بعد إجراءات من 4 بنوك في 3 شهور.. هل بدأ عهد خفض الفائدة عالمياً؟

خفضت أربعة بنوك مركزية كبرى أسعار الفائدة في أقل من ثلاثة أشهر، اثنان منها نفذت الإجراء خلال يومي الأربعاء والخميس 5 و6 يونيو/ حزيران، وذلك بعد سنوات من السياسة النقدية المتشددة ومستويات الفائدة المرتفعة.

وفي حين تترقب الأسواق بين الحين والآخر أي إشارات قد تصدر عن الفدرالي الأميركي عن موعد خفض الفائدة المنتظر من المستثمرين منذ شهور، انضم البنك المركزي الأوروبي الخميس إلى سلسلة البنوك التي اتخذت بالفعل قرار خفض الفائدة والتي بدأت بسويسرا.

وبدأت البنوك المركزية العالمية في مختلف أنحاء العالم في دراسة تخفيف سياستها التشددية، حيث يقوم واضعو أسعار الفائدة بتقييم التوترات الجيوسياسية والقلق بشأن إعادة التضخم إلى المستويات المستهدفة.

سويسرا تكسر الحاجز

خالف البنك المركزي السويسري توقعات الأسواق عندما كان أول البنوك الكبرى هذا العام في خفض معدلات الفائدة، حيث قرر في 21 مارس/ آذار الماضي خفض المعدل بـ 25 نقطة أساس إلى مستويات 1.5% من 1.75%.

كانت توقعات الأسواق تشير وقتها إلى تثبيت معدل الفائدة  خاصةً مع اتخاذ الفدرالي الأميركي هذه الخطوة خلال اجتماع مارس.

وقال البنك المركزي السويسري وقتها عن سبب القرار: “منذ بضعة أشهر، عاد التضخم إلى ما دون 2%، وبالتالي فهو ضمن النطاق الذي يعادله البنك المركزي السويسري مع استقرار الأسعار”.

وأضاف: “وفقاً للتوقعات الجديدة، فمن المرجح أن يظل التضخم في هذا النطاق خلال السنوات القليلة المقبلة”.

السويد تتبعها

خفض البنك المركزي السويدي سعر الفائدة الرئيسي الأربعاء 8 مايو/ أيار الماضي، 25 نقطة أساس، إلى 3.75% من 4%، لكن القرار جاء هذه المرة وفقاً للتوقعات.

وأشار المركزي السويدي وقتها أنه من المرجح أن يخفض سعر الفائدة مرتين خلال النصف الثاني من العام الجاري حال اعتدلت الضغوطات التضخمية.

خفض الفائدة جاء بعد دورة من التشديد النقدي استمرت عامين، وقبل الخفض قال البنك في مارس الماضي إنه يرى فرصة جيدة لخفض أسعار الفائدة في مايو/ أيار أو يونيو/حزيران، وأكدت البيانات منذ ذلك الحين أنه من المتوقع استقرار التضخم عند حوالي 2% بعد أن بلغ ذروته عند أكثر من 10% في أواخر عام 2022.

وقال محافظ البنك المركزي السويدي، إريك ثيدين، للصحفيين: “إذا لم تتغير التوقعات، فيمكننا خفض أسعار الفائدة مرتين أخريين خلال النصف الثاني من العام”.

كندا أول خفض للفائدة في دول السبع

خفض بنك كندا، الأربعاء 5 يونيو/ حزيران، سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.75%، في خطوة متوقعة كانت على نطاق واسع تمثل أول خفض له منذ أربع سنوات، ليصبح أول خفض للفائدة في دولة من الدول الأعضاء في مجموعة السبع.

وقال بنك كندا إن من المرجح المزيد من التيسير إذا استمر التضخم في التراجع. وتوقع اقتصاديون أن يخفض بنك كندا أسعار الفائدة مرة أخرى في يوليو/ تموز، بحسب شبكة CNBC.

وبعد إبقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين عند 5% لمدة عام تقريباً، قال بنك كندا إن مؤشرات التضخم الأساسي تبدو إيجابية بشكل متزايد.

وقال المحافظ تيف ماكليم في كلمته بعد إعلان خفض الفائدة: “مع وجود المزيد والمزيد من الأدلة المستمرة على تراجع التضخم، لم تعد السياسة النقدية بحاجة إلى أن تكون مقيدة بنفس القدر”.

تباطأ التضخم في كندا هذا العام ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات عند 2.7% في أبريل/ نيسان. ورغم أن التضخم ظل أقل من 3% لمدة أربعة أشهر متتالية، فإنه لا يزال أعلى من هدف البنك البالغ 2%.

