بعد فترة طويلة من الاستقرار النسبي، هزت الأسواق المالية هذا الأسبوع موجة من التدهور الحاد، مُظهِرة بذلك التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في ظل الظروف المتقلبة. إذ شهد مؤشر نيكاي 225 الياباني أكبر انخفاض له منذ عام 1987، بينما عانى مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز من خسائر فادحة، ما أسفر عن ضياع تريليونات الدولارات من قيمتها السوقية. وهذا التراجع لم يكن محصورا في أسواق الولايات المتحدة، بل اجتاح الأسواق العالمية وأثار المخاوف من ركود محتمل.
السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة كان انهيار تجارة الفائدة على الين الياباني، الذي كانت تجذب المستثمرين من خلال عوائدها المرتفعة نسبيا. ومع زيادة أسعار الفائدة في اليابان، تراجع هذا النوع من الاستثمار، ما أدى إلى سلسلة من الخسائر. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت بيانات سوق العمل الأميركية الضعيفة في تعميق حالة القلق، ما دفع بأسواق الأسهم إلى هاوية جديدة.
وفي خضم هذه الفوضى، تحاول الأسواق استعادة توازنها، مع ظهور علامات على تعافي محدود، ولكن ليس دون مخاوف من تقلبات مستقبلية إضافية. وفي ظل هذه الظروف، يظل المستثمرون على حافة الترقب، متطلعين إلى البيانات الاقتصادية القادمة لفهم مسار السوق، بينما تستمر التوترات الجيوسياسية في إضافة طبقة أخرى من عدم اليقين.
تدهور الأسواق
بعد فترة طويلة من الهدوء، دخلت الأسواق المالية في حالة من التدهور هذا الأسبوع.
انخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني بأكثر من 12% يوم الاثنين، مسجلاً أسوأ أداء له منذ عام 1987. وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 3% وفقد 1.3 تريليون دولار من قيمته، مسجلاً أسوأ يوم له منذ سوق الهبوط في عام 2022.
وخسر مؤشر داو 1000 نقطة في اليوم نفسه، ودخل مؤشر ناسداك المركب بشكل أكبر في منطقة التصحيح.
ماذا حدث؟
كان أحد الأسباب التي أدت إلى موجة البيع هو انهيار تجارة الفائدة على الين الياباني، ففي هذه الحالة يقترض المستثمرون الين لاستثمار أموالهم في أصول أخرى مثل الأسهم والسندات ذات العائدات الأعلى.
كانت هذه تجارة رائجة في السنوات الأخيرة، منذ أن أدت أسعار الفائدة المنخفضة في اليابان إلى إبقاء الين رخيصاً مقابل الدولار الأميركي، ولكن كل هذا تغير عندما رفع بنك اليابان أسعار الفائدة يوم الأربعاء الماضي للمرة الثانية هذا العام، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قيمة الين.
وبعد بضعة أيام، أثار تقرير عمل كئيب في الولايات المتحدة مخاوف بشأن صحة الاقتصاد الأميركي. أضافت الشركات 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهو ما يقل كثيراً عن توقعات خبراء الاقتصاد.
وارتفع معدل البطالة قليلاً إلى 4.3%، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2021. وساعد ذلك في دفع الدولار إلى الانخفاض، وبدأ المستثمرون في تفكيك صفقاتهم.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت المخاوف بشأن ركود محتمل في الولايات المتحدة.
وقد أحدث هذا المزيج صدمة في الأسواق العالمية يوم الاثنين. فقد ارتفع مؤشر التقلبات المعروف باسم مقياس الخوف في وول ستريت إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات.
وهبطت أسعار الأسهم والسندات الأميركية. وحث خبراء اقتصاديون بارزون، بمن فيهم أستاذ التمويل الفخري في وارتون جيريمي سيجل، بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة في إجراء طارئ، وتستقر الأسعار حالياً عند أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً.
