هل انتهت حقبة تسلا الذهبية؟

على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، أخلت تسلا بأهداف المبيعات وشهدت انخفاضًا في سعر سهمها، وذلك مع اتخاذ الرئيس التنفيذي للشركة إيلون ماسك قرارات جذرية بشأن مستقبل الشركة.

فقد قام ماسك بخفض سعر سيارات تسلا، وطرد جزء كبير من الفريق المسؤول عن شبكة “سوبرتشارج” Supercharger الخاصة بها، وألمح إلى أن تسلا ستسعى لتقديم “سيارة أجرة آلية” (روبوتاكسي) بهدف تعزيز مكانتها كشركة ذكاء اصطناعي أكثر من كونها شركة تصنيع سيارات.

تبدو كل هذه القرارات وكأنها تحرّف مسار تسلا بعيدًا عن مهمتها الأساسية المتمثلة في إنتاج سيارات كهربائية بأسعار معقولة تناسب الأسواق.

وفي تقرير على بلومبرغ اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، يقول ليام ديننغ، هو كاتب رأي، في برنامج بودكاست زيرو: “تحتاج شركة صناعة السيارات إلى قصة نمو. غير أن هذه القصة أصبحت أقل مصداقية بمرور الوقت”.

عندما يتعلق الأمر بالتحول إلى السيارات الكهربائية، ما مدى أهمية تسلا؟

تقدر قيمة الشركة بأكثر من 500 مليار دولار، وتلعب دورًا كبيرًا في سوق السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. ولكن في سوق السيارات الكهربائية العالمية، تعد تسلا واحدة من العديد من اللاعبين؛ وفي العام الماضي، تفوقت عليها شركة BYD الصينية كأكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم.

فما هي أولويات تسلا الاستراتيجية، وكيف تطورت هذه الأولويات، وماذا قد يعنيه هذا التطور بالنسبة لاعتماد السيارات الكهربائية عالميًا.

هناك الكثير من التساؤلات حول تسلا، فهي شركة صناعة السيارات الأكثر قيمة في العالم، وهي لاعب رئيسي في سوق السيارات الكهربائية.

بالطبع، يدير تسلا رجل قوي لديه موهبة فذة .. فإيلون ماسك دائمًا في الأخبار. لكن برنامج بودكاست زيرو على بلومبرغ قام بإلقاء نظرة فاحصة على شركة تسلا ودورها في جعلنا جميعًا ننتقل إلى السيارات الكهربائية.

عملية التحول إلى السيارات الكهربائية جارية على قدم وساق. ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية في السنوات الست الماضية من 2 مليون إلى 14 مليون سيارة. وفي الوقت نفسه، تبتعد تسلا عن إنتاج سيارات كهربائية منخفضة التكلفة وتشير إلى أنها تريد أن تكون شركة ذكاء اصطناعي، وليس شركة سيارات.

إذن ما الذي يحدث حقًا؟ .. في هذه المرحلة، إذا لم تنجح تسلا، هل سيكون ذلك كارثيا بالنسبة للتحول إلى السيارات الكهربائية أم أن ذلك لا يهم؟

كيف بدأت قصة ماسك مع تسلا؟

استثمر إيلون ماسك في شركة تسلا لأول مرة عام 2004 ثم تولى منصب الرئيس التنفيذي في عام 2008.

في البداية، ركز على صنع سيارة سيدان فاخرة لتسلا، للحصول على قوة الجاذبية، ولكن خطته طويلة المدى كانت دائمًا استغلال ذلك لصنع سيارة كهربائية للأسواق بشكل أشمل.

والآن وبعد أكثر من عقد من الزمن على تلك الحقبة. ما حدث هو أن شركات سيارات أخرى اقتبست من تسلا ودخلت إلى سوق السيارات الكهربائية. لذا فإن تسلا تواجه الآن تيارين.

  • أولاً، الطلب على السيارات الكهربائية لا ينمو بنفس السرعة التي كان عليها في الماضي.
  • وثانياً، أصبح لدى المشترين في السوق الآن المزيد من الخيارات، وليس فقط تسلا.

وهذا يعني أن تسلا تعاني على المدى القصير من انخفاض الأرباح كما تفوت أهداف المبيعات ويتعرض سعر سهمها للتراجع. وهذا جعل إيلون ماسك يتخذ سلسلة من القرارات الجريئة مؤخرًا.

شهدت تسلا خلال آخر 18 شهرا تقريبا تباطؤ في مبيعاتها بشكل ملحوظ، حيث بلغت ذروتها في الانخفاض المذهل للمبيعات في الربع الأول.

وفقا لبلومبرغ، قد حدث هذا في ظل قيام تسلا فعليًا بخفض أسعار سياراتها لتحفيز المبيعات. وهذه مشكلة مألوفة بالفعل بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات التقليدية. فهم دائمًا يواجهون صعوبات مع هوامش ربح منخفضة ومخزون يتراكم والحاجة إلى تقديم خصومات على المبيعات وتفويت أهداف المبيعات وما إلى ذلك.

