انعكاس خفض أسعار الفائدة على الاقتصاد الأميركي يحتاج وقتاً

قرار الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر بخفض فاق التوقعات في أسعار الفائدة وبلغ خمسين نقطة أساس، عزز الآمال بتخفيضات إضافية مقبلة في ظل تباطؤ التضخم، ما يعد بتخفيف الأعباء عن الأسر والشركات التي عانت من أعلى كلفة اقتراض منذ عقود.

لكن لم يتضح بعد مدى الوقت اللازم ليظهر تأثير انخفاض كلفة الاقتراض على عموم الاقتصاد. فيما استشعرت بعض القطاعات، مثل القطاع العقاري تأثير هذا التخفيض على الفور، فإن القطاعات الأخرى ستستغرق وقتاً أطول لتشهد مفاعيل القرار.

تحسن طفيف

يُعزى جزء من ذلك إلى أن الفوائد ما تزال مرتفعة. إذ يُعتقد أن معدل الفائدة المحايد، الذي ليس من شأنه التأثير في الاقتصاد تثبيطاً أو تحفيزاً، أقل بكثير من مستوى الفائدة الحالي الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي بين 4.75 و5%، والذي يُنظر إليه بشكل عام على أنه مقيد للاقتصاد. ويُرجح أن يثني تقرير الوظائف عن سبتمبر، الذي أتى قوياً على نحو مفاجئ وصدر في 4 أكتوبر، الاحتياطي الفيدرالي عن الإتيان بتخفيضات أشد.

تقدّر كاثي بوستجانسيك، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في شركة “نايشونوايد ميوتشوال إنشورنس” (Nationwide Mutual Insurance) معدل الفائدة المحايد عند 3.7% و4%. قالت: “بدأ المستهلكون يشعرون ببعض الانفراج بسبب خفض الفائدة على قروض السيارات والسكن… لكن ثمة حاجة لمزيد من خفض الفوائد ليصبح تخفيف الأعباء هذا ملموساً أكثر، ما يعزز الطلب على المركبات والمساكن”.

كان أجلى وقع لقرار الاحتياطي الفيدرالي في سوق الإسكان، إذ تراجعت فوائد الرهن العقاري إلى أدنى مستوى خلال سنتين، فيما سجل الوكلاء العقاريون زيادة في عدد الاستفسارات التي يتلقونها. كما ارتفعت الثقة بين شركات بناء المنازل في سبتمبر لأول مرة منذ ستة أشهر، وفقاً لمؤشر “الرابطة الوطنية لبناة المنازل” و”ويلز فارغو”. إلى ذلك، زادت نسبة المستهلكين الذين يخططون لشراء منزل خلال الأشهر الستة المقبلة إلى أعلى مستوى لها في عام، وقفزت طلبات إعادة تمويل الرهون العقارية.

قال دان هناتكوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “نيو هومز ميت” (NewHomesMate)، التي تسوّق مساكن حديثة التشييد، إن عمليات البحث عبر موقعها الإلكتروني ارتفعت 15% في سبتمبر مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي. أضاف: “لا شك أننا نرى عودة كثير من الطلب المؤجل”، مع ذلك هو يدرك أن الطريق نحو التعافي ما يزال طويلاً.

بيّنت شيريل أبرامز ديفيس، الوكيلة العقارية لدى شركة “ري/ماكس يونايتد ريل إستيت” (Re/Max United Real Estate) في ماريلاند أنه “يجب أن ننتظر مزيداً من التخفيضات في أسعار الفائدة قبل أن يبدأ الناس بالبحث بجدية (بغرض شراء منازل)”. وقد أظهرت دراسة شهرية من جامعة ميشيغان أن المستهلكين متشائمون حيال ظروف شراء المنازل أكثر من أي وقت مضى منذ بدء إجراء هذه الدراسة في 1978.

حاجة لمزيد من التخفيض

تتفاعل سوق السيارات هي الأخرى بسرعة مع تغير أسعار الفائدة. بيّنت ديفن كولبي التي تعمل في بيع السيارات في أوستن أنها لاحظت تحسناً في معنويات المشترين، مضيفةً: “بدأنا نلاحظ انخفاض معدلات الفائدة فيما خصّ كافة طرازات السيارات، ما يشجع الناس على الشراء… وقد شهد النصف الثاني من الشهر ازدحاماً كبيراً”.

كولبي نفسها نموذج على هذا التفاؤل، فالشابة التي بلغت 26 عاماً تسعى لأول قرض رهن عقاري لها كي تبني منزلاً. قالت: “لحسن الحظ، أصبحت  معدلات الفائدة الآن أفضل مما كانت عليه عندما بدأنا هذه العملية قبل بضعة أشهر”.

لطالما اشتكت المؤسسات الصغيرة من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة. وفي أغسطس، انخفض التفاؤل في القطاع إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من سنتين.

جيم إيلغ، مدير عمليات نزل “11 أفينيو هوستيل” (11th Avenue Hostel)، الذي تملكه أسرته في دنفر ويضم نحو 20 موظفاً، يعاني من ارتفاع الأقساط الشهرية لقروضه منذ بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في 2022.

 لقد اقترض أموالاً لدعم شركته بفائدة منخفضة جداً عام 2019، ولكن مع تعديل أسعار الفائدة، ارتفعت الفائدة الشهرية التي يدفعها من 10000 دولار إلى 21000 دولار. قال: “حين استحصلنا على القرض، لم يكن أحد يتصور أن ترتفع معدلات الفائدة بهذا القدر”، وسأل: “كم زبوناً تحتاج لتغطي نفقاتك وكلفة التأمين والضرائب ورواتب الموظفين والإنارة والكهرباء والوقود، ثم 21000 دولار إضافية لدفع فائدة؟ ثمة حاجة لتخفيض كبير في أسعار الفائدة”.

إشارات متباينة

يرسل المستهلكون أيضاً إشارات متباينة، فقد ارتفعت مبيعات التجزئة بشكل غير متوقع في أغسطس، فيما أن هنالك أدلة واضحة على أن بعض المتسوقين يواجهون صعوبة في تسديد قروضهم. وكان تقرير صادر عن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أظهر أنه في حين بقيت نسبة الديون المتعثرة ثابتة عند 3.2% في الربع الثاني، فإن نسبة التأخر في سداد قروض السيارات والبطاقات الائتمانية لمدة 30 يوماً على الأقل هي الأعلى منذ عام 2010. كما ارتفعت نسبة ديون بطاقات الائتمان المتعثرة حديثاً إلى 9.05%، وهي النسبة الأعلى في نحو 12 سنة.

وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أعلن في الأول من أكتوبر أن البنك المركزي سيخفض معدلات الفائدة “مع الوقت”، ولكن لا يوجد “مسار محدد سلفاً”. وقد انخفض سعر الإقراض الرئيسي، وهو مرجع للقروض الاستهلاكية والتجارية بما في ذلك البطاقات الائتمانية، بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 8%، إلا أنه ما يزال أعلى بكثير من مستوى 3% الذي كان عليه في أوائل عام 2022.

قال مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة “موديز أناليتيكس” (Moody’s Analytics) إن “على الاحتياطي الفيدرالي أن يلبي التوقعات بمزيد من خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، وإلا فإن سندات الخزانة وغيرها من الفوائد سترتفع مجدداً، وستكون سوق الأسهم عرضة لتصحيحات مؤثرة”.