ويقول بعض المستثمرين إن المزيد من التقلبات قد تكون حاضرة، خاصة وأنه من غير الواضح إلى أي مدى قد تتراجع تجارة الفائدة على الين.
وقال ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة إنتراكتيف بروكرز: «إن تجارة الفائدة ضخمة. ولا أحد يعرف حقاً حجمها».
في الأيام القليلة الماضية، حاول المستثمرون التعافي من الخسائر المؤلمة التي تكبدوها يوم الاثنين. ففي يومي الثلاثاء والأربعاء، بدأت جلسة التداول بارتفاعات قوية تلاشت عند الإغلاق.
وتمكن المستثمرون أخيراً من اكتساب بعض الأرض يوم الخميس، عندما قفز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.3%، ليحقق أفضل يوم له منذ أواخر عام 2022. وتراجع سيجل عن دعوته لخفض طارئ لأسعار الفائدة لشبكة سي إن بي سي.
يقول بعض المستثمرين إن الارتفاعات الصغيرة هذا الأسبوع هي إشارة إلى أن المتداولين يخشون تفويت مكاسب مستقبلية أكثر من كونها إشارة إلى استقرار الأسواق.
لم تكن هذه المكاسب كافية للتعافي من البداية الرهيبة للأسبوع، يتجه مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى إنهاء الأسبوع بانخفاض بنسبة 0.5%. ويتجه مؤشرا داو جونز وناسداك إلى انخفاض بنحو 0.7%.
لقد جاء تفكيك تجارة المناقلة وضعف بيانات العمالة في وقت حساس مليء بعدم اليقين في وول ستريت. تميل الأسواق إلى أن تكون أكثر عرضة للتقلبات في أغسطس، عندما ينطلق المستثمرون لقضاء العطلات ويكون هناك حجم تداول أقل.
تقترب الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي ليست خالية من الدراما، ففي الأسابيع الأخيرة، انسحب الرئيس جو بايدن من السباق ونجا المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب من محاولة اغتيال. كما أن الحرب بين إسرائيل وحماس مهددة بالتصعيد، كما غزت أوكرانيا روسيا.
وتأتي أحدث صورة لسوق العمل في الولايات المتحدة في الوقت الذي تحاول فيه وول ستريت التعافي من الهزيمة التي منيت بها السوق بسبب تقرير الوظائف الكئيب في يوليو تموز.
في الأسبوع المقبل، سوف يحلل المستثمرون بيانات مبيعات التجزئة وأرباح شركتي هوم ديبوت وول مارت للتعرف على حالة المستهلك الأميركي، يشكل الاستهلاك ثلثي الاقتصاد الأميركي، وهو حساس لسوق العمل.
في حين عمد الأميركيون إلى تقليص إنفاقهم في الأشهر الأخيرة، تشير البيانات الأولية إلى أن الطلب لا يزال قوياً.
فقد أظهر تقرير عن الناتج المحلية الإجمالية صدر في وقت سابق من هذا الشهر أن أحد المقاييس الرئيسية للطلب الاستهلاكي ارتفع من أبريل نيسان إلى يونيو حزيران، مقارنة بالفترة التي سبقتها والتي استمرت ثلاثة أشهر.
على الرغم من الأسبوع القاسي، لا تزال الأسهم في طريقها لتحقيق عوائد قوية لهذا العام: ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 11.5% لعام 2024، وارتفع مؤشر داو جونز بنسبة 4.7%، وحقق مؤشر ناسداك مكاسب بنسبة 11%.
وكتبت ليز يونج توماس، رئيسة استراتيجية الاستثمار في شركة سوفي، في مذكرة يوم الخميس: «إذا كنا في حاجة إلى تذكير بالسبب الذي يجعل محافظنا الاستثمارية يجب أن تظل متنوعة، حتى خلال فترات الارتفاعات المركزة، فقد حصلنا عليها للتو».