بل يذهب البيت الأبيض إلى أبعد من ذلك “قضية الإغراق” عندما نوه إلى أن الولايات المتحدة تحقق فيما إذا كانت واردات السيارات الصينية تشكل مخاطر على الأمن القومي، حيث يمكنها جمع بيانات حساسة حول المواطنين الأميركيين والبنية التحتية الأميركية وإرسالها إلى الصين.
ويرى خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن السيارات الكهربائية الصينية تشكل بالفعل تهديداً تنافسياً وخطراً على الأمن القومي الأميركي بفضل صناعة البطاريات وهيمنة الصين على إنتاجها، إلى جانب التكنولوجيا والبرامج الموجودة في السيارات الكهربائية وما قد تحتويه من أنظمة تجسس.
وحسبما أظهرته بيانات الجمعية الصينية لمصنعي السيارات، فإن الصين صدرت ما يقرب من 5 ملايين سيارة في عام 2023، متجاوزة اليابان لتصبح الدولة الأولى في العالم من حيث صادرات السيارات في العام الماضي، بفضل أسطولها من شركات صناعة المركبات الكهربائية.
تصريح وزيرة الطاقة الأميركية جاء خلال حلقة نقاش في حدث أكسيوس عندما قالت: “نحن قلقون للغاية بشأن قهر الصين لصناعة السيارات في الولايات المتحدة حتى ونحن نبني الآن هذا العمود الفقري المذهل للتصنيع، لقد رأينا هذا يحدث في صناعة الطاقة الشمسية… كان هناك طوفان في السوق”.
و”تستثمر الصين مبالغ ضخمة بغرض الترويج لذلك نحن بحاجة إلى أن نفهم أنه من المهم أن يشتري الناس المركبات الكهربائية بطريقة ميسورة التكلفة، ولكن يمكننا القيام بذلك ويمكننا الحفاظ على بلدنا آمناً، وفقاً لجرانهولم.
تقدم صيني كبير في الإنتاج
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أوضح الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل أن السيارات الكهربائية الصينية تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي والأوروبي أيضاً لسببين أساسيين:
• الأول يعود إلى أن صناعة بطاريات السيارات الكهربائية هي صناعة صينية بامتياز والهيمنة الصينية على إنتاجها واضحة.
• الثاني يعود إلى تكنولوجيا البرامج الموجودة في السيارات الكهربائية والتي تسمح بين حين وآخر بتعديل وإدخال تحديثات على هذه البرامج وما قد تحتويه من أنظمة تجسس ومراقبة تشكل خطراً على الأمن القومي.
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، سيتخذ خطوات ضد شركات صناعة السيارات الصينية، لمنعهم من بيع السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بسبب هذه المخاطر الأمنية.
وكان بايدن قال في بيان إن “سياسات الصين يمكن أن تغمر سوقنا بمركباتها ما يشكل مخاطر على أمننا القومي، لن أسمح بحدوث ذلك تحت إشرافي”.
وتسير حالياً على شوارع الولايات المتحدة 2.4 مليون سيارة كهربائية، وإذا تم السماح للصين بإغراق السوق، فإن شركات صناعة السيارات يمكنها تتبع بيانات العملاء وخصوصاً أن السيارات متصلة باستمرار بالهواتف، وبالتالي فإن أميركا تدرس فرض حظر على استيراد السيارات الصينية التي، بحسب عقل، الذي أوضح أن الصين قامت في السنوات الأخيرة بتحقيق تقدم كبير في زيادة إنتاجها من السيارات الكهربائية، إذ تستحوذ على 69 بالمئة من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية الجديدة بالعالم في ديسمبر الماضي وحده، وبلغ عدد مبيعات السيارات الكهربائية في الصين تسعة ملايين سيارة تقريباً في العام الماضي، بينما تم بيع ما يقارب من 1.4 مليون سيارة في الولايات المتحدة.
.. وهيمنة على صناعة البطاريات
وأضاف عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية: “إن الخطر الأكبر ليس صناعة السيارات، بل لكن تكنولوجيا صناعة بطارية السيارة الكهربائية التي تهيمن الصين على 90 بالمئة من صناعتها، وقد أثار مؤخراً خبر استكشاف شركة “بي واي دي” BYD، أكبر شركة لصناعة السيارات الكهربائية الصينية مواقع لبناء مصنع جديد في المكسيك مخاوف شركات صناعة السيارات الأميركية، حيث تكمن المشكلة بأنه يمكن استيراد السيارات المصنوعة في المكسيك إلى الولايات المتحدة دون دفع تعرفات جمركية، بموجب الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي حلّت محلّ اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وخصوصاً أن تكلفة تصنيع السيارات الكهربائية في الصين أقلّ بنحو الثلث من تكلفة التصنيع في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي”.
