رسوم أوروبية وأميركية على بضائع الصين.. هل تدق الحرب التجارية طبولها من جديد؟

تتجه الأنظار خلال الأشهر المقبلة إلى انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وطبيعة السياسات التي ينتهجها البيت الأبيض في ضوء نتائج تلك الانتخابات.

تتضمن تلك السياسات العلاقة مع  ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي المخاوف من عودة الحرب التجارية خاصة في حالة نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات، والذي لديه ميول لممارسة سياسات اقتصادية عدوانية ضد الصين.

لكن الاتحاد الأوروبي قرر أن يشعل الأجواء مبكراً ويكون طرفاً في اللعبة من أجل مصلحته الخاصة، فقبل تلك الانتخابات بنحو ستة أشهر اتخذ قراراً الأربعاء 12 يونيو/ حزيران، بفرض رسوم جمركية أعلى على واردات السيارات الكهربائية الصينية، والتي وجد أنها تستفيد “بشكل كبير من الدعم غير العادل” وتشكل “تهديداً بإلحاق ضرر اقتصادي” بمنتجي السيارات الكهربائية في دول الاتحاد.

فرض الاتحاد رسوماً جمركية بنسبة 38.1% على منتجي السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية (BEV) من الصين، الذين لم يتعاونوا في تحقيق الاتحاد الأوروبي، ورسوماً بنسبة 21% على شركات صناعة السيارات التي امتثلت ولكن لم يتم “أخذ عينات منها”.

كما فرض الاتحاد رسوماً جمركية بنسبة 17.4% على منتجات شركة BYD، المنتج الرئيسي للسيارات الكهربائية الصينية، بينما فرضت على شركة Geely رسوماً بنسبة 20%، كما فرض تعريفة بنسبة 38.1% على منتجات شركة SAIC.

ومن المقرر أن يتم تطبيق الرسوم المؤقتة للاتحاد الأوروبي بحلول الرابع من يوليو/ تموز، ومن المقرر كذلك أن يستمر التحقيق حتى الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، وعندها يمكن فرض رسوم نهائية، تصل مدتها عادة إلى خمس سنوات.

وأوضح الاتحاد الأوروبي أن الهيئات التنظيمية الأوروبية ستنظر إلى القروض المقدمة من البنوك الصينية المملوكة للدولة والملكية الحكومية باعتبارها إعانات دعم تخضع لتعريفات إضافية.

واتهمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بكين بأنها تعزّز بشكل غير قانوني شركاتها المصنعة في سوق السيارات الكهربائية المستقبلية، وفتحت تحقيقاً في سبتمبر/ أيلول في دعم الحكومة الصينية لهذا القطاع.

وأعلنت المفوضية، الأربعاء، أن الرسوم الجمركية البالغة حالياً 10%، قد تصل في المتوسط إلى 31% من سعر بيع المركبات المستوردة إلى أوروبا اعتباراً من 4 يوليو/ تموز، مع فتح الباب للحوار.

مخاوف من حرب تجارية

حاربت ألمانيا، التي تنتشر سياراتها على نطاق واسع في الصين، إلى جانب السويد والمجر، من أجل تجنب فرض عقوبات على الشركات المصنعة الصينية، خوفاً من رد انتقامي على الجانب الآخر.

وحذر وزير النقل الألماني، فولكر فيسينغ، عبر منصة “إكس” الأربعاء، من “حرب تجارية” مع بكين، وعبر عن أسفه مع إضرار الرسوم الجديدة  بالشركات الألمانية ومنتجاتها.

وقال: “من خلال المنافسة المتزايدة والأسواق المفتوحة وظروف أفضل للتأسيس في الاتحاد الأوروبي، تصبح المركبات أرخص، وليس من خلال حرب تجارية وتقسيم السوق”.

كما حذر اتحاد مصنعي السيارات الألماني “VDA” من حدوث حرب تجارية عالمية، وقال في بيان: “هذا الإجراء يزيد من خطر نشوب صراع تجاري عالمي”.

ويرى الاتحاد أن الضرر المحتمل من الرسوم الجديدة قد يكون أكبر من الفوائد المحتملة لصناعة السيارات الأوروبية وخاصة الألمانية.

