لا يخفى أن هناك محاولة جدية وحثيثة لموازاة ثقل الدولار في الصيرفة والتجارة العالمية. ولا يخفى أيضا أن بعض الدول ذات مكانة اقتصادية مرموقة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل دخلت هذا المعترك، وذلك باستخدام عملاتها المحلية لتسهيل التبادلات التجارية.
وقبل أن ألج في الموضوع لدي ملاحظة، انتقائي لمفردة “مزاحمة الدولار” وليس “إزاحة الدولار” كما يرد في كثير من التقارير حول ما يطلق عليه بالإنجليزية the de-dollarization وهو مصطلح صار دارجا، ويأخذ مكانا بارزا في أي سرد عن الدور المهيمن للدولار في عالم اليوم.
وحتى المصطلح الإنجليزي the de-dollarization أي إزاحة الدولار عن عرشه لا أراه سليما. الحديث عن مزاحمة الدولار يأتي أكثر ما يأتي من مجموعة دول بريكس -البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- التي ستلتئم في أكتوبر القادم، ومن المتوقع أن تطلق عملة خاصة بها، في مسعى قد يكون الأول من نوعه لمنافسة الدولار. وحسب ظني لم تقل هذه الدول إنها تخطط لإلغاء أو إزاحة الدولار، كل ما تسعى إليه هو أن يكون لديها وسيلة أو عملة لمنافسة الورقة الخضراء أو التقرب من أو بالأحرى مشاركة العرش الذي مضى وقت طويل، وهذه الورقة هي الوحيدة التي تجلس عليه.
وفي رسالة سابقة وصفت الدولار بالقوة التي لا تقهر والمصدر الرئيس لعظمة الولايات المتحدة الأميركية وسيادتها للساحة العالمية. في اللحظة التي يهتز عرش دولارها -أي ستشارك العرش معها عملة أخرى- سيبدأ أفول الإمبراطورية الأميركية التي لم يشهد لقوتها وعظمتها التاريخ. ويسدل كثيرٌ الستار عن الأسباب التي شجعت دول البريكس على مواجهة الدولار الأميركي بهذه الشجاعة الى درجة وضع خطط عملية لمزاحمته من خلال إصدار عملة خاصة بها. في رأيي لم يكن لدول بريكس أن تتخذ مسارا جديا لمنافسة الدولار إلا بعد اليقين أن دولا ذات ثقل اقتصادي، خاصة المنتجة والمصدرة للنفط، ستنضم إلى المجموعة.
وفي رأيي أيضا أن الولايات المتحدة قد لا تقلقها مساعي دول بريكس كثيرا لمزاحمة عملتها ذات القوة الخارقة. ما تخشاه حقا هو موقف الدول المنتجة والمصدرة للنفط وعلى رأسها السعودية ومدى قبولها للعملة الجديدة هذه ومن ثم تسعير النفط بها. أقول، وربما أكاد أجزم: إن مزاحمة الدولار أو حتى الجلوس على العرش معه ستقع لا محالة في اللحظة التي توافق فيها الدول النفطية تسعير منتجاتها النفطية بعملة بريكس الجديدة.
وإن كان زمانا للدول النفطية للي ذراع القوة الأعظم في العالم والحصول على أكبر قدر من الإمتيازات منها، في نظري هو هذا. ولِمَ لا؟ ألا تستخدم الولايات المتحدة دولارها أداة لتحقيق أغراضها السياسية والإستراتيجية ولي ذراع مناوئيها بحرمانهم من الوصول إلى الورقة الخضراء، عملتها المحلية وعملة العالم تقريبا برمته. هناك دول لبت دعوة منظمة دول البريكس للانضمام إلى صفوفها هذه العام، ما يمنح المنظمة زخما قويا في المضي في طريق منافسة الدولار رغم وعورته.
من السابق لأوانه القول إن كان درب بريكس سالكا. هناك فريقان: فريق -يضم مصارف أميركية كبيرة وباحثين ثقات، أغلبهم أميركان- يرى ألا خوف على الدولار، ولا هم يحزنون، وأن تربعه على عرش العملات في العالم في مأمن لعدة عقود قادمة لاستحالة إزاحته عنه، وفريق ضاق ذرعا باستخدام الدولار أداة سياسية واقتصادية، يرى أن سنين الدولار صارت معدودة، وأن عرشه بدأ يتزعزع، وأن إزاحته ليست إلا مسألة وقت.
وأرى أن من الواجب أن نستمر في تغطية الحرب الاقتصادية هذه التي صارت بوادرها محسوسة، وسيزداد سعيرها مع تصميم دول البريكس لتحدي هيمنة الدولار وسطوته وقوته القاهرة.