على مدى قرن تقريباً، مثلت شركة “بوينغ” رمزاً للشركات الأميركية، حيث نشرت قيم الهندسة العالية وأظهرت تفوق الأداء المؤسسي الأميركي على مستوى العالم. ملايين الأشخاص يومياً يصعدون على متن طائرات “بوينغ” بوجوه تعكس الثقة المطلقة في تلك اللحظة التي يعبرون فيها بوابات الطائرة.
لكن ما حدث لاحقاً كان مختلفاً. فبعد حادثتين مميتتين في عامي 2018 و2019، ظهرت تقارير من داخل الشركة وتحقيقات كشفت عن تراجع معايير الجودة والسلامة، إلى جانب تدمير ثقافة الابتكار، وكل ذلك سعياً لزيادة الأرباح ورفع قيمة الأسهم.
حتى قبل حادثة انفجار باب طائرة “بوينغ” أثناء التحليق في يناير الماضي، أو واقعة ترك رائدي فضاء عالقين في الفضاء خلال يونيو، كانت سمعة الشركة قد تضررت بالفعل، وفقدت “بوينغ” الثقة التي استغرق بناؤها عقوداً، وربما لن تتمكن من استعادتها مجدداً.
تآكل ثقة الأميركيين بالشركات الكبرى
تآكلت ثقة الأميركيين في الشركات الكبرى تدريجياً على مدى سنوات. ولا تشكل “بوينغ” حالة فريدة من نوعها، لكنها حالة متطرفة.
تراجعت نسبة الأميركيين الذين أفادوا لمعهد “غالوب” بأن لديهم “قدراً كبيراً” أو “قدراً كبيراً جداً” من الثقة في الشركات الكبرى إلى 16% في العام الحالي، مقارنة بـ30% في عام 1999.
هذه الإحصائية تثير القلق، خصوصاً وأن 40% فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً عبروا عن انطباع “إيجابي إلى حد ما” أو “إيجابي بشكل كبير” تجاه الرأسمالية في عام 2022، وفقاً لمركز “بيو” للأبحاث.
وهذه النسبة أقل بـ33% من نظيرتها بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً. بالنظر إلى أن الشركات الأميركية، رغم عيوبها، كانت دائماً واحدة من أقوى محركات الابتكار وتوليد الثروات على مستوى العالم، فإن هذه الإحصائيات يجب أن تثير القلق لدى أي شخص مهتم بالاقتصاد الأميركي.
تحليل الأسباب التي تؤدي إلى تآكل الثقة في الأعمال بشكل عام أكثر تعقيداً من مجرد تقييم المشكلات في شركة “بوينغ”، ويتطلب فهم الجذور العميقة لهذه الظاهرة.
رغم عدم توفر بيانات استطلاعية حول بدايات الاقتصاد الأميركي، إلا أن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى وجود توقعات بأن العمال أو المجتمع يمكنهم الاعتماد على الشركات لرعاية مصالحهم. (التاريخ يقدم أمثلة على ذلك ومنها العبيد الأفارقة الذين عملوا في المزارع، أو عمال المصانع الذين فقدوا حياتهم أو أطرافهم خلال الثورة الصناعية، مما يعكس قسوة الشركات الأميركية في الماضي).
عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية
كيف أصبح البحث في مسألة الثقة بالشركات موضوعاً لاهتمام الأميركيين؟ يشير المؤرخون إلى فترة استثنائية امتدت لحوالي 25 عاماً بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مدة قصيرة مقارنة بالسياق العام للتاريخ، لكنها تركت أثراً لا يُمحى في الوعي الأميركي.
شهدت تلك السنوات بعد الحرب ازدهاراً اقتصادياً هائلاً، تمثل في تقليص الفجوة بين الطبقات الفقيرة والغنية في الولايات المتحدة، وهو أمر نادر الحدوث. فمع الحاجة الملحة بعد الحرب لبناء وبيع كميات ضخمة من المنتجات، انضم الأميركيون العائدون من ميادين القتال إلى الجهود الاقتصادية، وأصبحت البلاد مركز التصنيع العالمي، وهو اللقب الذي احتفظت به لعقود. وأسهم التطور التكنولوجي في تعزيز معدلات الإنتاجية للعمال، مما ساهم في زيادة أرباح الشركات.