رد فعل هادئ من الصين

انتقدت بكين، الخميس 13 يونيو/ حزيران، الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، ووصفتها بأنها سلوك حمائي.

وقالت الصين إنها تأمل أن يصحح الكتلة الأوروبية “ممارساتها الخاطئة” ويتعامل مع الاحتكاكات التجارية من خلال الحوار، لكنها أشارت إلى أنها ستتخذ “كل الإجراءات اللازمة” لحماية مصالحها، بحسب وكالة رويترز.

شاهد أيضاً: الصين .. قفزة في صادرات شهر مايو وعلامات استفهام حول الواردات

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين غيان، في مؤتمر صحفي: “نحث الاتحاد الأوروبي على الاستماع بعناية إلى الأصوات الموضوعية والعقلانية من جميع مناحي الحياة، وتصحيح ممارساته الخاطئة على الفور، والتوقف عن تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية، والتعامل بشكل صحيح مع الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية من خلال الحوار والتشاور”.

وقال الناطق باسم وزارة التجارة هي يادونغ خلال مؤتمر صحافي الخميس إن “الصين تحتفظ بحق تقديم شكوى لدى منظمة التجارة العالمية واتخاذ كل التدابير اللازمة للدفاع بحزم عن حقوق الشركات الصينية ومصالحها”.

الرغبة في التهدئة

وبحسب رويترز، فإن  رد الفعل من جانب الصين وغيرها من الأطراف المرتبطة بالقرار، بما في ذلك شركات صناعة السيارات الأوروبية والصينية، يشير إلى معارضة واضحة لقرار الاتحاد الأوروبي والرغبة في تهدئة الوضع.

وقال المطلعون على الصناعة، للوكالة، إن كلاً من أوروبا والصين لديهما أسباب للرغبة في التوصل إلى اتفاق في الأشهر المقبلة لتجنب إضافة مليارات الدولارات كتكاليف جديدة لشركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية، حيث تسمح عملية الاتحاد الأوروبي بالمراجعة.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في تعليق إن بروكسل تركت على ما يبدو مجالاً للجانبين لمواصلة مشاوراتهما لإيجاد حل وتجنب السيناريو الأسوأ.

وأضافت: “من المأمول أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر بشكل جدي والتوقف عن المضي قدماً في الاتجاه الخاطئ”.

قرار أميركي مماثل

منذ نحو شهر، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في الرابع عشر من مايو/ أيار، عن زيادات في التعريفات الجمركية عبر القطاعات الاستراتيجية مثل المركبات الكهربائية، والبطاريات، والصلب والألومنيوم، وأشباه الموصلات، والمعادن الحيوية، والخلايا الشمسية، والرافعات من السفن إلى الشاطئ، والمنتجات الطبية.

وبموجب القرار، ترتفع معدل التعريفة الجمركية على السيارات الكهربائية من 25% إلى 100% في عام 2024.

وقال البيت الأبيض، في بيان، إنه في ظل إعانات الدعم الواسعة النطاق والممارسات غير السوقية التي أدت إلى مخاطر كبيرة تتمثل في القدرة الفائضة، نمت صادرات الصين من السيارات الكهربائية بنسبة 70% في الفترة من 2022 إلى 2023، مما يعرض الاستثمارات الإنتاجية في أماكن أخرى للخطر.

وأضاف أنه من شأن معدل التعريفة الجمركية بنسبة 100% على المركبات الكهربائية أن يحمي الشركات المصنعة الأمريكية من الممارسات التجارية غير العادلة للصين.

الرسوم الأميركية على السلع الأخرى

تضمن القرار رفع معدل التعريفة الجمركية على بعض منتجات الصلب والألومنيوم من 0-7.5% إلى 25% في عام 2024، وعلى أشباه الموصلات من 25% إلى 50% بحلول عام 2025، وعلى بطاريات الليثيوم أيون EV من 7.5% إلى 25% في عام 2024، وبطاريات الليثيوم أيون غير المخصصة للمركبات الكهربائية من 7.5% إلى 25% في 2026، وعلى أجزاء البطارية بنفس النسبة في عام 2024.

