الانهيار الذي شهدته الأسواق في أوائل أغسطس الماضي كان بمثابة فرصة شراء هائلة، ويعتقد أحد كبار الاستراتيجيين الصعوديين بأن الأمر نفسه قد ينطبق على المخاوف المحتملة في سبتمبر.. فما القصة؟
وبحسب تقرير لـ “بيزنس انسايدر” اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، فإنه من المرجح أن يصبح المستثمرون الذين استمعوا إلى كبير استراتيجيي السوق في شركة ترويست، كيث ليرنر أكثر ثراءً بفضل ذلك؛ فخلال عمق الركود في أواخر الصيف في الخامس من أغسطس، كتب ليرنر إن نظام المخاطرة والمكافأة في الأسهم الأميركية قد تحسن بشكل ملموس ، وخاصة منذ أن ظل الاتجاه الصعودي طويل الأمد مستقراً.
ولكن ما بدا وكأنه بداية النهاية لسوق الصعود كان في واقع الأمر “مخاوف مبالغ فيها”، على حد تعبير ليرنر في مقابلة أجريت معه أخيراً؛ فقد أدى ارتفاع بنسبة 7.9 بالمئة في الأسابيع الثلاثة الماضية إلى جعل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على بعد نحو 1 بالمئة من أعلى مستوياته القياسية، ويشير التاريخ إلى أنه سوف يصل إلى هناك قريباً.
لماذا قد تهبط الأسهم في بداية الخريف ثم تتعافى؟
في مذكرة كتبها في السادس والعشرين من أغسطس، ذكر ليرنر أن ارتفاع الأسهم الأميركية بأكثر من 10 بالمئة من يناير حتى يونيو، كما حدث هذا العام، يجعلها تميل إلى إضافة 9 بالمئة أخرى في النصف الثاني من العام. وهذا حتى بعد تراجع بنسبة 8.6 بالمئة، وهو ما يذكرنا بشكل مخيف بالهبوط الذي شهدته الأسهم هذا الصيف بنسبة 8.5 بالمئة.
وبالحديث عن أوجه التشابه، فقد تكرر نمط لافت للنظر على مدى السنوات الأربع الماضية: حيث يذبل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في نهاية الربع الثالث قبل أن ينهي العام قوياً. وقد تعرض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لضربة قوية في سبتمبر، حيث انخفض بنسبة تتراوح بين 3.9 و9.3 بالمئة منذ عام 2020، قبل أن يرتفع بمعدل يزيد قليلاً عن 10بالمئة لإغلاق العام، كما لاحظ الاستراتيجيون في بي إم أو كابيتال ماركتس.
ويعتقد ليرنر بأن السيناريو قد يتكرر مرة أخرى هذا العام. فقد تسلط الانتخابات التي ستُعقد هذا الخريف الضوء على خفض أسعار الفائدة، والتي تم تسعيرها بالفعل ، قبل أن يؤدي الوضوح على الجبهة السياسية إلى تحويل تركيز السوق إلى ارتفاع تقديرات الأرباح وتحسين اتساع السوق.
وقال ليرنر “في الربع الرابع، ومع مرور الانتخابات، تميل الأسواق إلى تسجيل ارتفاع طفيف. وتشير هذه الأمور إلى أن السوق لا تزال في طريقها إلى الصعود”.
وفيما يتعلق بكيفية استعداد المستثمرين لانحدار محتمل في سبتمبر قبل التعافي القوي، قال رئيس الاستراتيجية إنه يشجع عملاءه على البقاء على المسار الصحيح.
وشدد على أن “المستثمرين الذين أتعامل معهم لا يستثمرون لشهر سبتمبر، بل يستثمرون لثلاث أو خمس أو عشر سنوات مقبلة”.
وكان تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، قد نوّه إلى أن شهر سبتمبر هو أسوأ شهر في المتوسط بالنسبة لمؤشر S&P 500 منذ العام 1950. ويسجل مؤشر السوق خسارة بنسبة 0.7 بالمئة في المتوسط خلال الشهر، وفق بيانات Stock Trader’s Almanac.
أبرز القطاعات
وتتمتع القطاعات التي تركز على النمو مثل خدمات الاتصالات والتكنولوجيا بأرباح مثيرة للإعجاب وتستفيد من طفرة الذكاء الاصطناعي، في حين تتمتع شركات المرافق ذات التوجه الدفاعي بزخم قوي وتقييمات مغرية.
وقال ليرنر إنه يراقب أيضًا ثلاثة قطاعات أخرى: القطاع المالي، والقطاع الصناعي، والقطاع العقاري.
ولا يوجد بين هذه القطاعات الكثير من القواسم المشتركة إلى جانب حساسيتها الاقتصادية. فالقطاع المالي يتداول بشكل أفضل ولكن أساسياته متوسطة؛ والقطاع الصناعي لديه محفزات قوية طويلة الأجل، والقطاع العقاري كان متذبذبًا ولكنه سيستفيد كثيرًا من تخفيضات أسعار الفائدة، بحسب ما تقرير “بيزنس إنسايدر”.
