مرّت 5 سنوات على ما صُنّف بأكبر أزمة مالية، نقدية إقتصادية واجتماعية، في تاريخ العالم، حسب مرصد صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي بالحقيقة ليست فقط أزمة، لا بل أكبر عملية نهب متعمّدة في التاريخ. وحتى هذه اللحظة لم نشهد أيّ نيّة حقيقية لمشروع إنقاذي لأي خطة جدّية لإعادة الهيكلة والنهوض، ولا أيّ نيّة لردّ سنت واحد من الودائع المهدورة والمنهوبة.
بعد 5 سنوات من هدر الوقت، نسمع أصداء عن مشاريع وهميّة، ويتبارى المسؤولون على الشاشات بوعود كاذبة للحفاظ على الودائع التي يدعونها بالمقّدسة، وفي الوقت عينه من وراء الستار يطعنون بها يوماً بعد يوم، حتى إزالتها نهائياً ومن ثم سيعملون على صفقة جديدة مع ما تبقّى من كبار المودعين.
أما بالنسبة إلى ما نسمعه عن مشاريع صندوق النقد الدولي، والإتفاق المبدئي معه، علينا ان نكون واقعيين، والجميع يعلم، أننا نبتعد يوماً بعد يوم عن أي إتفاق جدّي معه، لا بل طُويت هذه الصفحة بعد انتظار فارغ من السنوات. وإذا تفاءلنا وتحقق أي إتفاق، لن تزيد الأموال التي ستُضخ عبر السنوات الأربع المقبلة، ولن يُعمل لاسترجاع أي ودائع.
لذا، في ظل هذه المشاريع الوهميّة، لكسب الوقت، بل بالأحرى لضياع ومرور الوقت، فإن نقطة الإنطلاق الوحيدة اليوم لبدء أي إصلاح حقيقي وجدّي، هي أن تبدأ الدولة بالاعتراف عن خسائرها المباشرة، وعن مسؤوليتها، وعن مشروع واضح لجدولة هذه الديون على المدى القصير، المتوسط والبعيد.
فبحسب تقرير «الفاريز آند مارسا» Alvarez & Marsal التي وكّلتها الدولة رسمياً لتحديد الخسائر، فقد قدّرتها رسمياً بنحو 70 مليار دولار.
فالسؤال الجوهري والأساسي، لم لا تُقدم الدولة اللبنانية، عبر السلطة التنفيذية والتشريعية، حتى الساعة، على الاعتراف بمسؤوليتها وخسارتها بالأرقام. ولو تساهلنا وتسامحنا وقبلنا بأنّ الدولة تعترف ولو بقسم من هذه الخسائر، أكان النصف، أو حتى أقل، المهمّ والأساس أن تتجرّأ وأن تعترف برقم واضح أقلُّه ما يقارب الـ 25 مليار دولار.
من جهة أخرى، بعد الاعتراف بخسارتها بالأرقام، سيُبنى مشروع استرجاع الودائع عبر المؤسسات المنتجة التابعة للدولة، مثل شركة كازينو لبنان، وشركة طيران الشرق الاوسط (الميدل إيست)، ومؤسسة «التيليكوم» وغيرها من المؤسسات المنتجة.
بالاعتراف رسمياً بخسارتها وجدولة هذه الديون، ستُرفع مباشرة قيمة الشيك بالدولار المصرفي من 12% إلى 25% و30%، وسينتعش من جديد الإقتصاد اللبناني.
في المحصّلة، نحن اليوم على مفترق طرق، إما أن تتابع الدولة مسيرتها الإنحدارية، لا بل نيّتها للتخريب الذاتي، وتتابع إدارة الأزمة للسنوات الخمس المقبلة مثل إدارتها الكارثية في السنوات الخمس الماضية، أو تغيّر أسلوبها، وتعترف بخسارتها بالأرقام، وتُجدول ديونها، وتُعيد إنعاش الإقتصاد، والقطاع الخاص الذي لا يزال المحرّك الأساسي لإعادة الإنماء والإستقرار.
د. فؤاد زمكحل