التضخم يتراجع في أميركا لكن ليس في كل الولايات.. ما السبب؟

بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة في المئة سنوياً، وفقاً لأحدث مؤشر لأسعار المستهلك، وهو معدل قريب جداً مما يعتبره بنك الفيدرالي الأميركي استقراراً للأسعار، ومؤشراً داعماً لبدء خفض أسعار الفائدة، ولكن هذا الاستقرار السعري لا يحدث بشكل متوازن في كل الولايات.

فشهدت منطقة تامبا بفلوريدا أدنى معدل تضخم سنوي بين 23 منطقة حضرية في جميع أنحاء البلاد في مايو الماضي، عند 1.8 في المئة، وفقاً لبيانات مؤشر أسعار المستهلك.

في الوقت نفسه شهدت هونولولو، عاصمة هاواي، أعلى معدل تضخم سنوي في البلاد، بنسبة 5.2 في المئة.

وتلعب التنمية العمرانية والاقتصادية دوراً مهماً في جلب الاستقرار للأسعار في الولايات المتحدة، فقد ازدهرت التنمية العمرانية في منطقة خليج تامبا سريعة النمو، وبالتالي تراجعت تكاليف الإسكان على مدار العام الماضي، ما أدى إلى انخفاض التضخم بشكل عام.

على العكس، تعاني جزيرة هاواي من نقص مزمن في المعروض من المساكن، والذي تفاقم بعد حرائق الغابات الكارثية في لاهاينا العام الماضي، كما تعاني نيويورك من سوق إسكان محدود، ما أدى إلى تجاوز التضخم في المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في أميركا حاجز الـ4 في المئة.

وتشكل تكاليف الإسكان نحو ثلث مؤشر أسعار المستهلك الأميركي، وتشمل تكاليف الإسكان إيجارات المستأجرين أو ما يسمى بـ«إيجار المالك المكافئ»، وهو مقدار ما سيدفعه مالك المنزل لتأجير منزله الخاص.

وقد انخفض معدل التضخم الأميركي عن أعلى مستوياته في 40 عاماً، والتي سجلها قبل عامين، لكن تكاليف الإسكان ما زالت تقف عقبة أمام استقرار الأسعار في بعض المناطق.

يقول بريان أدكوك، رئيس غرفة خليج تامبا، «تامبا منطقة سريعة النمو وهناك تنمية عمرانية تحدث لأن لدينا الكثير من الأراضي المتاحة 175».

وتتمتع منطقة خليج تامبا بفلوريدا باقتصاد سريع النمو مدفوعاً بتدفق السكان الجدد في السنوات الأخيرة، خاصةً أثناء جائحة كورونا، حيث فر المتقاعدون والعاملون عن بُعد من المدن الساحلية باهظة الثمن إلى أماكن ذات طقس أكثر دفئاً وتكلفة معيشية أقل نسبياً، ما جعل فلوريدا الولاية الأسرع نمواً في البلاد في عامي 2021 و2022، وفقاً لبيانات التعداد السكاني.

وانخفض متوسط ​​سعر الإيجار في تامبا بنسبة 6 في المئة في يونيو عن العام السابق، وهو «الانخفاض الأكبر على الإطلاق»، وفق تقرير مؤسسة ريدفن المتخصصة في قطاع العقارات.

وأرجع التقرير هذا الانخفاض إلى الزيادة الكبيرة في بناء العقارات.

ولكن الأمر ليس كله إيجابياً، فما زال سكان فلوريدا مضطرين إلى التعامل مع تكاليف التأمين المتزايدة على المنازل، خاصةً بعد الأعاصير المدمرة التي هاجمت المدينة، وتخارج عدد من شركات التأمين.

لماذا تختلف هاواي عن فلوريدا؟

ينجذب الأميركيون الباحثون عن مكان جديد للعيش إلى هاواي للأسباب نفسها التي تجذبهم إلى فلوريدا، حيث الشواطئ الجميلة والطقس الدافئ، وبالفعل -مثل فلوريدا- شهدت الولاية تدفقاً من السكان الجدد الساعين إلى العيش في جنة استوائية، ولكن الواقع الاقتصادي هناك بعيد كل البعد عن فلوريدا، فالولاية تشتهر بكونها مكاناً باهظ الثمن للعيش، وقد ساء الوضع مؤخراً، فقد سجل مؤشر أسعار الإسكان في منطقة هاواي الحضرية، ومنها هونولولو العاصمة، معدلاً سنوياً بلغ 10.7 في المئة في مايو أيار، وهو أكثر من ضعف المعدل الوطني البالغ 5.2 في المئة.

ويرجع ارتفاع تكاليف المعيشة في هاواي إلى عدة عوامل من أهمها عزلتها في المحيط الهادئ، بعيداً عن الساحل الغربي بنحو 2500 ميل، ما يُحمل السكان تكلفة إضافية نتيجة ارتفاع سعر نقل البضائع والمواد إلى الولاية.

وتعاني الولاية من سوق إسكان محدود للغاية، نتيجة صغر مساحة الولاية، وقوانين تقسيم مناطق الإسكان غير الفعّالة، ومعارضة السكان الشديدة للتطوير، ويضيف كارل بونهام، أستاذ الاقتصاد في جامعة هاواي «نحن ببساطة لا نبني ما يكفي من المساكن، وبعض المساكن يشتريها غير المقيمين ويحتفظون بها كمنازل ثانية، ما يجعل الأمر أسوأ».

وتقول روزان فريتاس، الرئيسة التنفيذية لاتحاد صناعة مواد البناء في هاواي، إن أزمة الإسكان في الولاية أدت إلى تعايش أكثر من جيل في سكن واحد للعائلة، «بسبب التنظيم السيئ للتطوير العمراني، والتكلفة المرتفعة لشحن مواد البناء إلى منتصف المحيط الهادئ، ونقص العمالة، أصبحت تكلفة السكن هنا مرتفعة جداً، ثم هناك دعاوى قضائية جماعية ضد المطورين والتي تستمر لسنوات عديدة، ويتم تحميل تكاليف التقاضي على الفاتورة النهائية لسعر الوحدات السكنية»، مضيفة «تعاني هاواي أيضاً من تكاليف التأمين المرتفعة على السكن، خاصة بعد حرائق الغابات في لاهينا العام الماضي».

وفي وقت سابق من هذا العام، مدد حاكم هاواي، غوش غرين، إعلان الطوارئ في الولاية بشأن الإسكان، والذي يتنازل بموجبه عن جزء من رسوم الولاية والمقاطعة، ما يخفض ملايين الدولارات من التكاليف، مع منح إعفاءات موسعة للمطورين الذين يبنون مئات من وحدات الإسكان «مقبولة» السعر.