لا شك في أنّ القرار الكارثي الذي اتُّخِذ في 7 آذار 2020 لجهة اعلان التعثّر المالي، شكّل جريمة إقتصادية ومالية ونقدية في حق لبنان واللبنانيين. لكنّ الجريمة الأكبر ما بعد هذا الإفلاس المبطّن، كانت عدم التفاوض مع حاملي اليوروبوندز، وعدم اقتراح أي خطة إصلاحية وإنمائية طارئة. لماذا يدقّ ناقوس الخطر اليوم بعد خمس سنوات من هذا القرار الكارثي؟ ولماذا سيتحرّك قريباً حاملو اليوروبوندز في الأشهر الأخيرة، ما قبل آذار 2025؟
نذكّر ونشدّد على أنه حين اتُخذ قرار التعثّر المالي، في آذار 2020، كان يوجد في احتياطي «المركزي» أكثر من 30 مليار دولار، أما المتوجبات المالية في هذه السنة فكانت لا تتجاوز المليار دولار ونصف المليار. بمعنى آخر، كان للدولة اللبنانية سيولة بنحو 16 ضعفاً عمّا كانت عليه.
وفي السنة عينها، هُدر أكثر من 17 ملياراً على دعم وهمي للوقود، لم نر منه ليتراً واحداً، وقد هُرّب ما وراء الحدود، ودعماً لدواء لم نر منه حبة واحدة، فيما وجدنا «علب» أدويتنا في بلدان حول العالم.
أما الخطيئة الثانية الأكبر، فكانت ما بعد هذا القرار، عدم التفاوض مع حاملي سندات الخزينة الدولية، وعدم إقتراح أي خطة لإعادة النهوض والإنماء، لا بل كانت الإستراتيجية طمر الرأس في التراب كالنعامة، وكأنّ شيئاً لم يحصل.
فالسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو لماذا نام حاملو اليوروبوندز لأربع سنوات ونصف السنة؟ ولماذا هم مُجبرون ومحكومون أن يتحركوا اليوم قبل آذار 2025؟ إنّ الجواب واضح، وهو أنه بعد خمس سنوات من القرار، فإن حاملي هذه السندات محكومون بالتحرّك القضائي الدولي الرسمي، قبل أن يسقط حقهم، بعد مرور خمس سنوات من عدم المطالبة الرسمية والقضائية.
نذكّر أنّ حاملي اليوروبوندز هما شركتا «أشمور للإستثمار السعودية»، و«بلاك روك» الأميركية، وبعدما صَبرتا لمدة أربع سنوات ونصف السنة بانتظار تحقيق إصلاحات أو الإتفاق مع صندوق النقد الدولي أو أي خطة لإعادة النهوض، وفي النهاية وجدتا أنه ليس لهما خيار اليوم إلاّ إقامة دعاوى قضائية دولية ضد الدولة اللبنانية، بعدما خسرتا كل أمل وقبل أن يسقط حقهما في آذار 2025.
أما بقية الحاملين، فهم جزء من الأفراد وبعض الشركات اللبنانية والأجنبية وغيرها، وحتى بعض المصارف اللبنانية.
إنّ هذه الشركات المالية الدولية تستثمِر، في بلدان ناشئة ومتعثّرة، قسماً صغيراً من استثماراتها، إذ تشتري سندات خزينة بأموال بخسة، آملة من الدول المدينة أن تقوم بإصلاحات، أو بخطط إعادة هيكلة، فتُرفع هذه الأسعار بطريقة مفاجئة، وتحقق تلك الشركات أرباحاً فادحة.
أما خيارها الثاني، فهو اللجوء إلى القضاء الدولي، وحجز بعض الممتلكات لهذه الدول المدينة والمتعثرة في الخارج، واسترجاع أموالها، مهما كان الثمن.
فاليوم، وبعد خمس سنوات من الإنتظار الهادئ والصامت، وبعد التأكد من أنّ الدولة اللبنانية لم تقم بأي إصلاح ولم تجر أي إتفاقات دولية، ليس لها أيّ خيار آخر إلاّ أن تقوم برفع دعاوى دولية ضد هذه الدولة، للحفاظ على حقوقها، وحتى وضع اليد على بعض أصول الدولة في الخارج.
في المحصّلة، يدق اليوم ناقوس الخطر، وتقترب عقارب الساعة من آذار 2025. فالدولة اللبنانية، محكومة بالتفاوض مع حاملي هذه السندات، واقتراح التمديد أو الإمتداد لهذه السندات. وهناك خيار آخر، هو أن تشتري الدولة هذه السندات بالأموال المتدنيّة، وإقفال ما تبقّى من دينها في الخارج. أما الخيار الثالث فهو الإستراتيجية الطبيعية وهي عدم فعل أي شيء، وطمر الرأس في التراب، مثلما فعلوا في السنوات الخمس الأخيرة، وانتظار الدعاوى القضائية الدولية، والتي يُمكن أن تحجز رسمياً أصول الدولة في الخارج، مثل الذهب وغيرها.
د. فؤاد زمكحل