شهدت سوق الأسهم الصينية ارتفاعاً كبيراً في جذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم، لكن التقلبات الأخيرة أثارت تساؤلات حول ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب للاستثمار.
في الشهر الماضي، أعلنت الجهات المختصة في بكين عن حزمة من إجراءات الدعم الاقتصادي والمالي، ما أدى إلى ارتفاع الأسهم الصينية لتفوق جميع المؤشرات العالمية الأخرى وتسبب في تدفق كبير للأموال من المستثمرين الذين يخشون تفويت الفرصة. ولكن يوم الأربعاء، شهدت الأسهم أكبر انخفاض لها في أكثر من 4 سنوات، نتيجة نفاد صبر المتداولين بشأن سرعة تنفيذ إجراءات التحفيز.
هذا الوضع يخلق حالة من الإرباك الكبيرة حول ما إذا كانت الصين، التي كان أداؤها ضعيفاً مقارنة بنظيراتها العالمية لسنوات، تستعد لتحقيق عودة قوية حقاً. فقد ارتفع مؤشر “هانغ سنغ” للأسهم الصينية المدرجة في هونغ كونغ 25% منذ بداية العام. ويراقب المستثمرون والمحللون عن كثب البيان المرتقب بشأن السياسة المالية يوم السبت للحصول على المزيد من المعلومات حول خطط الحكومة، مع توقعات بعضهم بوجود حزمة تحفيز جديدة تصل إلى 283 مليار دولار.
إجراءات التحفيز قد بدأت تؤتي ثمارها إلى حد ما، وفق ستيفن شونفيلد، الرئيس التنفيذي لـ”ماركت فكتور إنديسيس” (MarketVector Indexes). أضاف: “لقد أثبت السوق ذلك، حتى لو كانت هناك مبالغة في التفاعل الأسبوع الماضي. لكن عمليات التحفيز تحتاج إلى أن تترافق مع إصلاحات اقتصادية هيكلية وسلوك إيجابي تجاه ريادة الأعمال والاستثمار الأجنبي”.
بغض النظر عن مكان إقامتك، توجد طرق للاستثمار في الصين حالياً. إليك ما تحتاج إلى معرفته:
ماذا يحدث في السوق الصينية؟
بعد الوباء، واجه اقتصاد الصين البالغ حجمه 18 تريليون دولار صعوبات في التعافي بشكل كامل. يعاني قطاع العقارات من أزمة ديون تزامناً مع تراجع ثقة المستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، هناك تراجع عالمي في الطلب على المنتجات الصينية، ما يؤثر سلباً على قطاع التصنيع، فيما ترتفع معدلات البطالة.
كل هذا يثقل كاهل الأسهم الصينية، ما أدى إلى انخفاض وزنها في مؤشرات الأسواق الناشئة إلى مستوى قياسي.
رداً على ذلك، قام البنك المركزي الصيني الشهر الماضي بطرح حزمة شاملة من إجراءات التحفيز النقدي لإنعاش الاقتصاد. ويخطط البنك المركزي لتقديم دعم سيولة لا يقل عن 800 مليار يوان (113 مليار دولار) لسوق الأسهم الوطنية، ويبحث المسؤولون في إنشاء صندوق لضمان استقرار السوق. كما تدرس السلطات تخصيص ما يصل إلى تريليون يوان (142 مليار دولار) كتمويل للبنوك الكبرى.
لكن المستثمرين أصيبوا بالإحباط بسبب عدم وجود تحرك عاجل خلال الإحاطة السياسية التي جرت في أوائل أكتوبر، ومع التحركات الحادة التي شهدها الارتفاع الأخير في السوق، أصبحت السوق في حالة هشة. ويتوقع البعض أن تعلن الحكومة عن المزيد من الحوافز، مثل زيادة الإعانات لشراء السلع الاستهلاكية وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
لماذا الاستثمار في الصين؟
لطالما كانت الصين غير ممثلة بشكل كافٍ في المؤشرات العالمية، وتُعتبر تقديرات أسهمها منخفضة مقارنة بنظيراتها العالمية، بحسب بريندان أهيرن، رئيس الاستثمار في “كرين شيرز” (KraneShares) التي تقدم “سي إس آي تشاينا إنترنت فاند” (CSI China Internet Fund – KWEB). بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون فرصة فعالة لتنويع المحفظة الاستثمارية، خصوصاً لأولئك الذين استفادوا من مكاسب الأسهم الأميركية في السنوات الأخيرة.
