لا شك في أنّ حجم الناتج المحلي في لبنان إنحدر في السنوات الأخيرة من 50 مليار دولار، إلى نحو 20 ملياراً. ورغم هذا الإنهيار الحاد، لا يزال إقتصادنا الجديد يحتاج إلى تمويل غير تقليدي لإعادة الإنماء واللجوء إلى طرق خلاّقة لإعادة النمو.
إنّ اقتصادنا ما قبل العام 2019 كان يموّل خصوصاً عبر المصارف التجارية، وكان دين القطاع الخاص يقارب الـ55 ملياراً، ويوازي 110% من حجم الإقتصاد. أما القسم الآخر من التمويل فقد كان يأتي عبر استثمارات داخلية، إقليمية ودولية، من ضمن رأس المال Equity financing.
لكن بعد الأزمة المالية والنقدية التي بدأت في تشرين 2019، وخصوصاً بعد التعثّر المالي الرسمي في العام 2020، إنحدر الناتج المحلي ما بين 18 و20 مليار دولار، وتوقفت كل سبل التمويل. ففي مواجهة الأزمة أو إدارتها لجأت بعض الشركات إلى التمويل الذاتي، لكن بعد خمس سنوات من مرور هذه الأزمة غير النمطية، لا شك في أن القطاع الخاص اللبناني يحتاج إلى تمويل لإعادة هيكلته للصيانة والتطوّر، وشراء معدات جديدة، وتمويل بضائعه والمواد الأولية، وغيرها لمتابعة إنتاجيته.
إن الواقع الجديد أوقف نهائياً التمويل عبر المصارف التجارية الداخلية، ولا يُمكن إعادتها قبل إعادة الثقة بالإقتصاد والمصارف، وإقرار قوانين جديدة لحماية الودائع والمودعين، وجذب أموال جديدة في القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته، وسيستغرق هذا الأمر سنوات طويلة قبل أن يتحقق.
في هذا الوقت، هناك بعض المصارف الخارجية والتي لديها وجود في الخارج، تُموّل بطريقة خجولة، بعض الشركات اللبنانية التي لديها أيضاً وجود في الخارج وضمانات من خارج الحدود اللبنانية. لكن هذا التمويل الضئيل لا يكفي لتمويل الإقتصاد والقطاع الخاص اللبناني.
لذا علينا أن نقترح بعض الأفكار الخلاّقة والجديدة لتمويل الشركات التي لديها حوكمة رشيدة وإدارة شفّافة، لإعادة النمو وتطوير إنتاجيتها.
فالحل الأول هو التمويل عبر فتح رأس المال، والإستثمار من ضمن هذه الشركات البنّاءة. فعوضاً عن الإستدانة، على هذه الشركات جذب بعض المستثمرين، وبيع حصص أو أسهم من الملكية، أو حتى اللجوء إلى الإندماج والإستحواذ Mergers and Acquisitions.
أما الطريقة الثانية التي نقترحها فهي التمويل الخاص – الخاص Peer to peer، أي تمويل من مؤسسة إلى مؤسسة أو من فرد إلى فرد، بمعنى آخر ما نقترحه اليوم هو الإستدانة الخاصة بين الأفراد والشركات، مع دفع فوائد حسب السوق، والأخذ في الإعتبار المخاطر الداخلية والسيادية، والمحمية بعقود رسمية.
هذا يعني أنه يُمكن على بعض الشركات والأفراد استثمار قسم من أرباحها وبعض ما لديها من المال الكاش المخبّأ في بعض الصناديق في شركات نامية مع مردود مقبول.
إن هذا التمويل الخاص – الخاص المتعارف عليه دولياً، يُمكن أن يكون عوّامة خلاص لتمويل الشركات الخاصة في هذا الوقت الحرج، وفي الوقت عينه، تأمين مردود على الأموال المختبئة، وحتى حمايتها من أيّ عقوبات يُمكن أن تكون آتية علينا. فهذا التمويل يُمكن أن يعيد الحركة والتطوّر والإنماء، بانتظار إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
في المحصّلة، من دون تمويل القطاع الخاص، لا يمكن إعادة الإنماء، والتمويل الذاتي والذي كان بنّاء لمواجهة الأزمة، لكن لن يكفي للتطوّر والإستثمار. إن التمويل الخاص – الخاص سيسمح للأفراد والشركات بتنويع استثماراتهم وتأمين بعض المردود، وفي الوقت عينه حماية أموال الكاش التي عليها مخاطر كبيرة أكان في الداخل أو في الخارج. علينا أن نكون خلّاقين ونبحث، بل ونلجأ إلى طرق جديدة غير تقليدية في هذا الواقع والإقتصاد الجديد.
د. فؤاد زمكحل