الألماس الصناعي يغزو الأسواق

الألماس يبقى للأبد، هذا هو شعار تجّار الألماس الذين يسوِّقون لبضاعتهم التي أصبحت رمز الهدايا الرومانسية، وخواتم الخطوبة. ولأن الحب هو أغلى ما في الحياة كما يُقال، فإن أسعار الألماس المرتفعة مبرَّرة، فليس هناك من يريد إثبات حبه بهدية رخيصة، ولذلك فقد ارتبطت هدايا الألماس غالية الثمن بمستوى المحبة. إلا أن الألماس الطبيعي الذي يتشكل على مدى مليارات السنين تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية في باطن الأرض، واجه منافساً شرساً في السنوات القليلة الماضية، وهو الألماس المصنَّع مخبرياً، فما الألماس الصناعي؟ ومتى ظهر؟ وكيف غيَّر شكل صناعة الألماس مؤخراً؟ وما أسباب انتشاره وتأثيره على سوق الألماس الطبيعي؟

الألماس المصنَّع مخبرياً، المعروف أيضاً بالألماس الصناعي أو الألماس المزروع، هي جواهر تم إنشاؤها في بيئة مخبرية محكومة باستخدام تقنيات متقدمة تحاكي الظروف التي يتشكل فيها الألماس الطبيعي. وقد أُنتج الألماس الصناعي لأول مرة في الخمسينات من القرن الماضي لاستخدامات صناعية، ولم تظهر الألماسات ذات الجودة الجمالية حتى الثمانينات الميلادية. هذه الألماسات متماثلة كيميائياً وفيزيائياً وبصرياً مع الألماس الطبيعي، وعلى عكس الألماس الطبيعي، الذي يتشكل على مدى مليارات السنين تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية في باطن الأرض، يتم إنتاج الألماس المصنَّع في المختبر على مدى أسابيع إلى شهور باستخدام طرق الضغط العالي ودرجة الحرارة العالية.

وقد شهدت سوق الألماس المصنَّع في المختبر نمواً كبيراً منذ عام 2009. في البداية، كانت الألماسات المصنَّعة في المختبر تمثل حصة صغيرة من سوق المجوهرات بالألماس، وبحلول عام 2015، بدأت الألماسات المصنَّعة في المختبر تكتسب مزيداً من الزخم، ممثلة جزءاً صغيراً ومتزايداً من مبيعات الألماس العالمية. وبحلول عام 2022، توسع السوق بشكل كبير، حيث شكَّل الألماس المصنَّع في المختبر نحو 17% من سوق المجوهرات بالألماس، وقد كان معدل نمو المبيعات مذهلاً، حيث زادت المبيعات من أقل من مليار دولار في عام 2016 إلى ما يقرب من 12 مليار دولار في عام 2022، مما يعكس زيادة سنوية بنسبة 38%. وتشير التوقعات إلى أن السوق ستستمر في النمو، مع توقعات بالوصول إلى 52 مليار دولار بحلول عام 2030.

يتجه المستهلكون بشكل مطّرد نحو الألماس المصنَّع في المختبر لأسباب عدة. أولاً، يُعد الألماس المصنع في المختبر أكثر أخلاقية وصداقة للبيئة. فبينما يرتبط استخراج الألماس التقليدي غالباً بتدهور بيئي شديد وأحياناً بممارسات عمل غير أخلاقية، بما في ذلك الألماس الملوث بالصراعات واستغلال العمال، يُصنع الألماس الصناعي في المختبر في بيئات محكومة تقلل من هذه المشكلات الأخلاقية والبيئية. بالإضافة إلى ذلك، وهو فوق ذلك أقل تكلفة من الألماس الطبيعي بما يتراوح بين 20 و40 في المائة. ويقود هذا إلى السبب الثاني الذي يوجّه المستهلكين إليه، ففي عالم يعاني التضخم وزيادة الأسعار، يجيء الألماس الصناعي ليوفر منتجاً بنفس الجودة وبأسعار أقل، ويتيح للمستهلكين شراء ألماسات أكبر أو ذات جودة أعلى ضمن نفس الميزانية، مما يجذب بشكل خاص الأجيال الشابة التي تقدّر الاستدامة.

وقد أدى هذا التحول في تفضيلات المستهلكين إلى تأثير كبير على الطلب على الألماس الطبيعي. شهدت السوق التقليدية للألماس تراجعاً، حيث انخفضت أسعار الألماس الطبيعي مع تراجع الطلب. على سبيل المثال، أبلغت شركة «دي بيرز»، أحد أكبر منتجي الألماس في العالم، عن انخفاض بنسبة 23% في مبيعات الألماس الخام في الربع الأول من عام 2023. أدى العرض الزائد للألماس الطبيعي وزيادة شعبية البدائل المصنَّعة في المختبر إلى خلق مشهد تنافسي يتحدى هيمنة الألماس الطبيعي. وبالطبع هناك سبب آخر لانخفاض الطلب على الألماس بالمجمل، وهو انخفاض معدلات الزواج في دول كثيرة من العالم آخرها اليابان، حيث أصبحت الحكومة تشجّع علناً على الزواج بسبب التغيرات الديموغرافية، وهي مشكلة أخلاقية من نوع آخر.

ولقرون طويلة حاول البشر تصنيع الذهب، أو تحويل مواد أخرى إليه وفشلوا في ذلك، ولكنهم نجحوا في الألماس الصناعي، الذي يبدو مستقبله واعداً لأسباب عدة. أولها: استمرار التقدم التقني في تحسين جودة وخفض تكلفة الألماس المصنع في المختبر، مما يجعله أكثر جاذبية للمستهلكين. ثانيها: زيادة وعي المستهلكين ببعض الممارسات غير الأخلاقية في التنقيب عن وإنتاج الألماس الذي قد يؤدي إلى ازدياد تفضيل الألماس المصنَّع في المختبر، وأخيراً فإن الخيارات المرنة التي يتيحها الألماس الصناعي يسهم في شعبيته المتزايدة، فيمكن إنتاج هذه الألماسات بألوان وأحجام مختلفة، مما يتيح تلبية تفضيلات المستهلكين المختلفة. مما يجعل هذه الألماسات جذابة لمجموعة واسعة من تطبيقات المجوهرات، من خواتم الخطوبة إلى الإكسسوارات العصرية.

د. عبد الله الردادي