وكان رؤساء تنفيذيون لأكبر شركات تصنيع السيارات في أوروبا قد أشاروا في تصريحات سابقة تعود لشهر سبتمبر الماضي إلى التهديد القادم من الصين بالنسبة لصناعة السيارات، حيث قال كريستوف بيريلات الرئيس التنفيذي لشركة “فاليو” لصناعة قطع غيار السيارات إن “شركات صناعة السيارات الصينية تزدهر في ظل ثورة السيارات الكهربائية، وأن الميزة التنافسية التي تتمتع بها أوروبا أصبحت في خطر، مع نمو الطلب على السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات”، وفيما أعترف أوليفر بلوم الرئيس التنفيذي لشركة “فولكس فاغن” بـ “التحدي القادم من الشرق”، قال لوكا دي ميو الرئيس التنفيذي لشركة “رينو” ، “نحن مستعدون للمشاركة في القتال مع المنافسين الصينيين”.
من جهته قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن دخول السيارات الكهربائية الصينية إلى سوق الولايات المتحدة يمكن أن يكون ذو فائدة في تعزيز الأمن القومي الأميركي بطريقة غير مباشرة من خلال تحفيز صناعة السيارات الكهربائية المحلية على الابتكار والتوسع، وبالتالي تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والنفط الأجنبي، وقد يكون لهذا التحول آثار كبيرة على أمن الطاقة في الولايات المتحدة”.
فالسوق التنافسية التي ستنتج عن إدخال السيارات الكهربائية الصينية قد تؤدي إلى تسريع التقدم في التكنولوجيا والبنية التحتية وقدرات التصنيع داخل الولايات المتحدة، ومن خلال تعزيز نظام بيئي أكثر قوة واكتفاء ذاتي للمركبات الكهربائية، تستطيع الولايات المتحدة أن تقلل من تعرضها للتوترات الجيوسياسية والتقلبات في سوق النفط العالمية، والتي شكلت تاريخياً مخاطر على الأمن القومي، طبقاً لما قاله القمزي.
ولكن في الوقت ذاته يؤكد القمزي أن “قدرة المركبات الكهربائية الصينية على جمع البيانات عن المواطنين الأمريكيين والبنية التحتية الأمريكية تشكل تحدياً معقداً للأمن القومي الأمريكي، إذ تنبع المخاوف من احتمال تجهيز هذه المركبات بتكنولوجيا قادرة على المراقبة أو جمع المعلومات الحساسة، والتي يمكن نقلها مرة أخرى إلى الصين، وهذا سيدفع إلى تعزيز معايير ولوائح الأمن السيبراني الصارمة لجميع المركبات المباعة في الولايات المتحدة، بغض النظر عن بلدها الأصلي”.
وبالتالي فإن تعزيز إطار الأمن السيبراني لصناعة السيارات يمكن أن يصبح ذي فائدة غير مقصودة، مما يؤدي إلى حماية أقوى ضد مجموعة واسعة من التهديدات السيبراني، ولا يعزز هذا النهج الابتكار والمرونة الاقتصادية فحسب، بل يتماشى أيضًا مع الأهداف البيئية والاستدامة طويلة المدى لموارد الطاقة الأمريكية، بحسب تعبيره.
وأضاف الخبير الاقتصادي القمزي: “من ناحية أخرى سيقوم المصنعون الصينيون الراغبون في دخول السوق الأميركية بضمان امتثال سياراتهم لمجموعة شاملة من المعايير المفروضة من قبل الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة (NHTSA)، والتي تغطي مجالات متعددة من الأمان، بما في ذلك متانة السيارة عند التصادم ونظامها الكهربائي ومعايير الأمان السيبراني الجديدة. على هذا النحو، تكون السيارات الكهربائية الصينية التي تباع رسمياً في الولايات المتحدة قد خضعت لعمليات اختبار وتصديق صارمة لضمان توافقها مع هذه المعايير.
تكثيف الضغوط
وكثفت الولايات المتحدة الضغوط على الشركات الصينية في السنوات الأخيرة، إذ أدخلت في أكتوبر 2022 قواعد تهدف إلى تقييد قدرة الصين على الوصول إلى رقائق أشباه الموصلات المتقدمة أو الحصول عليها أو تصنيعها وسط مخاوف من أن الصين قد تستخدمها لأغراض عسكرية، وفي العام الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن لوائح جديدة تمنع مصمم الرقائق الأمريكي Nvidia من بيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين.
في حين صوت مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً لصالح الموافقة على مشروع قانون قد يقيد التعامل مع شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية مثل WuXi AppTec وBGI بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.