الأهم من ذلك، أن العمال حصلوا على نصيب أكبر من هذه الأرباح مقارنة بالماضي. ويعود ذلك، حسب بعض خبراء الاقتصاد، إلى قوة النقابات العمالية التي كانت في ذروة نشاطها، بالإضافة إلى نظام ضريبي تصاعدي يعتمد على ارتفاع الدخل.
ورغم أن تلك الحقبة لم تكن مثالية بأي حال، خصوصاً بالنسبة للمواطنين غير البيض أو العديد من النساء، إلا أن “الجميع استفادوا فعلياً مع تحسن الأوضاع الاقتصادية العامة”، كما ذكر بنجامين ووترهاوس، أستاذ التاريخ بجامعة “نورث كارولاينا”، الذي يدرّس ثقافة وسياسات الشركات في الولايات المتحدة.
لكن هذا العصر الذهبي لم يدم طويلاً. مع أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، بدأت الأوضاع تتدهور بسبب الركود التضخمي، ونضالات الحقوق المدنية، وأزمة النفط، وفضيحة “ووترغيت”، وحرب فيتنام. في الوقت نفسه، بدأت الاقتصادات الدولية التي كانت مدمرة سابقاً، مثل ألمانيا واليابان، تنتعش من جديد. وهكذا بدأت تتلاشى العوامل التي عززت القوة الاقتصادية الأميركية. كما أوضح ووترهاوس: “لا يمكننا العودة بالزمن لإصلاح الأمور”. مع تراجع الإنتاجية والأرباح، بدأت فجوة الدخل تتسع. وأضاف: “حدث تحول طويل الأمد في طريقة عمل الاقتصاد الأميركي”. وبمرور الوقت، تبين أن التوقعات بتحسن مستمر في الأوضاع وارتفاع الأجور لتحسين جودة حياة الطبقة المتوسطة، كانت بعيدة تماماً عن الواقع.
تأثير العولمة على أميركا
كانت العولمة في حالة صعود، ولم تعد أميركا مركز العالم الاقتصادي. بالنسبة للعمال، كان ذلك يعني تجربة جديدة ومقلقة بمشاهدة الوظائف تنتقل إلى خارج البلاد، والتأثر بالأزمات المالية مثل حظر صادرات النفط من مناطق بعيدة عن الولايات المتحدة الأميركية. وأسفر ذلك عن زيادة المنافسة بالنسبة للشركات المحلية ما عزز التركيز على قول الخبير الاقتصادي ميلتون فريدمان من جامعة شيكاغو بأن “المسؤولية الاجتماعية الوحيدة” للشركات هي زيادة الأرباح.
أحدثت هذه التحولات تأثيرات واسعة النطاق. ويقول ديفيد كيلي، كبير الخبراء الاستراتيجيين العالميين في صندوق “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت”، إن أحد العوامل التي تفاقم عدم المساواة في الدخل هو التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، حيث أن الأرباح التجارية على وجه التحديد باتت تمثل في الوقت الراهن جزءاً أكبر من حصته، بينما تراجعت حصة رواتب العمال. في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، سجلت الأرباح بعد خصم الضرائب 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال 2023، بلغت 10% تقريباً.
وعلى امتداد المدة الزمنية نفسها، هبطت حصة رواتب العمال إلى 52.1% من 55.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وكتب كيلي في مذكرة للعملاء بوقت سابق من هذا السنة الجارية: “كان نجاح الشركات في تقليص حصة رواتب العمال من حجم الناتج المحلي الإجمالي عاملاً رئيسياً في زيادة الحصة الخاصة بهم”.
أكثر المتضررين بالطبع هم الطبقة المتوسطة والدنيا، حيث يملك أغنى 1% من السكان الآن حصة أكبر من الثروة مقارنة بالـ40% الموجودين في الطبقة الوسطى، بعد أن كان الوضع عكس ذلك قبل ثلاثة عقود. وتطلب ذلك نمو ثروات الأميركيين فائقي الثراء بصورة أسرع كثيراً من ثروات طبقة الفقراء.