تكمن الصعوبة في أن شركات صناعة السيارات التقليدية تتداول (مكرر الربحية) بسعر مضاعف يتراوح بين خمسة وستة أو سبعة أضعاف أرباحها، بينما تتداول تسلا بأكثر من 50 ضعفًا لأرباحها.

لذلك تحتاج تسلا إلى قصة نمو، وهذه القصة أصبحت أقل مصداقية بمرور الوقت خاصة خلال الـ 18 شهرًا الماضية.

تعتقد بلومبرغ أن هذا هو سبب تحول القصة حول السهم، وخاصة فيما يتعلق بـ إيلون ماسك نفسه، والذي يتحول بشكل أكبر نحو فكرة استقلالية المركبات، وسيارات الأجرة ذاتية القيادة، وهذا الحدث الذي تم الإعلان عنه فجأة في 8 أغسطس الماضي للكشف عن “سيارة أجرة ذاتية القيادة”.

والمقصود هنا ليس أن هذه القصة لم تكن موجودة منذ فترة طويلة. أعتقد أن أي شخص تابع شركة تسلا على مر السنين يعلم أن إيلون ماسك حدد هدفًا تلو الآخر وموعدًا تلو الآخر فيما يتعلق بسيارات الأجرة ذاتية القيادة، وقد تم تفويت كل تلك الأهداف والمواعيد.

لذا فقد كانت هذه الفكرة موجودة منذ فترة، ولكن الآن، بالنظر إلى الضغط على قطاع السيارات الكهربائية الأساسي، فإن سردية سيارات الأجرة ذاتية القيادة أصبحت أكثر أهمية للحفاظ على تقييم تسلا.

دعونا نأخذ الأمر خطوة بخطوة .. لقد تحدثنا عن كيفية تداول سهم تسلا بمضاعف أعلى بكثير. بالنسبة للأشخاص الذين لا يتابعون أخبار الأعمال يوميًا، فإن نسبة السعر إلى الأرباح (P/E) أو ما يعرف بمكرر الربحية: وهي عبارة عن مؤشر يستخدمه المستثمرون لتحديد الاستثمار في الشركات أو الانسحاب منها.

إذن لدينا بعض الأرقام لنقارن بها. إكسون موبيل، شركة نفط مربحة للغاية في الوقت الحالي، يبلغ مكرر الربحية 15 مرة. في حين أن آبل أو مايكروسوفت، وهما من عمالقة التكنولوجيا الكبرى، مع توجه مايكروسوفت نحو مجال الذكاء الاصطناعي، تتداول أسهمها عند 13.37. في حين يتم تداول تسلا عند 45 مرة، وهذا بعد انخفاض سعر سهمها بشكل ملحوظ هذا العام.

وبحسب ما ذكر سلفا، فإن سهم تسلا يتم تداوله بمضاعف أعلى بكثير من أرباحها مقارنةً بشركات أخرى مثل إكسون موبيل وآبل ومايكروسوفت. وهذا يعني أن المستثمرين يدفعون أموالًا طائلة مقابل سهم تسلا بناءً على توقعاتهم المستقبلية وليس على أرباحها الحالية.

إذن فقصة النمو مفقودة .. فالمشكلة هي أن قصة النمو التي كانت تسلا تعتمد عليها، وهي الهيمنة على سوق السيارات الكهربائية وزيادة المبيعات بشكل كبير، لم تعد تبدو واضحة كما كانت في السابق. فشركات صناعة السيارات الأخرى دخلت السوق، والطلب على السيارات الكهربائية يتباطأ، وتواجه تسلا صعوبات في تحقيق أهداف المبيعات.

هل الحل بالتحول إلى الذكاء الاصطناعي؟

استجابةً لهذه الضغوط، يبدو أن تسلا تتحول نحو التركيز على مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير سيارات أجرة ذاتية القيادة (روبوتاكسي). لكن المشكلة تكمن في أن المستثمرين يشككون في جدوى هذه الخطة. فشركات أخرى مثل مايكروسوفت لديها أيضًا أقسام ذكاء اصطناعي ناجحة، وتاريخ تسلا حافل بالوعود التي لم تتحقق فيما يتعلق بالسيارات ذاتية القيادة.

إذن، السؤال الآن هو: ما هي قصة النمو الجديدة التي ستعرضها تسلا لتبرير تقييمها المرتفع؟ هل يمكنها أن تنجح كشركة سيارات رائدة في سوق تنافسية للغاية وفي نفس الوقت كشركة ذكاء اصطناعي رائدة؟ أم أن تركيزها الجديد على الذكاء الاصطناعي مجرد محاولة لصرف النظر عن مشاكلها الحالية في قطاع السيارات الكهربائية؟

باختصار، هناك شكوك كبيرة حول قدرة تسلا على تحقيق التوقعات العالية التي يضعها المستثمرون. تحتاج الشركة إلى تقديم قصة نمو واضحة ومقنعة للمستقبل لتبرير سعر سهمها المرتفع.

فجزء من مشكلة تسلا هو أن تقييمها مرتفع للغاية منذ فترة طويلة، وإذا عدت بالزمن إلى الوراء، كانت الشركة تقدر بـ 1.2 تريليون دولار.