كما تضمن القرار رفع التعريفة الجمركية على الجرافيت الطبيعي والمغناطيس الدائم من صفر إلى 25% في عام 2026، وعلى بعض المعادن الهامة الأخرى من صفر إلى 25% في عام 2024، وعلى الخلايا الشمسية من 25% إلى 50% في عام 2024، وعلى الرافعات من السفينة إلى الشاطئ من 0% إلى 25% في عام 2024، وعلى المحاقن والإبر من 0% إلى 50% في عام 2024، وعلى بعض معدات الحماية الشخصية، بما في ذلك بعض أجهزة التنفس وأقنعة الوجه، من 0-7.5% إلى 25% في عام 2024، وعلى القفازات الطبية والجراحية المطاطية من 7.5% إلى 25% في عام 2026.

رفض صيني للحجج الأوروبية والأميركية

فيما يتعلق بالرسوم على السيارات الكهربائية، رفضت بكين حجة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن صناعة السيارات الكهربائية في الصين تعمل بدرجة من الطاقة الفائضة التي تهدد شركات صناعة السيارات في الخارج من خلال الصادرات المدعومة، بحسب رويترز.

وقالت إن التعريفات الجمركية ستؤدي إلى إبطاء امتصاص السيارات الكهربائية، وتعرض أهداف تغير المناخ للخطر وتدفع التكاليف إلى الارتفاع بالنسبة للمستهلكين.

اقرأ أيضاً: الصين تعتزم تقييد صادرات بعض معدات الطيران والفضاء لحماية أمنها القومي

وقالت شركة SAIC المملوكة للدولة، والتي تعتمد على مشاريع مشتركة مع فولكس فاجن وجنرال موتورز لتكون أكبر شركة لصناعة السيارات في الصين، الخميس 13 يونيو، إنها تشعر بقلق عميق إزاء الرسوم الجمركية، كما أعربت شركة Geely الخميس عن “خيبة أملها الكبيرة” في هذه الخطوة، وتعهدت باتخاذ “كل الإجراءات اللازمة” لحماية حقوقها.

مخاوف من صراع جديد بعد الانتخابات الأميركية

تسود مخاوف من عودة الحرب التجارية بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، خاصة في حالة نجاح دونالد ترامب صاحب ضربة البداية التي أدت إلى تصاعد الإجراءات بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2017، إلى حرب اقتصادية وتجارية شاملة.

أصبح الاقتصاد الصيني والأميركي معرضين لخطر الانفصال نتيجة لهذه التحركات والتهديدات المرتبطة بها. ويشكل انعدام الثقة المتبادل بينهما خطراً جسيماً على صحة الاقتصاد العالمي، بحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

وقال المعهد إنه في ظل إدارة ترامب، رفعت الولايات المتحدة متوسط ​​الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات الصينية من حوالي 4% إلى 21%. وظلت هذه التعريفات المرتفعة دون تغيير خلال إدارة بايدن. وتم رفع ضرائب الاستيراد الأخيرة التي كشفت عنها إدارة بايدن على عدد قليل فقط من فئات المنتجات الضيقة لكنها تتعلق بصناعات ذات أهمية استراتيجية، وحجم الزيادات التعريفية عليها كبير.

وخلال فترة رئاسته، فرض ترامب تعريفات شاملة وغير مسبوقة على السلع المستوردة. وأعلن ترامب والصين في النهاية (بعد فترة من الحرب التجارية) عن اتفاق لتهدئة التوترات، لكن بكين لم تشتر السلع الأميركية الإضافية التي قالت إنها ستشتريها بموجب ما يسمى باتفاقية “المرحلة الأولى”، بحسب تقرير لموقع Business Insider

ورغم انتقاد بايدن عندما كان مرشحاً في الانتخابات السابقة حرب ترامب التجارية مع الصين، فإنه ترك تعريفات ترامب الجمركية على الصين دون تغيير إلى حد كبير.

وأشار التقرير إلى أنه إذا كان هناك شيء مشترك بين بايدن وترامب فهو موقفهما من الصين، لكن ترامب يريد فرض المزيد من الرسوم الجمركية، حيث اقترح كل شيء بدءاً من فرض تعريفة ثابتة بنسبة 10% على كل منتج يدخل الولايات المتحدة إلى تعريفة بنسبة 100% على جميع السيارات المستوردة، بحسب التقرير.

مصطفى عيد