وقال ماكليم: “إذا استمر التضخم في التراجع، واستمرت ثقتنا في أن التضخم يتجه بشكل مستدام إلى هدف 2%، فمن المعقول أن نتوقع المزيد من التخفيضات في سعر الفائدة السياسي لدينا … لكننا نتخذ قراراتنا بشأن أسعار الفائدة في اجتماع واحد في كل مرة”.

البنك الأوروبي يبدأ الخفض

قرر البنك الأوروبي خفض أسعار الفائدة لأول مرة في أكثر من 4 سنوات ونص خلال اجتماعه الخميس 6 يونيو الجاري، حيث سجلت الفائدة على الودائع بعد القرار مستوى 3.75%، فيما انخفض معدل الفائدة على عمليات إعادة التمويل الأساسي عند 4.25%.

كان القرار متوقعاً على نطاق واسع، رغم الضغوط التضخمية في منطقة اليورو المكونة من 20 دولة، حيث تسارع التضخم في المنطقة بأكثر من توقعات المحللين خلال مايو/ أيار، مسجلاً 2.6% مقابل توقعات للمحللين عند 2.5% ومقارنة بمستويات 2.4% في أبريل/ نيسان.

لكن معدلات التضخم تراجعت بشكل كبير من الذروة عند 10.6% المسجلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وسجلت مستويات أقل من 3% على مدار الأشهر الثمانية الماضية.

وقال مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي: “بناءً على تقييم محدث لتوقعات التضخم، وديناميكيات التضخم الأساسي وقوة انتقال السياسة النقدية، من المناسب الآن تخفيف درجة تقييد السياسة النقدية بعد تسعة أشهر من إبقاء أسعار الفائدة ثابتة”.

وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد للصحفيين في فرانكفورت بألمانيا، الخميس، إن قرار مجلس الإدارة بخفض أسعار الفائدة استند إلى الانخفاض الحاد في التضخم الرئيسي، وعلى ثقة البنك في قدراته على التنبؤ.

وأضافت أن البنك المركزي الأوروبي مر بمرحلتين، “المرحلة الأولى” من التشديد القوي والسريع، حيث رفع أسعار الفائدة بمقدار 450 نقطة أساس بين يوليو/ تموز 2022 وسبتمبر/ أيلول 2023، ودخل بعد ذلك في “مرحلة الثبات” حتى اجتماع الخميس.

وقالت لاغارد إن كل مرحلة قسمت التضخم إلى النصف، حيث انخفض من الذروة البالغة 10.6% في أكتوبر 2022، إلى 5.2% في اجتماع البنك المركزي الأوروبي في سبتمبر 2023، ثم إلى 2.6% في مايو 2024.

هل يواصل البنك الأوروبي خفض الفائدة؟

لم تقم الأسواق بتسعير سوى خفض إضافي واحد فقط هذا العام، لكن الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا إجراء تخفيضين إضافيين خلال هذه الفترة، بحسب شبكة CNBC.

وقال كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو في UBS لإدارة الثروات العالمية، دين تورنر، لشبكة CNBC، إن إجراء تخفيض إضافي في الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأوروبي في يوليو/ تموز أمر غير مرجح بالفعل، ولكن تم استبعاده تقريباً من خلال أحدث الأرقام.

وقال تورنر: “كان الترقية الطفيفة في توقعات التضخم متوقعة، وكان التضخم أعلى قليلاً مما توقعته الأسواق، ولكن فيما يتعلق بتوقيت التخفيض التالي، ما زلت أتطلع إلى سبتمبر”.

ورفع البنك المركزي الأوروبي متوسط ​​توقعاته السنوية للتضخم الرئيسي لعام 2024 إلى 2.5% من 2.3% في توقعات سابقة، كما رفع توقعاته لعام 2025 إلى 2.2% من 2%. وظلت توقعات 2026 عند 1.9%.

وقالت كريستين لاغارد إن القرارات المتعلقة بالتخفيضات المستقبلية ستكون “معتمدة على البيانات” وسيتم تحديدها “اجتماعاً تلو الآخر”، بناءً على معاييرها الثلاثة المتمثلة في توقعات التضخم، والتضخم الأساسي، وانتقال أثر السياسة النقدية.

ويتوقع رئيس مؤسسة Ifo البحثية ومقرها ميونيخ، كليمنس فويست، أن يستغرق المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي وقتاً طويلاً.

وقال: “إن هذه الخطوة (خفض أسعار الفائدة) منطقية، لأن التضخم في أوروبا يتجه الآن نحو هدف اثنين في المئة”.

وأضاف: “في ضوء الزيادات الكبيرة في الأجور وتأجيل تخفيضات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، فمن المشكوك فيه أن يتبع ذلك المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة قريبًا.

