هناك هجوم مبرمج وممنهج على أربعة أسس وأركان المواجهة والحرب، وهي: حماية الأرواح، توفير التواصل، تأمين التمويل والتوازن المالي وإعادة الإعمار.
إذا ركّزنا على هذه الأولويات، واحدة تلو الأخرى، فإنّه من الواضح أنّ هناك استراتيجية لتدمير كل من هذه الأركان والأسس. بالنسبة إلى حماية الأرواح والأبناء، لم يَعُد أي شخص يشعر بالأمان أينما كان، فـ«البيجر» واللاسلكي تحوّلا إلى ألغام وأدوات قتل، ونتساءل إذا الهاتف المحمول وأجهزة التلفزة والبرّادات أو حتى الطاقة الشمسية، يُمكن أن تصبح أيضاً قنابل موقوتة.
بمعنى آخر، لا البيوت ولا الملاجئ ولا أي مأوى يستطيع تأمين حماية الأرواح في هذه الحرب التكنولوجية الجديدة والمخيفة.
أمّا بالنسبة إلى الركن الثاني للمواجهة، فهو التواصل. فبعدما كان هاتف الخليوي مقروءاً وخطراً، للتعريف وتحديد حامله، ها هو «البيجر» واللاسلكي اللذان كانا الأكثر أماناً وحماية، تحوّلا إلى أدوات قتل وقنابل في كل الأمكنة، وقد أدّت إلى قتل نحو 200 شخص وجرح ما لا يقلّ عن 3 آلاف شخص.
وحتى أجهزة الـ «ووكي توكي» (Walkie Talkie) لم تَعُد مضمونة أو آمنة، لا بل أيضاً قد اختُرقت وفُخِّخت وقُطعت من خلال التواصل الحربي أيضاً.
أمّا الأولوية والركن الثالث، فهو تأمين التمويل والتوازن المالي، لتوفير الحدّ الأدنى من السلع الأساسية المعيشية للمواجهة، فحتى هذه، بعد الإنهيار المالي والنقدي والمصرفي لم يَعُد في إمكاننا تأمين أي تمويل أو أي توازن مالي، لا بل أصبح اللبنانيّون يتسوّلون للحصول على أموال بخسة من أموالهم البيضاء لهذه الأيام السوداء. وهذا الركن الثالث قد أُصيب أيضاً بضربات موجعة وأليمة وخطرة.
وأخيراً، إنّ الركن الرابع للمواجهة هو إعادة الإعمار والبناء، والتأقلم بمرونة للصمود وإعادة الإنماء. هنا أيضاً خسر اللبنانيّون كل مكوّنات الصمود والمواجهة وحتى إعادة الإعمار. هناك جوّ من القهر واليأس، لأنّ اللبنانيّين قد أُرهقوا بدفع ثمن حرب الآخرين على أرضهم، وخصوصاً إعادة الإعمار مرّات عدة، من دون أفق ولا رؤية ولا استراتيجية للحياة، لا بل خطط للحرب والحرمان.
في المحصّلة، نرى بوضوح الشمس، أنّ استراتيجية الهجوم والتدمير لأركان الأسس والمواجهة، كانت من ضمن استراتيجية وخطط مدروسة، تتوالى واحدة تلو الأخرى، وها نحن من دون أي إمكانات لحماية أرواح شعبنا ومن دون تواصل، من دون تمويل، ومن دون أي رغبة لإعادة البناء مرّة أخرى.
د. فؤاد زمكحل