يشعر الكثيرون بالقلق من تراجع عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأميركية، لكن مشكلة الجودة قد تكون أكبر من مشكلة العدد.
أعرب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جيه بي مورغان تشيس آند كو”، في رسالته السنوية الأخيرة إلى المساهمين، عن استيائه من أن عدد الأسهم المدرجة في بورصة الولايات المتحدة الأميركية قد تراجع إلى 4300 سهم، بعد أن كان 7300 سهم خلال 1996. في المقابل، أشار ديمون إلى أن عدد شركات القطاع الخاص الممولة من شركات الملكية الخاصة قد ارتفع بصورة هائلة إلى 11200 شركة من 1900 شركة خلال العقدين الماضيين.
بلا شك، أصبح من الصعب أن تكون شركة متداولة في البورصة أكثر مما كان عليه الوضع سابقاً. أشار ديمون إلى العديد من الأسباب التي تتضمن التعقيدات المتزايدة للعمليات التنظيمية الحكومية، والرقابة العامة المتصاعدة، والتركيز المتزايد على النتائج المالية قصيرة الأجل. لم يعد الإدراج في البورصة أيضاً ضرورياً بالنسبة للعديد من الشركات. تتمتع شركات الملكية الخاصة بقدر هائل من السيولة المالية، ما يسهل على الشركات جمع رأس المال من مصادر خاصة، فلماذا إذن تلجأ الشركات إلى الإدراج في البورصة؟
البورصة تجذب الشركات الضعيفة
حان الوقت للنظر في احتمال حقيقي يتمثل في أن سوق الأسهم تحول إلى مكب للشركات الضعيفة للغاية غير القادرة على جذب رأس المال في الأسواق الخاصة. هذه ليست إشارة جيدة للمستثمرين أو للسوق.
من الناحية التظيمية، هذا التوجه مثير للقلق، لأن الشركات الخاصة، التي يصل بعضها إلى قيمة مماثلة للشركات المتداولة في البورصة، تتجاوز العديد من قواعد الإفصاح والحوكمة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية بعد الكساد الكبير للشركات المدرجة في البورصة. تهدف هذه القواعد إلى جعل الأسواق أكثر كفاءة وشفافية، والمساعدة في منع تكرار حدوث انهيار سوق الأسهم المدمر الذي أشعل فتيل الكساد الكبير.
التحدي الذي يواجه المستثمرين العاديين هو أكثر إلحاحاً إذ إن غالبيتهم مقيد بسوق الأسهم نظراً لمنعهم وفق اللوائح المالية من الاستثمار في الأسواق الخاصة. تدهورت مع الأسف جودة الشركات المتداولة الصغيرة بطريقة كبيرة، والتي تشبه في قيمتها السوقية الشركات السائدة في الأسواق الخاصة.
مستويات الربحية
على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى مؤشر “راسل 2000″، وهو ربما الأكثر شهرة على صعيد تتبع الشركات المدرجة الصغيرة، فقد بلغ مستوى الربحية -كما تُقاس بالعائد على حقوق الملكية- 7.8% خلال 1995. منذ ذلك الحين، اتجهت هذه النسبة إلى الانخفاض، ويتوقع محللو وول ستريت أن يصل العائد على حقوق الملكية العام الحالي إلى 2.4% فقط. يظهر نفس الاتجاه المتراجع عند النظر إلى مقاييس أخرى للربحية، مثل العائد على رأس المال أو العائد على الأصول.
تروي بيانات أخرى قصة مشابهة. خلال 1963، كانت نسبة الشركات المدرجة في البورصة الصغيرة ذات العائد على حقوق الملكية الأدنى إلى تلك ذات العائد الأعلى 1.6، وفق أرقام جمعها كين فرينش الأستاذ في كلية “توك” للأعمال. بقيت هذه النسبة مستقرة نسبياً لأكثر من عقدين، حيث تقلبت بين 1 و2 خلال الثمانينيات من القرن الماضي. لكنها بدأت في الارتفاع في التسعينيات، وهي الآن قريبة من 6.
بمعنى آخر، لكل شركة مدرجة صغيرة تحقق أرباحاً عالية، يوجد العديد من الشركات الأخرى التي تواجه متاعب. يتضح هذا الأمر في مؤشر “راسل 2000”. من المنتظر أن تسجل ثلث شركاته خسائر العام الحالي، علاوة على 20% أخرى يُتوقع أن تحقق أرباحاً أقل من دولار واحد للسهم.
الإقبال على الشركات الكبيرة
في هذه الحالة، ليس من قبيل المفاجأة أن يفضل المستثمرون الشركات الكبيرة على الصغيرة. من المتوقع أن يسجل مؤشر”إس آند بي 500″ عائداً على حقوق الملكية 18% السنة الجارية، مقارنة بأكثر من 2% قليلاً لمؤشر “راسل 2000”.
يُعد مؤشر “إس آند بي 500” أرخص، إذ يجري تداوله بمعدل 24 مرة من الأرباح المتوقعة للعام الحالي، بالمقارنة مع 38 مرة لمؤشر “راسل 2000″، ويُعزى ذلك بالأساس إلى عدد الشركات الصغيرة المتوقع أن تسجل خسائر، ما سيؤثر سلبياً على أرباح المؤشر.
من خلال الفحص الدقيق لهذه الأرقام، يصبح الاختيار سهلاً. من المعتاد أن تجذب الشركات الكبيرة المزيد من رأس المال، لكن المستثمرين يواصلون كذلك سحب الأموال من الشركات الصغيرة. منذ 2020، ضخوا صافي 107 مليارات دولار للصناديق التعاونية المستثمرة في الأسهم المدرجة للشركات الكبيرة وصناديق المؤشرات المتداولة في البورصة، بينما سحبوا 3 مليارات دولار من صناديق الاستثمار في الأسهم المدرجة للشركات الصغيرة، وفق شركة “مورنينغ ستار” (Morningstar).
الشركات الصغيرة فرصة أكبر للربحية
رغم ذلك، إذا نظرنا بطريقة أكثر عمقاً، سنجد العديد من الشركات الصغيرة الجيدة. عملت على تصنيف شركات مؤشر “راسل 2000” وفقاً للعائد على حقوق الملكية ووجدت 235 شركة من المتوقع أن تكون على الأقل تحقق نفس مستوى ربحية مؤشر “إس آند بي 500” العام الحالي. استناداً إلى القيمة السوقية، فإن متوسط عائدها المرجح على حقوق الملكية هو 46%، ما يُعد أكثر من ضعف معدل مؤشر “إس آند بي 500”.
ومع بلوغ مكرر الربحية الآجل 22 مرة، فهي أيضاً أرخص بنسبة 10% تقريباً من “إس آند بي 500”. العنصر الأكثر جاذبية هو أن مكرر ربحيتها الأوسط يبلغ 13 مرة فقط، ما يظهر أن هناك بعض الفرص الجيدة من الشركات ذات الجودة العالية بينها.
لكن هذا لا يعني أن على المستثمرين الأفراد البحث في البيانات المالية للعثور على أرخص وأكثر الشركات الصغيرة المتداولة في البورصة ربحية. غاليبة الأشخاص لا يملكون الوقت أو الرغبة في فعل ذلك. ولا يتعين عليهم بالضرورة الاستثمار في الشركات الصغيرة على الإطلاق.
لكن بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في تنويع استثماراتهم بعيداً عن الشركات الكبرى، أو الذين يخشون تفويت الفرص في الشركات الصغيرة في الأسواق الخاصة، فإن إحدى الخيارات هي البحث عن صندوق تداول منخفض التكلفة يستهدف الشركات المدرجة الصغيرة ذات التقييمات المنخفضة والربحية الأعلى. ومن المتوقع أن تسجل هذه الصناديق المتداولة في البورصة على الأقل أداء جيداً مثل أغلب صناديق الاستثمار في شركات الملكية الخاصة على المدى الطويل، لا سيما عند النظر إلى الرسوم الباهظة التي تفرضها صناديق الاستثمار الخاصة على مستثمريها الحصريين.
تدخل صناع السياسات
أتوقع أيضاً أن يتسارع اتجاه امتناع الشركات الخاصة عن الإدراج في البورصة -سيكون ذلك على حساب سوق الأسهم وتنامي عزوف المستثمرين الأفراد- ما لم يتدخل صناع السياسات. إذ يمكنهم البدء بإزالة القيود التي تمنع المستثمرين العاديين من المشاركة في الأسواق الخاصة.
يجب عليهم أيضاً إلزام الشركات الخاصة التي تتجاوز حجماً معيناً أو قيمة سوقية معينة بالامتثال لنفس القواعد المفروضة على الشركات المتداولة في البورصة، مع مراعاة تقليل أعباء التكاليف الناجمة عن فرضها لهذه اللوائح على جميع الشركات.
حتى يحدث ذلك، ينبغي للمستثمرين أن يبذلوا جهداً أكبر في عملية الانتقاء عند ولوج فضاء الاستثمار في الشركات الصغيرة. الفرص المتاحة تستحق هذا العناء.