الأغنياء أكبر الرابحين
بالنسبة لبعض الأميركيين العاديين، بدا الأمر وكأن الاقتصاد الأميركي -والشركات التي تدعمه- يخالف وعداً ضمنياً قطعه على نفسه يتمثل في بناء مجتمع يمكن فيه لمن يعمل بجد أن يسدد التزاماته المالية الأساسية، وربما يشتري منزلاً، وحيث يمكن لكل جيل التقدم مستنداً لإنجازات الجيل السابق، بصرف النظر عن خلفيته.
بدلاً من ذلك، رأى المشككون أن فئة فائقي الثراء تزداد غنى، ويبدو أن أصحابها يفلتون من العواقب الوخيمة حتى عندما يخالفون القوانين. وعثر الأميركيون الذين يواجهون تحديات، على أدلة كثيرة تفاقم شكوكهم بداية من انهيار فقاعة الإنترنت، وفضيحة شركة “إنرون”، وصعود وسقوط و”ورلدكوم” (WorldCom) وصولاً إلى مؤامرة احتيال برنادر مادوف وشركة “ثيرانوس” (Theranos)، وإفلاس منصة “إف تي إكس” للعملات المشفرة و”بوينغ”.
كما تُعتبر الأزمة المالية خلال 2008 والركود الكبير الذي أعقبها المثال الأبرز عندما خسر الأشخاص وظائفهم ومنازلهم، وأصبحت الأموال في حسابات تقاعدهم تذروها الرياح، بينما حصل العديد من الرؤساء التنفيذيين ممن أسهموا في تأجيج الأزمة على مكافآت بملايين الدولارات.
نفاق الشركات يقوض الثقة
يُعد النفاق أحدث العوامل التي تقوض الثقة في الشركات؛ فرغم أنه أقل بروزاً، لكن تأثيره ما يزال قوياً. وخلال 2019، نشرت مجموعة “بيزنس راوندتيبل” (Business Roundtable)، وهي تحالف خاص بقطاع الأعمال يضم بعضاً من أهم الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة الأميركية، تحديثاً لتعريف”غاية الشركات” والذي نال استحساناً كبيراً.
وذكرت المجموعة أن الواجب الأساسي للإدارة ومجالس الإدارات لم يعد ينصب على المساهمين وحدهم. بل أصبحت الشركات منوطة بـ”التزام أساسي تجاه كافة أصحاب المصلحة لدينا”، بمن فيهم العملاء والموظفين والتجمعات السكنية المحلية. في ظل تبني الشركات لمبدأ يُعرف باسم “رأسمالية أصحاب المصلحة”، واتخذت مواقف علانية إزاء قضايا مثل الهجرة وفرض قيود على امتلاك أسلحة، أو تعهدت بإجراء تعديلات في أمور مثل تقليص الانبعاثات، أو تنويع فئات القوى العاملة لديها.
في أعقاب ذلك اندلعت “الحرب على الوعي”. وسط موجة من الضغوط من القوى المحافظة التي تعارض سياسات التنوع والشمول والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أو أي سياسة أخرى يُنظر إليها على أنها تحمل أجندة سياسية، تراجعت العديد من الشركات، وفضلت التزام الصمت بشأن القضايا الاجتماعية، وتخلت دون أن يشعر بها أحد عن المبادرات التي تبنتها وكانت تتفاخر بها قبل سنوات قليلة فقط. وأُحبط أولئك الذين دعموا سياسات “عصر أصحاب المصلحة”، وحتى الذين كانوا سعداء بالعودة إلى “الحياد” المؤسسي لاحظوا مدى سرعة تخلي الشركات عن وعودها.
كيف يمكن إصلاح خلل تراكم على مدى عقود طويلة؟
وجد الباحثون أن الثقة في الطرف الآخر تعتمد على 3 عوامل، هي: الكفاءة والتعاطف والقيم الأخلاقية. ويُطلق على هذه النظرية اسم نموذج (ABI) وهو اختصار للحروف الأولى من كلمات “القدرة” (ability)، و”الإحسان” (benevolence)، والنزاهة (integrity). ووجد الأكاديميون أن الانتهاكات التي تمس النزاهة -أي القيم الأخلاقية- هي الوحيدة التي فعلاً لا تُغفر على ما يبدو.
تقول سيسيلي كوبر، أستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة ميامي، التي انخرطت في إجراء بحوث تتعلق بالثقة في بيئة العمل لأكثر من 20 سنة: “إذا ثبت عليك الكذب أو الغش أو السرقة، يفترض الأشخاص أن هذا مؤشر قوي على حقيقة شخصيتك، وبالتالي يفترضون أن هذه صفة غير قابلة للتغيير”.
عند هذه النقطة، تعود شركة “بوينغ” لتكون المثال الأبرز. عندما أودت حوادث تحطم الطائرات خلال 2018 و2019 بحياة 346 شخصاً، كان ما أثار الغضب لدى الولايات المتحدة الأميركية وجماهير الشعب ليس فقط وقوع الحوادث نفسها، بل اتهامات بأن الشركة عمدت إلى خفض معايير السلامة وخداع هيئة الطيران الفيدرالية بشأن التعديلات التي أجرتها على برمجيات التحكم في الطيران المتورطة في كلا الحادثين. (خلال يوليو الماضي، وافقت “بوينغ” على الإقرار بالذنب في قضية مؤامرة جنائية متعلقة بحوادث التحطم).
يقود “بوينغ” حالياً رئيس تنفيذي جديد تعهّد بإصلاح الطائرات وثقافة الشركة، لكن الأهم من ذلك هو إصلاح الهيكل التنظيمي الأساسي المكلف بمراقبة الشركة وغيرها من الشركات.
في حالة “بوينغ”، كانت هيئة الطيران الفيدرالية هي التي منحت الشركة حرية كبيرة في تنظيم نفسها، ويعود ذلك جزئياً إلى الموارد المحدودة، بجانب الرغبة في إعطاء الشركة ميزة في السوق العالمية التي تشهد منافسة ضارية. ينبغي للكونغرس الأميركي إعطاء الأولوية ليس فقط لتمويل الجهات التنظيمية بصورة كافية، لكن أيضاً لوضعها أمام مسؤولياتها، رغم مخاطر الدخول في مواجهة مع شركات كبرى مثل “بوينغ”، التي تتمتع بأهمية قصوى للاقتصاد الأميركي ونفوذ هائل في الأوساط السياسية للبلاد.
تأثير الاتجاهات السياسية على الثقة
خلال 2019، بدأت كوبر من جامعة ميامي تتساءل عما إذا كان يوجد عناصر أخرى تؤثر على تقييم الثقة في عصرنا الحالي مقارنة بنموذج (ABI). للتحقق من ذلك، بدأت تنظر في مدى تأثير السياق الاجتماعي، وليس السلوك فقط، على ثقة الناس بزملائهم في العمل.
وجد الباحثون تاريخياً أن العوامل الديموغرافية، مثل العمر والجنس والعرق، تتضاءل أهميتها بمجرد أن يبدأ شخصان العمل معاً. لكن عندما بدأت كوبر مقابلة المشاركين في استطلاع الرأي، وجدت أن هناك تأثيراً مختلفاً لاتجاه السياسة. قالت إن “ما يثير الاستغراب أن تكون السياسة فئة مؤثرة في أي مرحلة من مراحل العلاقة”. وأسهبت في شرحها: “ربما يعمل شخصان معاً ويتوافقان بصورة جيدة لمدة 5 سنوات، ولكن إذا اكتشفا بعد ذلك أن لديهما خلافات سياسية، “فيمكن أن تتبدل فجأة الطريقة التي أفكر بها عنك، وتنقلب ثقتي بك”.
تربط هذه الأفكار المتعلقة بالسياسة والثقة بين انتكاسة الشركات -من حيث تراجعها المخزي عن رأسمالية أصحاب المصلحة- والقضايا الاقتصادية الأساسية التي قوضت الثقة في الشركات الأميركية لعقود.
رغم أن المديرين التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة عبر كافة أنحاء الولايات المتحدة الأميركية قد يرغبون في عكس ذلك، إلا أنه لا يوجد طريق للحياد التام وسط عالمنا في الوقت الحاضر. حتى البقاء صامتاً بشأن قضية معينة يُعد تصريحاً سياسياً. (يمكن الرجوع لرد فعل ديزني الأولي -أو عدم تعليقها- على مشروع قانون “لا تقل مثلي” في فلوريدا). أي خطأ في أي اتجاه سيؤدي بالتأكيد إلى انتهاك معتقدات شخص ما السياسية أو شعوره بأن الشركة تتصرف وفقاً لقيمهم. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنك التأكد من أن هذا الانتهاك سينتشر على نطاق واسع. وتشير كوبر إلى “أنها طريقة لانتهاك الثقة التي لم تكن موجودة قبل 25 سنة”.
التخلص من حالة الاستقطاب السياسي
لا يمكن أن يكون التزام الحياد هو المسار المناسب في المستقبل، بل ينبغي التخلص من حالة الاستقطاب السياسي. هذا هدف طموح، ولكنه مجال يمكن للشركات أن تحقق فيه تأثيراً فعلياً. قدم الكتاب المؤثر بشدة “أميركا المستقطبة” أو (Polarized America) الصادر خلال 2006 النظرية التي تفيد بأن كلاً من الاستقطاب السياسي والفجوة بين الأغنياء والفقراء قد ازدادت بالتوازي منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث يتفاعلان مع بعضهما البعض في علاقة سببية متبادلة. منذ ذلك الحين، وفرت البحوث الحديثة دلائل إضافية تظهر أن عدم المساواة في الدخل له تأثير مثبت من خلال الإحصاءات على حالة الاستقطاب السياسي.
تُعتبر أجور رؤساء الشركات التنفيذيين (خاصة في تقرير صادر عن مجموعة “رواندتيبل” خلال 2019 يتناول العصر الجديد من المسؤولية الاجتماعية للشركات) نقطة ضعف جلية. أظهر تقرير من معهد السياسات الاقتصادية أنه خلال 2022، كان متوسط الأجور المتوقع للرؤساء التنفيذيين في أكبر 350 شركة أميركية ذات ملكية عامة هو 25.2 مليون دولار. في الوقت نفسه، كانت أجور الرؤساء التنفيذيين تعادل حوالي 344 ضعف أجور العمال، ما يعني أنه سيتعين على الموظف العادي العمل ما يقارب 350 سنة للحصول على ما يجنيه رئيسه التنفيذي خلال سنة واحدة فقط، عند المقارنة بعام 1965، كان الفارق بمقدار 21 ضعفاً.
من شأن تقليص الفجوة في الأجور بين كبار الموظفين على قمة عالم الشركات الأميركية والعمال الذين يسهمون بدور رئيسي في تحقيق تلك الأرباح، أن يساعد بصورة كبيرة على الحد من عدم المساواة في الدخل ومكافحة حالة الاستقطاب السياسي واستعادة الثقة وتخفيف التوترات التي يصعب التعامل معها والتي تتفشى بين جميع الأطراف الثلاثة.
يعتقد بعض العلماء الآن أن الازدهار العالمي الذي شهدته السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية كان حالة نادرة، فقد كافحنا على مدى الـ50 سنة الماضية لاستعادة شيء لا يمكن استعادته. يقول ووترهاوس: “بعد 50 سنة ما زلنا نعيش فشل تحقيق تلك التوقعات. حتى الأشخاص الذين وُلدوا بعد ذلك يعتقدون أن الأمور ينبغي أن تكون على هذا النحو”.
قد يكون هذا صحيحاً، لكن بينما تغير الاقتصاد العالمي، لم يتغير ما يطلبه الأشخاص من الاقتصاد الذي يشاركون في صنعه. إنهم يرغبون في الشعور بالأمان وأن ويحصل من يعمل بجد على ما يستحق مقابل جهده وأن تكون الحياة قابلة للتحسن. ربما لا تستطيع الشركات الأميركية العودة بالزمن إلى الوراء، لكنها تملك القدرة على التحسين من موقفها. وهذا هو معيار الأداء الذي يتعين عليها بلوغه إذا كانت ترغب في استعادة ثقة الناس.