مع تزايد الاضطرابات الاقتصادية والتضخم والنزاعات الجيوسياسية، تتجه أنظار المستثمرين بشكل متزايد نحو الأصول التي توفر استقراراً طويل الأمد وعوائد ثابتة. وفيما يذهب بعض المستثمرين إلى الذهب أو إلى أسواق السندات أو العقارات السكنية، برزت الأراضي الزراعية كخيار استثماري جذاب، ليس فقط لقدرتها على توفير ملاذ آمن للثروة، وأسلوب لتخزين الثروة، ولكن أيضاً لدورها كأسلوب تحوطي فعال ضد التضخم، ودورها في تلبية الاحتياجات العالمية.
في أعقاب الأزمات شهدت الاستثمارات في الأراضي الزراعية زيادة ملحوظة، حيث تضاعفت قيمة الأراضي الزراعية التي تحتفظ بها مجموعات الاستثمار في الولايات المتحدة إلى 16.6 مليار دولار من عام 2020 إلى 2023. ويعزى هذا الارتفاع إلى الأداء القوي للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة وأستراليا والبرازيل، حيث بلغ متوسط المكاسب العالمية نحو 10 في المائة سنوياً على مدى العقدين الماضيين. ومع ذلك، يتعين على المستثمرين النظر في التحديات المرتبطة بتغير المناخ والابتكارات التكنولوجية، التي قد تؤثر على قيمة الأراضي الزراعية في المستقبل. تعد الأراضي الزراعية استثماراً طويل الأمد يتطلب معرفة دقيقة بالسوق والعوامل المحلية، مما يجعلها خياراً مميزاً في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.
وقد زادت جاذبية الأراضي الزراعية خلال الأعوام الخمسة الماضية لعدة أسباب، منها الجائحة التي وضحت أهمية وجود مصدر للغذاء على بعد جغرافي مقبول. ويذكر أنه خلال الجائحة منعت العديد من الدول تصدير بعض السلع الاستراتيجية والأساسية ومن ضمنها الأغذية، كما أن النزاعات الجيوسياسية وتحديداً الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على قطاع الأغذية، وكأن العالم اكتشف للتو تركّز العديد من السلع الغذائية في روسيا وأوكرانيا، مما دفع بالعديد من الدول إلى تشجيع الاستثمار الزراعي، وبيّن للمؤسسات الاستثمارية أنه في الأوقات الصعبة فإن العالم يعود للأساسيات، بدلالة أنه خلال ثلاث أزمات – الأزمة المالية والجائحة والحرب الروسية الأوكرانية – توجهت الاستثمارات إلى الأراضي الزراعية.
وتعد الأراضي الزراعية استثماراً طويل الأمد، حيث يساعد التنويع الجغرافي في تقليل المخاطر. وتعد الأراضي الزراعية تحوطاً ممتازاً ضد التضخم، وغالباً ما تُقارن بالذهب، ولكن على عكس الذهب، فإن الأراضي الزراعية تولد دخلاً سنوياً، وقيمتها مرتبطة بشكل إيجابي بمؤشر أسعار المستهلك، ومنذ الثمانينات وحتى 2014، ارتفعت قيم الأراضي الزراعية بثبات، لكنها استقرت منذ عام 2016، وعادت مرة أخرى لترتفع بشكل ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة. وعلى عكس الذهب، يتطلب الاستثمار في الأراضي الزراعية معرفة أكبر بالسوق وبحثاً دقيقاً، وقد لاحظ المستثمرون البارزون مثل وارن بافيت وبيل غيتس قيمة الأراضي الزراعية، مؤكدين على إمكاناتها واستقرارها على المدى الطويل.
وعلى عكس العديد من الاستثمارات التقليدية الأخرى، يجد المستثمرون الفرديون غالباً صعوبة في الوصول إلى استثمارات الأراضي الزراعية بسبب التكلفة العالية والمنافسة من المؤسسات الاستثمارية، وفيما قامت مجموعات الاستثمار الكبيرة بشراء كميات كبيرة من الأراضي الزراعية، خاصة في الولايات المتحدة، لتنويع وحماية محافظهم ضد تقلبات السوق، مما نتج عنه تزايد في الملكية المؤسسية، إلا أن المزارع المملوكة للعائلات لا تزال تهيمن على السوق الأميركية، حيث تمثل 95 في المائة من المزارع.
ومع نمو عدد السكان العالمي وندرة الموارد الطبيعية، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الأراضي الزراعية. وبحلول عام 2050، سيتعين زيادة إنتاج الغذاء بنسبة تزيد على 50 في المائة لتلبية الطلب. هذا الاتجاه، إلى جانب انخفاض توافر الأراضي الصالحة للزراعة، من المرجح أن يدفع قيمة الأراضي الزراعية للارتفاع. يرى المستثمرون أن الأراضي الزراعية أصل ذو قيمة يمكن أن يوفر احتياجات أساسية ويحافظ على قيمته بمرور الوقت. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن تأثير صناديق الاستثمار على المجتمعات الريفية وقاعدة الأراضي الزراعية، ومع ذلك كله، فإن اتجاهات الأسواق والتوقعات العالمية كلها تشير إلى أن الاستثمار في الأراضي الزراعية مربح على المدى القصير والطويل، فهو استثمار مدر للأموال عكس الاستثمار في الذهب أو في العملات المشفرة، والعالم بحاجة إلى هذه الاستثمارات في المستقبل، وهو استثمار آمن ضد معظم التقلبات التي أثرت على الاستثمارات التقليدية الأخرى.