تركّزت التساؤلات التي طُرحت في وسائل الاعلام في الايام التي تلت التصعيد المستجد، وزيادة مخاطر اتساع الحرب، على الخسائر التي قد يتعرّض لها الاقتصاد، وتحديداً جرى التركيز على احتمال انهيار سعر صرف الليرة مجدداً، بعد مرحلة طويلة من الاستقرار. هل المخاوف على الليرة مُبرّرة، وما هو المسار الذي ستسلكه العملة الوطنية في المرحلة المقبلة؟
في العادة، لا يشكل سعر صرف اية عملة مقياساً أساسياً لتحديد الخسائر في أي اقتصاد طبيعي. ولكنه يعكس حتماً الوضع الاقتصادي بشكل عام. ومن المؤكّد ان الخسائر التي قد يُمنى بها الاقتصاد اللبناني في حال اندلاع الحرب على نطاق واسع، تتجاوز مسألة احتمال انهيار سعر صرف الليرة، الى ما هو أخطر وأصعب، بحيث يمكن القول ان حصول الحرب سيؤدّي حتماً الى انهيارٍ ثانِ، اذا اعتبرنا ان الانهيار الاول حصل اواخر العام 2019 وبداية العام 2020.
ما سيتعرّض له الاقتصاد في حال اندلاع حرب واسعة، سيشكّل ضربة قوية، لكن تحديد الخسائر المباشرة مُسبقاً غير منطقي، على اعتبار ان الارقام والنتائج ترتبط بحجم الدمار الذي قد يحصل. ولكن ما هو واضح وصريح ان بنية الدولة الحالية، والتي وصلت الى دركٍ غير مسبوق، بحيث ان القطاع العام صار شبه مشلول، الى درجة ان الدوائر الرسمية توقف المعاملات أحيانا لعدم توفر القرطاسية، هذه البنية لن تستطيع تحمّل اية خسائر. وبالتالي، اذا ما تعرضت البنية التحتية المتبقية للدمار، من البديهي ان الدولة ستكون عاجزة عن التعويض. كذلك سيتعرّض الاقتصاد المرتبط بالقطاع الخاص الى نكسة قوية، يمكن تحديد خطورتها وفق التطورات.
أما بالنسبة الى سعر صرف الليرة، وهو الموضوع الذي يهتم له المواطن بشكل غير اعتيادي، فان الحقائق المرتبطة بهذ المسألة، هي كالتالي:
اولا- ان سعر الصرف الحالي لليرة، والثابت منذ اكثر من سنة، لا يعكس الاداء الاقتصادي بقدر ما يرتبط بسياسة نقدية لها علاقة بحجم الكتلة النقدية بالليرة، وطريقة ادارة هذه الكتلة. ويبلغ حجم النقد بالليرة اليوم حوالي 62 تريليونا، بما يسهّل على مصرف لبنان التحكّم بسوق الصرف. وتساهم السياسة المالية في مساعدة المركزي على ضبط حجم النقد بفضل تفعيل الجباية.
ثانيا- ان احتياطي العملات في المركزي وصل الى 10.28 مليار دولار. ورغم ان هذا الرقم يعتبر نجاحاً، على اعتبار انه وصل سابقا الى 8.57 مليارا، الا أنه لا يزال دون مستوى الاحتياطي الالزامي المطلوب توفره، والذي ينبغي ان يكون حوالي 12.6 مليارا. بما يعني ان حساب الاحتياطي، والذي يُفترض انه ممنوع استخدامه، لأنه صمام امان اولي للمودعين، لا يزال يحتاج الى 2.3 مليار دولار لكي يصبح في “وضع قانوني”.
ثالثا- ميزان المدفوعات الذي انتقل من حال العجز الى فائض ولو بسيط، يعكس اهمية وحجم الاموال التي تدخل الى البلد، بصرف النظر عن كل التشكيك القائم حول طريقة احتساب الارقام. ويستند هذا الفائض الى الايرادات السياحية التي سجلت أرقاماً قياسية في صيف 2023، وتحويلات اللبنانيين، والاداء الاقتصادي للقطاع الخاص.
هذه الحقائق التي ينبغي الاستناد اليها لقراءة وضع الليرة في حال اندلاع الحرب الواسعة، تقود الى توقّع التالي:
اولا- ان حجم الكتلة النقدية قد يتغيّر بسرعة، اذا اضطر المركزي الى الافراج عن مزيد من الليرات لمساعدة الدولة على تيسير امور الناس للتخفيف من وطأة نتائج الحرب. كما ان الدولة ستكون عاجزة عن الجباية الفاعلة. كذلك حجم ايرادات الخزينة قد تتراجع مع تراجع الحركة الاقتصادية الى ادنى مستوياتها. كل ذلك سيقود الى تكبير قسري للكتلة بالليرة.
ثانيا- ان أي تصرّف بالاحتياطي سيكون بمثابة مسّ اضافي بحقوق المودعين، وسيؤدّي الى تراجع قدرات المركزي على التدخّل في سوق الصرف.
ثالثا- مع تراجع الايرادات في كل القطاعات، ونضوب اي ايراد سياحي، سيعود ميزان المدفوعات الى حالة العجز.
كل هذه الحقائق، والتي يمكن ان تتصاعد الى مستويات مرعبة، وفق طبيعة الحرب، في حال نشوبها، تقود الى الاستنتاج بأن سعر صرف الليرة سينهار حتماً. ولكن انهيار النقد، لن يكون اسوأ ما سيتعرّض له الاقتصاد واللبنانيون، وهذه هي الحقيقة التي ينبغي التركيز عليها في قراءة الخسائر المتوقعة.
أنطوان فرح