الفدرالي في وضع محرج

سبق البنك المركزي الأوروبي الفدرالي الأميركي في بداية خفض أسعار الفائدة، حيث لا يزال أكبر بنك مركزي في العالم في وضع محرج بسبب معدل التضخم في الولايات المتحدة، بحسب CNBC، في حين تتزايد الآمال في أن يحدث أول خفض للفائدة في اجتماع سبتمبر/ أيلول أو نوفمبر/ تشرين الثاني، بعدما طمحت الأسواق منذ عدة شهور أن يكون الخفض في مارس الماضي.

لكن أي توقعات بخصوص خفض الفائدة الأميركية هذا العام تبقى مهددة، حيث يرى مسؤولون في الفدرالي أن هناك حاجة للانتظار عدة أشهر من أجل حدوث تقدم كبير في معدل التضخم تضعه على مسار تحقيق مستهدف الفدرالي عند 2%، والبقاء عند هذا المستهدف.

وقال رئيس الفدرالي الأميركي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، لشبكة CNBC، الثلاثاء 28 مايو/ أيار، عن الشروط اللازمة لكي يقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة مرة أو مرتين هذا العام: “أعتقد أن هناك عدة أشهر أخرى من بيانات التضخم الإيجابية، لتمنحني الثقة في أنه من المناسب التراجع”.

بل لم يستبعد كاشكاري احتمال رفع أسعار الفائدة إذا فشل التضخم في الانخفاض بشكل أكبر. وأضاف: “لا أعتقد أننا يجب أن نستبعد أي شيء في هذه المرحلة”.

كما يرى رئيس الفدرالي الأميركي في نيويورك جون ويليامز، بحسب ما قاله الخميس 30 مايو، أن التضخم لا يزال مرتفعاً للغاية لكنه واثق من أنه سيبدأ في التباطؤ في وقت لاحق من هذا العام.

ويتراوح سعر الفائدة القياسي على الاقتراض في نطاق بين 5.25% إلى 5.5%، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من 23 عاماً.

ظل معدل التضخم في الولايات المتحدة مرتفعاً عند 3.4% على أساس سنوي خلال شهر أبريل/ نيسان، لكن مؤشر التضخم المفضل لدى الفدرالي استقر عند 2.7% خلال أبريل وهي نفس مستويات مارس/ آذار، وكذلك توقعات المحللين.

ويرى الاقتصادي محمد العريان أن الفدرالي الأميركي ينبغي أن يبدأ خفض معدل الفائدة في يوليو وليس سبتمبر، وقال في مقابلة مع Fox Business، الخميس 6 يونيو، إن هناك مجموعة من العوامل التي تدعم مقترح خفض الفائدة الشهر المقبل. وتابع: “كل هذه البيانات تقول لنا إن الاقتصاد يتباطأ بأسرع مما توقعه معظم الناس بما في ذلك الفدرالي نفسه”.

وقال استراتيجي الاستثمار في شركة Quilter Investors، ليندساي جيمس لشبكة CNBC، الخميس: “لن ترغب البنوك المركزية الكبرى في الابتعاد كثيراً عن بعضها البعض، ومع تصاعد المخاطر السياسية، فإنها أيضاً لن ترغب في أن يُنظر إليها على أنها مؤثرة للغاية”.

لكن تقرير الوظائف القوي في الولايات المتحدة، الصادر يوم الجمعة 7 يونيو/ حزيران، زاد الأمر تعقيداً، بعد أن كشف عن قوة للاقتصاد الأميركي بشكل يمكن معه تحمل ارتفاع الفائدة لفترة أطول في ظل ارتفاع التضخم عن المستهدف، حيث كشف التقرير عن إضافة الاقتصاد الأميركي 272 ألف وظيفة في مايو/ أيار وهو مستوى أعلى من توقعات المحللين البالغة 182 ألف وظيفة. لكن معدل البطالة ارتفع إلى 4%.

ضغوط على بنك إنكلترا

تشكل التخفيضات الأولى لأسعار الفائدة من بعض البنوك المركزية الكبرى زيادة في الضغوط على بنك إنكلترا للانضمام إليها، بحسب موقع The Standard.

وسيناقش بنك إنكلترا هذا الأمر عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية خلال هذا الشهر. لكن قرار رئيس الوزراء ريشي سوناك بالدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في 4 يوليو/ حزيران يعني أن المدينة تتوقع الآن اتخاذ إجراء في وقت لاحق من الصيف، بعد انتهاء التصويت.

ويُنظر إلى شهر سبتمبر/ أيلول الآن على أنه التوقيت الأكثر ترجيحاً لنقطة التحول التي طال انتظارها، بعد تضاؤل احتمالات خفض أسعار الفائدة في يونيو.