وأفاد ليرنر بأن الأمر نفسه ينطبق على الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة ، والتي قد تضيف إلى مكاسبها مع استعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. وقال في مذكرته إن تلك المجموعة لا تزال تتداول بخصم كبير عن السوق الأوسع، على الرغم من أن توقعات الأرباح الباهتة والتباطؤ في الزخم في الاقتصاد يشكلان تحديات للمجموعة الدورية – مما يجعل الأسهم الأكبر رهانًا أكثر أمانًا على المدى الطويل.
تأثير الفيدرالي
وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، إن الانتخابات الأميركية تلعب دورًا محوريًا في تحديد اتجاه الأسواق المالية؛ إذ يؤثر المرشح المتوقع وصوله إلى البيت الأبيض بشكل كبير على التوقعات الاقتصادية.
ومع ذلك، أشار يرق إلى أن التأثير الأكبر في الوقت الحالي ينبع من التصريحات الأخيرة الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (في إشارة لكلمة رئيس الفيدرالي جيروم باول خلال ندوة جاكسون هول)، بعد أن أكد باول على بداية فترة إنهاء التشديد النقدي وبداية تخفيض الفوائد (عندما قال إن الوقت قد حان لتعديل السياسة).
واعتبر يرق أن هذه الخطوة ستكون إيجابية للشركات الصغيرة التي تتصدر بعض القطاعات، نظرًا لاعتمادها الكبير على الديون.
وأضاف أن تخفيض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس قد يكون عاملًا سلبيًا إذا حدث، لأنه قد يُفهم على أنه إشارة من البنك المركزي إلى وجود ركود اقتصادي وشيك، موضحاً أن الأسواق قد تتفاعل مع هذا السيناريو بشكل سلبي.
من ناحية أخرى، توقع يرق أن يكون تخفيض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هو الخيار الأكثر ترجيحًا، مشيرًا إلى أن هذا القرار سيكون مرتبطًا بتقرير سوق العمل الذي سيصدر في 6 سبتمبر المقبل، والذي يعتبر من أهم المؤشرات التي تراقبها الأسواق.
وأشار أيضًا إلى أن مؤشر الإنفاق الشخصي يعد من المؤشرات المفضلة لدى البنك المركزي الأميركي، وله تأثير كبير على قراراته، لافتاً إلى أن تأثير السياسات الفيدرالية الأميركية سيكون أكبر من تأثير الانتخابات نفسها على الأسواق.
ومع انتهاء الانتخابات ومعرفة من سيكون الرئيس القادم، توقع يرق أن تتضح الأمور أكثر في الأسواق، بحسب يرق الذي أشار إلى أن الأسواق تميل إلى دعم ترامب بسبب سياساته المؤيدة للأسواق، بما في ذلك تخفيض الضرائب.
أي تأثير للانتخابات على وول ستريت؟
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية بأستراليا، الدكتور نضال الشعار، إنه:
من الطبيعي خلال فترة الانتخابات (في الولايات المتحدة) أن تتجه الأنظار إلى القضايا التقليدية التي تهم الناخبين، مثل الرعاية الصحية والضرائب والرعاية الاجتماعية، علاوة على ملفات الطاقة والبنية التحتية، والدفاع.
الانتخابات الحالية تضيف أبعادًا جديدة للصورة؛ من أبرزها التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ومحاولات واشنطن الحد من نفوذ بكين.. كذلك الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها الممتدة على الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى الصراع الحالي بين إسرائيل وبعض الدول الأخرى.
وبخلاف هذا التطورات المؤثرة، فإن البيانات التاريخية تشير إلى أن الانتخابات الأميركية عادةً ما لا تؤثر بشكل كبير على أداء الأسواق على المدى المتوسط والطويل.. التقلبات التي قد تحدث أثناء الانتخابات غالباً ما تكون مؤقتة، ويتم تصحيحها بشكل ذاتي في الأسواق.
وأشار الدكتور الشعار إلى أن أداء الأسواق لا يُظهر اختلافًا كبيرًا سواءً كان الفائز في الانتخابات من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وأن التأثير الأكبر قد يأتي من توزيع السيطرة داخل الكونغرس، موضحاً أن الأسواق عادةً ما تؤدي بشكل أفضل عندما لا تكون هناك هيمنة مطلقة لأي حزب.
وتابع: معظم المستثمرين، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، يركزون على العوامل الاقتصادية الجوهرية مثل معدلات التضخم وأسعار الفائدة ونمو الناتج المحلي. ولفت إلى أن السياسات الاقتصادية لكل حزب قد تؤثر على بعض القطاعات؛ مثل دعم شركات النفط في حالة فوز الجمهوريين أو دعم شركات الطاقة المتجددة في حالة فوز الديمقراطيين. ومع ذلك، أشار الشعار إلى أن أداء الأسواق لا يخضع بالضرورة للاستقطاب الحزبي، مستشهدًا بأداء شركات الطاقة المتجددة في فترة رئاسة ترامب.
واختتم كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية بأستراليا حديثه بالإشارة إلى أن أي تقلبات قد تحدث في الأسواق خلال فترة الانتخابات ستكون غالباً مؤقتة، وستقوم آلية التصحيح الذاتي في الأسواق بإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي.