ما الرسالة التي تبعث بها وول ستريت إلى كلٍ من بايدن وترامب؟

تواصل المؤشرات الأميركية اختراق مستويات قياسية جديدة، بدعمٍ من التفاؤل بشأن عديد من التطورات الاقتصادية بما في ذلك تباطؤ معدلات التضخم، جنباً إلى جنب والأداء القوي لأسهم الذكاء الاصطناعي، ونتائج أعمال الشركات الإيجابية في غالبيتها.

يعزز ذلك الأداء مناخ الثقة الاقتصادية وقد يدعم موقف الرئيس جو بايدن في الانتخابات القادمة، بالنظر إلى أن هذه النجاحات الاقتصادية تسهم في تفنيد توقعات واتهامات الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تنبأ بانهيارات اقتصادية عند تسلم بايدن للرئاسة، لا سيما فيما يخص أداء وول ستريت.

 الأداء القوي للأسواق المالية يعكس ثقة المستثمرين في السياسات الاقتصادية ويظهر قدرتها على تحقيق الاستقرار والنمو، وهو ما يراهن عليه بايدن في حصد نقاط إضافية في معركته الانتخابية، ويعزز من حجته بأنه يقود البلاد نحو مستقبل اقتصادي قوي.

صحة الاقتصاد الأميركي

في هذا السياق، وتحت عنوان (ماذا يخبرنا وصول مؤشر داو جونز إلى 40 ألف نقطة؟)، قال الاقتصادي الأميركي، بول كروغمان، في مقال “نيويورك تايمز”:

  • في الأسبوع الماضي، وللمرة الأولى في التاريخ، أغلق مؤشر داو جونز الصناعي فوق مستوى 40 ألف نقطة.
  • على النقيض من عديد من المعلقين، لا أعتبر سوق الأوراق المالية أفضل مؤشر على صحة الاقتصاد، أو حتى مؤشر جيد.
  • بالنظر إلى حالة السياسة الأميركية، مع تفشي الحزبية المفرطة ونظريات المؤامرة، فإنني أزعم أن هذا المعلم المهم في السوق يستحق اهتماماً أكبر مما كان يحظى به.

ويتساءل قائلاً: “هل لديك أي شك في أن الجمهوريين، في جميع المجالات، كانوا سيهتفون بالارتفاع القياسي لمؤشر داو جونز من كل سطح لو كان دونالد ترامب لا يزال في البيت الأبيض؟”، مشيراً إلى أن “المحك الرئيسي هنا يرتبط بالفجوة بين ما نعرفه عن الحالة الفعلية لاقتصادنا والطريقة التي يصفها بها ترامب وحلفاؤه”.

  • بالأرقام، يبدو الاقتصاد جيدًا جدًا.. انخفض معدل البطالة الآن إلى أقل من 4 بالمئة لمدة 27 شهرًا، وهو رقم قياسي تم تحقيقه آخر مرة في أواخر الستينيات، وانتهى في فبراير 1970.
  • انخفض التضخم كثيرًا عن ذروته في العام 2022، على الرغم من أنه لا يزال، وفقًا لمعظم المقاييس، أعلى إلى حد ما من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة.
  • كان النمو الاقتصادي الأميركي على مدى السنوات الأربع الماضية أسرع بكثير من الدول الغنية الكبرى المماثلة.

نظرية المؤامرة

ويضيف الاقتصادي الأميركي في مقاله: “الأرقام المذكورة تأتي من وكالات رسمية (مكتب إحصاءات العمل الذي ينتج بيانات سوق العمل، ومكتب التحليل الاقتصادي الذي يقدر الناتج المحلي الإجمالي)”، وذلك في رده على أنصار “نظرية المؤامرة” ممن يرون أن “الأرقام الاقتصادية الجيدة مزيفة، وقد اختلقتها دولة عميقة فاسدة لمساعدة الرئيس بايدن على الفوز في الانتخابات”.

ويشير كذلك إلى بيانات الشركات الخاصة المستقلة، مثل الدراسات الاستقصائية لمديري المشتريات، والتي تحكي نفس القصة عن انخفاض التضخم مثل الإحصاءات الرسمية.

  • ولكن إذا كان كل هذا يبدو أكاديميا للغاية وبعيدا عن الواقع، فهناك الحقيقة الأولية المتمثلة في أسعار الأسهم القياسية.
  • سوق الأوراق المالية ليست مؤشرا جيدا للغاية على مدى جودة أداء الاقتصاد. ومع ذلك، من الصعب التوفيق بين مؤشر داو جونز عند مستويات الـ 40 ألفاً وادعاء ترامب بأن الاقتصاد أشبه بالبالوعة.
  • على الرغم من أن محاولة تفسير تقلبات الأسهم هي بشكل عام مضيعة للوقت، فإن الارتفاع الأخير في الأسهم ربما يعكس التقارير الاقتصادية التي تشير إلى أن الارتفاع في التضخم المقاس في وقت سابق من هذا العام كان مجرد عثرة في الطريق إلى الهبوط الناعم.
  • إن الارتفاعات القياسية لكل من مؤشر داو جونز والمقاييس الأوسع مثل S & P 500 جديرة بالملاحظة أيضًا نظرًا لأنه في العام 2020، خلال المناظرة الثانية بين بايدن وترامب، قال ترامب – الذي يحب قياس النجاح الاقتصادي من خلال سوق الأسهم – “إن الأسهم سوف تنهار في السوق” إذا فاز بايدن.

ادعاءات ترامب

ومع ذلك، ادعى ترامب مرة أخرى أن الأسهم سوف تنهار إذا لم يفز.. ويردف كاتب المقال: “دعونا نتظاهر، للحظة واحدة فقط، بأن نأخذ قصة ترامب حول أسعار الأسهم على محمل الجد.. وإذا فعلنا ذلك، فإن التطورات الأخيرة في السباق الانتخابي للعام 2024 تشكل نوعاً من الاختبار.. إذ لا تزال هناك فرصة جيدة للغاية لفوز ترامب، لكن متوسطات استطلاعات الرأي تشير إلى أن تقدمه في التصويت الشعبي الذي كان يتمتع به قبل بضعة أشهر قد تبخر.. وذلك على الرغم من أنه يبدو أنه يتقدم في الولايات المتأرجحة الرئيسية، ولا تزال أسواق الرهان تفضل ترامب بشكل متواضع، ولكن بدرجة أقل بكثير مما كانت عليه قبل وقت ليس ببعيد”.

ويتابع: “لذا، إذا كانت نظرية ترامب المتضخمة بشأن سوق الأوراق المالية صحيحة، فإن الأسهم ستنخفض استجابة لتقلص احتمالات فوزه.. وبدلا من ذلك، فهي آخذة في الارتفاع”.

محفزات أميركية

رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق ، يؤكد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • المؤشرات الأميركية تسجل أرقاماً قياسية؛ نتيجة عدة محركات أساسية في مقدمتها تباطؤ التضخم، وهو ما أعطى مؤشراً على أن الأسواق الأميركية والفيدرالي نحو احتمالية بدء خفض الفائدة.
  • خلال الفترة الماضية كانت تصريحات رئيس الفيدرالي، جيروم باول، تشير إلى إصراره على ضرورة الانتظار في ضوء ارتفاع معدلات التضخم، ولكن مؤخراً بدأت بعض التلميحات الخاصة بخفض الفائدة في سبتمبر المقبل.
  • العامل الآخر المساهم في ارتفاعات المؤشرات الأميركية القياسية يتمثل في نتائج أعمال الشركات الأميركية القوية.
  • كذلك فإن الاقتصاد الأميركي يشهد -قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر- نمواً على صعيد الإنفاق الحكومي وخلق فرص ووظائف مختلفة، وهو ما انعكس على نمو الأداء الاقتصادي وأداء الأسهم خلال فترة بايدن.

تضاف إلى ذلك توجهات بايدن نحو زيادة الرسوم على السيارات الكهربائية الصينية، وإطلاق محفزات ضريبية لحماية الاقتصاد الأميركي، وغيرها من المحفزات التي استفادت بها أسواق الأسهم.

عوامل أساسية

كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • إن الطفرة المحققة في أداء المؤشرات الأميركية أخيراً ترجع إلى عدد من العوامل الأساسية؛ من بينها تباطؤ التضخم خلال الفترة الماضية.
  • التفاؤل بشأن انعكاس تراجع التضخم على السوق وبدء توقع خفض الفائدة في سبتمبر وديسمبر، بدلاً من خفض وحيد متوقع سابقاً، من أهم تلك العوامل أيضاً.
  • يضاف إلى ذلك تراجع حدة التوترات الجيوسياسية من ضمن العوامل (..).
  • بالإضافة إلى التفاؤل بشأن نتائج أعمال الشركات الأميركية، إذ سجلت نحو 90 بالمئة منها أرباح إيجابية، لاسيما شركات الذكاء الاصطناعي في ضوء ارتفاع الطلب القوي علي القطاع.

ويشير إلى أن تلك العوامل أسهمت في منح دفعة إيجابية للمؤشرات، متوقعاً تحقيق مستويات قوية في ضوء أرباح الشركات وتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم والقراءة الجيدة للتضخم، وجميعها عوامل ترجح  إمكانية خفض الفيدرالي للفائدة مرتين هذا العام.

توقعات إيجابية على المدى المتوسط

بدورها تقول خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • قطاعات رئيسية في وول ستريت تشهد انتعاشة قوية، على صعيد القطاع التكنولوجي والطيران والسفر، بما دعم من حركة المؤشرات بقوة.
  • من المتوقع أن تتأثر مؤشرات أسواق المال بالإيجاب والارتفاع مع تباطؤ نسب التضخم، ومع توقعات خفض أسعار الفائدة.
  • ثمة ارتباط وثيق بين معظم البيانات الاقتصادية وبيانات التضخم الأميركي وسياسات الإدارة الأميركية فيما يتعلق بتنمية العلاقات أو مد جسور التعاون مع حلفائها أو توقيع العقوبات الاقتصادية، ضمن العوامل التي تحدد اتجاهات الاقتصاد الأميركي.

وفيما تشير إلى توقعات إيجابية مستمرة على المدى المتوسط، فإنها تلفت في الوقت نفسه إلى مجموعة من التحديات المرتبطة بعوامل داخلية مثل ارتفاع مستويات الدين بالولايات المتحدة، وكذلك تحديات خارجية ذات صلة بالتوترات الجيوسياسية حول العالم وتداعياتها المختلفة.