محمد العريان: هل تبالغ السوق بتوقعات خفض أسعار الفائدة بأميركا؟

نجحت بيانات التضخم في أسعار المنتجين وأسعار المستهلكين على حد سواء، في طمأنة الأسواق بطريقتين مميزتين، إذ إنها تؤكد استمرار التقدم المحرز في المعركة ضد الارتفاعات الكبيرة للأسعار، وتدعم التحول الجاري في اهتمام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من مهمته تجاه التضخم، إلى مهمته تجاه التوظيف.

رغم أن ذلك سيفسح المجال أمام خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، إلا أنه لا يدعم فرص الوصول إلى سعر الفائدة النهائي الذي تتوقعه السوق. وفي الواقع، يبدو أن هذا الهدف أدنى مما يجب بنحو نصف نقطة مئوية.

جاءت بيانات أسعار المنتجين التي صدرت الثلاثاء أقل من إجماع توقعات المحللين، سواء على المستوى الكلي، أو بعد استبعاد فئتي الغذاء والطاقة المتقلبتين. وأدى هذا الخبر السار إلى ارتفاع كبير في سوق الأسهم، وتراجع ملحوظ في عائدات السندات الحكومية.

خفض أسعار الفائدة شبه مؤكد

تأكدت ردود أفعال الأسواق هذه بشكل أكبر بصدور بيانات أسعار المستهلكين يوم الأربعاء، إذ تماشت مع إجماع توقعات المحللين؛ ارتفع المقياس الأساسي 2.9% في يوليو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لنرى الرقم (2) لأول مرة منذ 2021.

بناءً على بيانات التضخم هذه، أصبح بدء “الاحتياطي الفيدرالي” أخيراً في دورة خفض أسعار الفائدة في سبتمبر شبه مؤكداً، والأرجح أن يكون الخفض بمقدار 25 نقطة أساس (رغم أن إجراء خفض مقداره 50 نقطة أساس ليس احتمالاً مستبعداً بأي حال).

للوهلة الأولى، يدعم ذلك توقعات السوق بأننا نترقب حالياً خفض أسعار الفائدة 200 نقطة أساس إجمالاً، لينخفض سعر الفائدة على الودائع الفيدرالية إلى 3.25%-3.5% خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.

طريقتان لدعم بيانات التضخم الحديثة

لتتحقق هذه التوقعات، يلزم دعم البيانات التي صدرت الأسبوع الجاري بطريقتين أساسيتين؛ الأولى أن تصريحات رئيس “الاحتياطي الفيدرالي”، جيروم باول، في جاكسون هول يجب أن تكون داعمة وشاملة، بما في ذلك أن يوضح آراءه بشأن سعر الفائدة المحايد الذي لا يحفز الاقتصاد ولا يقيده في ذات الوقت، ومسار الوصول إلى ذلك، وكيف سيسعى “الاحتياطي الفيدرالي” تحديداً إلى تحقيق معدل التضخم المستدام المستهدف عند 2%.

أما الطريقة الثانية، فهي بدء “الاحتياطي الفيدرالي” دورة خفض أسعار الفائدة المتوقع في منتصف سبتمبر، تماشياً مع توقعات الأسواق.

من دون هذين الأساسين، فإننا نخاطر بتكرار أزمة السوق التي وقعت خلال الأيام الثلاثة الأولى من أغسطس. في ضوء تباطؤ الاقتصاد، تعد تلك التأكيدات عاملاً حاسماً في الحفاظ على سوق مستقرة تعمل بشكل جيد، وفي تجنب التداعيات السلبية للتقلب المقلق في الأسواق على الاقتصاد.

كما أنها ستساعد في ضمان التوافق المنظم مع توقعات السوق، في ضوء تغير تقييم عدد المحللين في الآونة الأخيرة لمخاطر الركود، وتوقعاتهم المرتبطة بذلك لإجراءات “الاحتياطي الفيدرالي”.

الهبوط السلس السيناريو الأكثر احتمالاً

رغم انحسار المخاوف إزاء التضخم، تتزايد الضبابية المحيطة بجانب الحد الأقصى من التوظيف في مهمة “الاحتياطي الفيدرالي”. ما زلتُ أتوقع بنسبة 50% تحقيق هبوط سلس، لكن احتمال وقوع الركود بنسبة 35% أكبر من أن يتم تجاهله، (أما نسبة 15% المتبقية فتشير إلى اقتصاد ينمو دون إفراط، نتيجة سلسة من الصدمات المواتية في جانب العرض).

يُعد سيناريو خطر الركود عرضة لتطورات خارجية معاكسة، مثل تصعيد الصراع بين “حماس” وإسرائيل، أو بين روسيا وأوكرانيا، أو كلاهما معاً، وعلى الصعيد المحلي، تأخر “الاحتياطي الفيدرالي” في اتخاذ الإجراءات المناسبة. ومن شأن تلك المخاطر أن تضر بمحرك الاستهلاك الوحيد الذي يدعم الاقتصاد حالياً؛ الدخل الثابت من العمل.

بالجمع بين احتمالات 35% و50% و15%، وتوقعي لسعر الفائدة المحايد في المدى الطويل، واحتمال أن يكون معدل التضخم المتوازن 2.5% تقريباً، عوضاً عن معدل 2% الذي يستهدفه “الاحتياطي الفيدرالي”، فربما يكون المسار الذي تتوقعه السوق بخفض أسعار الفائدة 200 نقطة أساس أكبر مما يجب.

سيتغير توقعي لاحتمال خفض “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس خلال الاثني عشر شهراً المقبلة إذا تغير السيناريو المرجح لوضع الاقتصاد الكلي من هبوط سلس إلى حالة ركود. لكن معظمنا سيسره تجنب هذه النتيجة، حتى لو كان ذلك يشير إلى أن توقعات السوق الحالية لإجراءات “الاحتياطي الفيدرالي” خاطئة.