هناك ظاهرة كاملة قائمة على محاولة تبرير القيمة السوقية المرتفعة لشركة تسلا من خلال استكمال الصورة باستخدام قطع من أحجية الصور المقطعة. الأمر الذي أثار اهتمامي حقًا هو ملاحظة تقلص أهمية قطاع السيارات الكهربائية بالنسبة لتسلا، والذي يمثل جوهر عملها المتمثل في تصنيع وبيع أو تأجير السيارات الكهربائية، وذلك بمرور الوقت، بحسب برنامج برودكاست زيرو على بلومبرغ.

وبحسب بلومبرغ، فإن الناس تشتري سهم تسلا ليس فقط باعتباره سهم خاص بشركة سيارات كهربائية نمت بشكل كبير، وهو بالتأكيد إنجار لا يستهان به، بل يقبل الناس على تسلا بسبب أفكار إيلون ماسك الفذة.. فهل سيبتكر سيارة جديدة كسيارة أجرة ذاتية القيادة؟ أم سيخترع إنساناً آلياً؟ أو سيحول شبكات الكهرباء العالمية باستخدام بطاريات عملاقة؟ تتغير أهمية هذه الأفكار، لكنها دائماً ما تدعم القيمة الاسمية التي تبلغ عدة مئات من مليارات الدولارات.

وهنا تكمن مشكلة تسلا .. حيث إذا بدأنا الحديث عن الشركة، يتعين علينا الحديث عن إيلون ماسك، وعن هذه الأفكار المجنونة التي تطفو على السطح باستمرار، سواء من تسلا أو في معظم الأحيان من إيلون نفسه. ولكن دعونا نحاول التركيز على مجال السيارات الكهربائية. لأن تسلا اليوم في الأساس هي شركة سيارات كهربائية.

وكشركة سيارات كهربائية أو شركة تصنيع سيارات بشكل عام، هناك العديد من الأمور غير المعتادة حتى في هذا المجال. فمعظم شركات صناعة السيارات، سواء كانت شركات عريقة أم ناشئة، لديها خط إنتاج للسيارات المختلفة التي تعمل على تطويرها لأن احتياجات العملاء تختلف وكذلك تختلف متطلبات الأسواق المختلفة.

أما تسلا حاليًا ليس لديها أي خط إنتاج للسيارات الجديدة قيد التطوير، فلماذا إذن يجب أن نأخذها على محمل الجد كشركة سيارات في المقام الأول؟

للتوضيح بشكل أبسط، تقول تسلا إنها ستصدر بعض المنتجات الجديدة بالفعل، لكن المشكلة تكمن في غموض ماهية تلك المنتجات بالضبط. لقد تم الإعلان عنها مع نتائج الربع الأول، ولكن بعد ذلك لم تقدم الشركة سوى تفاصيل قليلة عنها.

بغض النظر عن ذلك، تعتقد بلومبرغ أن سبب أخذ تسلا على محمل الجد كشركة مصنعة للسيارات يعود إلى أنها حققت إنجازًا مذهلاً. فهي شركة سيارات جديدة تمامًا في صناعة قديمة لم تكتفي فقط بتأسيس شركة سيارات، بل لقد بدأوا بإدخال نظام نقل حركة بالكامل جديد، بالإضافة إلى بناء شبكة شحن خاصة بتسلا، ومحاولة إقناع الناس بأن قيادة سيارة كهربائية أمر جيد ورائع. أعتقد أن هذا قد راكم الكثير من النية الحسنة.

ورغم أن البعض كان متشككا في تسلا في الأيام الأولى.. إلا أنه تمكنت من التحول للربحية في النهاية.

ومع ذلك، لقد مضت سنوات منذ إطلاقهم لمنتج جديد حقًا. بغض النظر عن Cybertruck الذي تم إطلاقه في أواخر العام الماضي، والذي أعتقد أنه سيكون منتجًا متخصصًا باهظ الثمن حتى لو تجاهلنا جميع المشكلات التي تم الإبلاغ عنها. ولكن من حيث منتج يناسب جميع الأسواق، لم نشهد شيئًا جديدًا لسنوات.

سوق السيارات الكهربائية

شركة تسلا في الولايات المتحدة لا تزال تمثل نصف سوق السيارات الكهربائية، ولكن إذا نظرنا إلى بقية العالم، فإن الولايات المتحدة تمثل حوالي خمس السوق العالمية، ولكن من حيث السيارات الكهربائية، تمثل الولايات المتحدة 12 بالمئة من السوق العالمية. يتم بيع 88 بالمئة من السيارات الكهربائية خارج الولايات المتحدة ومعظم هذه السيارات الكهربائية هي سيارات كهربائية صينية.

إذا أردنا العودة إلى ظهور السيارات الكهربائية كسيارات واسعة الانتشار، فإن قصة تسلا بالطبع جوهرية لأنها جعلت السيارات الكهربائية جذابة. لكن الصينيين بدأوا أيضًا في تنفيذ خطتهم الخاصة حيث أرادوا إنشاء صناعة كاملة وبدأوا حتى قبل أن تصنع تسلا أي سيارة حقًا.