نشرت مؤخراً المؤسسة الدولية «فوربس» Forbes تقريرها الأخير حول تصنيف العملات الدولية. ولسوء الحظ، صُنّفت العملة اللبنانية بالمرتبة الأدنى والأضعف من بين العملات الدولية. ويأتي هذا التقرير تأكيداً للتقرير السابق الذي نشرته المؤسسة الدولية «بلومبورغ»، والتي سبق أن أكدت فيه أن العملة اللبنانية انهارت وحلّت في المراتب الأضعف والأدنى دولياً.
صُنّفت العملة الوطنية في أدنى المراتب، إلى جانب عملات الريال الإيراني، والدونج الفيتنامي، وكيب لاوسي، وليون سيراليون، والروبية الإندونيسية، والسوم الأوزبكي، والفرنك الغيني، والغواراني الباراغواياني، والأرياري الملاجاشي، في ظل غياب أدنى خطة إنقاذ.
نذكّر أن سائر دول العالم، تتنافس بشراسة لتمتين عملتها وتفرضها كعملة التبادل التجاري الدولي. فالعملة الوطنية هي سلاح إقتصادي ومن أهم أصول الدول لفرض قوتها المالية وتفوّقها. فالمنافسة الأكبر التي نشهدها اليوم بين العملات هي: الدولار الأميركي، واليوهان الصيني، واليورو الأوروبي والباوند البريطاني، والبعض يتحدّث عن إعادة إحياء الدوتش مارك.
فالعملات الوطنية تملك قوة مهمة اقتصادياً ومالياً ونقدياً لتثبيت إقتصاد البلد وإنمائه، وللمنافسة بين الدول والقارات.
نذكّر أن بعد الحرب العالمية الثانية إستطاعت الولايات المتحدة عبر رئيسها ريتشارد نيكسون فرض العملة الخضراء، وهي العملة الأساسية لاستيراد وتصدير النفط والغاز ومشتقاتهما، وشراء المعادن والذهب أساساً، وهكذا فُرض الدولار الأميركي كعملة أقوى إقتصادياً منذ أكثر من 70 عاماً.
إن التقرير الأخير لـ«فوربس» يؤكد أن العملة اللبنانية قد انهارت نهائياً، ووصلت إلى المراتب الأدنى والأضعف دولياً، مما يطعن بلبنان وإستقراره وسيادته.
في هذا الصدد، انّ لبنان يشهد تراجعاً غير مسبوق، ولا سيما في السنوات الأخيرة، في كل التصنيفات الدولية. وقد قُرعت نواقيس خطر عدة في السنوات الماضية، عندما بدأت تتراجع هذه التصنيفات والمراتب بسرعة فائقة. فتراجع تصنيف لبنان من B+ إلى B-، ومن ثم من B- إلى C، حتى وصلنا في العام 2018 إلى إدراجنا إلى المرتبة الاخيرة وكانت الـC–. وكان هذا التحذير الأخير وناقوس الإنذار المدوّي قبل الإنهيار التام، لأنه من المعروف دولياً بأن نصف البلدان التي تصل إلى مرتبة الـ C- قد تنجو إذا نفّذت خطة إصلاحية جدية وصارمة، والنصف الآخر يذهب إلى الإفلاس.
فلبنان كان بالطبع في الخانة الثانية، وفي 7 آذار 2020، أعلنت رسمياً الدولة اللبنانية التعثّر المالي، وكان الإفلاس المبطّن وأدرجنا إلى الـ RD – default Restriction.
من جهة أخرى، فإن التصنيف الدولي مثل «مؤشر سهولة الأعمال» DOING BUSINESS، وهو المؤشر الأهم للمستثمرين، فهنا أيضاً يتراجع لبنان أشواطاً كل سنة، وقد وصلنا إلى أقل المستويات من بين الـ 200 دولة المدرجة، من دون أن يرفّ للمسؤولين جفن، أو من دون أي خطة إصلاحية وإنقاذية على الأقل لوقف الإنهيار.
أما بالنسبة إلى تقرير مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force – FATF فنحن لسوء الحظ نقع على الخطوط الخطرة لإدراج لبنان على اللائحة الرمادية، في تشرين 2024، فبعد سنة ونصف السنة من فترة السماح التي مُنحت للبنان، بات لدينا كل المكوّنات لإدراجنا على هذه اللائحة الخطرة، ونقترب من اللائحة السوداء التي ستفصلنا عن كل العالم الإقتصادي الدولي.
في المحصّلة، لا يزال المسؤولون اللبنانيون يحفرون في الخندق عينه، متّجهين نحو القعر من دون توقف، حيث نتراجع دولياً في كل التصنيفات العالمية، ونهرّب ما تبقى من المستثمرين والرياديين والمبتكرين، ونطعن يومياً بما تبقى من الثقة والمرونة والتطوّر.
لسوء الحظ عوضاً عن أن يكون لدينا خطة لوقف النزف أو الحد من هذا الإنهيار، هناك خطط لتكملة برنامج واستراتيجية التدمير الذاتي، وتدمير الإقتصاد الأبيض، على حساب الإقتصاد الأسود، وخصوصاً المدعوم باقتصاد الكاش وهو الأخطر دولياً، والذي سيجرّنا نحو تصنيفات كارثية وخطرة في المستقبل القريب.
د. فؤاد زمكحل