرأي العام اللبناني في الأجواء الحقيقية لتطور المفاوضات بينها وبين الحكومة اللبنانية، من دون ان تصدر عنها تصريحات رسمية قد تُحرج السلطات.
ومن الواضح انّ وفد الصندوق يحمل معه مجموعة من المعطيات التي تكوّنت لديه، سواءً من خلال متابعة مقاربة السلطات اللبنانية لملف الاتفاق الاولي مع الصندوق، او من خلال الآراء والمواقف التي سمعها من اكثر من طرف لبناني زار واشنطن في الحقبة الاخيرة، وعقد محادثات مع ادارة الصندوق. وتجدر الاشارة هنا، الى انّ بعض الزوار اللبنانيين حاول ان يعقد اجتماعات مع مسؤولين في الصندوق، وضعهم الوظيفي أعلى رتبة من راميريز، لكن ادارة الصندوق أحالت كل طالبي المواعيد الى اجتماعات مع المسؤول عن الملف اللبناني حصراً. وجدير بالذكر ايضاً، انّ إشاعات انتشرت قبل فترة في لبنان، تفيد بأنّ راميريز لم يعد مسؤولاً عن الملف اللبناني، وانّه تولّى مهمّة جديدة، ليتبيّن انّ الرجل لا يزال المسؤول الحصري عن هذا الملف في الصندوق.
ومن خلال المعطيات المتوفرة، يحمل وفد الصندوق اسئلة سوف يطرحها على المسؤولين، كما يحمل معه حقائق سوف يذكّر المسؤولين بها، ومن أهمها:
اولاً- انّ تأجيل إدراج لبنان على اللائحة الرمادية ضمن مجموعة العمل المالية الدولية (FATF) هو مجرد وقت إضافي يُمنح للبنان. واذا لم يتمّ تنفيذ خطة التعافي، ومن ضمنها إعادة الانتظام الى العمل المصرفي، سيذهب لبنان حتماً الى اللون الرمادي، وسيصبح من الأصعب تحاشي اللائحة السوداء لاحقاً.
ثانياً- انّ استحقاق اللائحة الرمادية في الخريف المقبل، سيسبق استحقاق الخمس سنوات في ملف اليوروبوندز ببضعة اشهر. وموعد آذار 2025، حساس، لأنّه الموعد الأخير الذي يحفظ حق حاملي السندات السيادية الدولارية بتقديم طلب او دعوى، للمطالبة بحقهم في فوائد هذا الدين. ومن المرجّح ألّا يفوّت حملة اليوروبوندز هذا الموعد، وسيتقدّمون بشكوى لحفظ حقوقهم في الفوائد. وبالتالي، لن يستطيع لبنان بدء مفاوضات مثمرة مع الدائنين، من دون توقيع اتفاق برنامج تمويل مع صندوق النقد. كما انّ صندوق النقد سيكون موجوداً في المفاوضات، ووجوده يسهّل الوصول الى اتفاق مقبول مع الدائنين الذين يحتاجون الى من يضمن اي اتفاق يتمّ مع السلطات اللبنانية.
ثالثاً- انّ الخطة الاولية على مستوى الموظفين التي عقدتها الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد، باتت تحتاج الى إعادة نظر او تحديث، للتأكّد من الارقام، ومطابقة الواقع الجديد على مندرجات هذا الاتفاق.
رابعاً- انّ القسم الأكبر من الإجراءات الإصلاحية التمهيدية التي تعهّد لبنان بتنفيذها في الاتفاقية، والتي توافق رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة مجتمعين على تنفيذها، لا تزال عالقة، ولم تُنفّذ، من دون ان يتمّ تقديم مبررات منطقية لهذا الخمول.
خامساً- انّ صندوق النقد الدولي لا يعارض أية إجراءات يمكن ان تتخذها الدولة للمساعدة في إعادة حقوق المودعين، لكنه لا يزال يصرّ على رفض اي إجراء او خطة يمكن ان تعوق نمو الاقتصاد اللبناني كما هو مرسوم له في خطة التعافي.
ولعلّ السؤال الاول الذي سيطرحه وفد صندوق النقد على المسؤولين، هو لماذا تتخاذل الدولة في البدء بإصلاحات بسيطة في مؤسسات القطاع العام، بصرف النظر عن خطة التعافي الشاملة المنتظرة. هذه الإصلاحات لا ترتبط بالخطة الأساسية، ويمكن إنجازها بمعزل عن مسار تلك الخطة. فهل هناك نية فعلاً لاصلاح القطاع العام، ام انّ كل الوعود التي قُطعت، مجرد شيك بلا رصيد، غير قابل للصرف؟
وبالتالي، كل كلام عن تأقلم البلد مع الأزمة، وإمكانية الصمود والتعافي من دون تنفيذ خطة يتمّ الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي هو مجرد وهم، وهدر للوقت، واضافة تعقيدات جديدة على الأزمة، بما يجعل الحلول أصعب واطول وأكثر كلفة على الاقتصاد وعلى المودعين، وعلى المالية العامة للدولة.
انطوان فرح