يضيف أهيرن: “البنك الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة ويحتمل أن يكون هناك ركود قادم، فلماذا لا تأخذ جزءاً من تلك الأرباح وتضعها في الصين التي تعتبر أسعار أسهمها رخيصة؟ هناك فرصة كبيرة في هذه التقييمات”.
لا يزال تمثيل الصين في المؤشرات العالمية لا يعكس بشكل كامل إمكاناتها الاقتصادية الكبيرة، وبعد الارتفاع القوي الذي شهدته الأسواق عقب الإعلان عن السياسات الجديدة، لم يكن التراجع الذي حدث يوم الأربعاء مفاجئاً، وفقاً للرئيس التنفيذي لـ”ماركت فكتور إنديسيس”، موضحاً” في الواقع، هذا يعني ببساطة أن المستثمرين يمكنهم شراء الأسهم الصينية بسعر مخفض قليلاً”.
قال نوح دامسكي، المؤسس في “مارينا ويلث أدفايزورز” (Marina Wealth Advisors) في لوس أنجلوس: “إذا كان المستثمرون يعتقدون أن دعم الحكومة كافٍ لإيقاف تراجع الأسواق، فإن الوقت الحالي قد يكون مناسباً للغاية للشراء”.
أين تكمن المخاطر؟
هناك مخاوف من أن تكون تأثيرات التحفيز قصيرة الأجل، وخاصة بالنسبة لسوق الأسهم، ولا يزال هناك بطء في أداء الاقتصاد حالياً، حيث تستغرق السياسات بعض الوقت لتؤتي ثمارها. بالإضافة إلى ذلك، قد تطغى مجموعة من المشكلات التي تواجه الصين، مثل التوترات الجيوسياسية وضعف قطاع العقارات، على أي تفاؤل بالسياسات الجديدة.
رغم أن ارتفاع السوق قد يعزز من معنويات المستهلكين في المدى القريب، إلا أن التباطؤ المستمر في قطاع العقارات يمكن أن يؤثر سلباً على الثقة ويوقف هذا الارتفاع إذا لم تُتخذ إجراءات تحفيز مالي إضافية”، حسبما رأت ميشيل جيبلي، مديرة الأبحاث الدولية في “شواب سنتر فور فايننشال ريسيرتش” (Schwab Center for Financial Research).
تابعت أن الحكومة الصينية كانت في الماضي قلقة بشأن إصدار تدابير تحفيز واسعة النطاق خوفاً من التسبب في “فقاعة مضاربة”. لذلك، يرجح أن تستمر باعتماد تدابير صغيرة وموجهة بشكل دقيق.
وبحسب دامسكي، فإن التقلبات التي شهدتها الأسواق هذا الأسبوع تبرز المخاطر المحتملة للاستثمار في الأسواق الصينية. وأضاف أن المستثمرين يدركون أن هناك عدم استقرار، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، وهو ما يفسر لماذا قد تبدو التقييمات جذابة بشكل مضلل.
كيف يمكنني الاستثمار؟
شراء أسهم في صندوق متداول في البورصة هو أسهل طريقة للمراهنة على انتعاش الصين، خاصة بالنسبة للمستثمر الأجنبي. يمكن شراء هذه الصناديق مباشرة عبر حسابات الوساطة وعادة ما تكون تكلفتها منخفضة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه الطريقة عادةً أكثر أماناً من اختيار سهم واحد فقط للاستثمار فيه.
في الولايات المتحدة، بعض أكبر صناديق الاستثمار المتداولة للصين حالياً هي “آي شيرز إم إس سي آي إي تي إف” (iShares MSCI China ETF)، والتي تتبع أكبر الأسهم الصينية، و”كي ويب” (KWEB) من “كرين شيرز”، والتي تستثمر في شركات التكنولوجيا الصينية.
هناك أيضاً “آي شيرز تشاينا لارج كاب إي تي إف” (iShares China Large-Cap ETF) و”إكس تراكرز هارفيست سي إس آي 300 تشاينا إيه شيرز إي تي إف” (Xtrackers Harvest CSI 300 China A-Shares ETF)، والتي تشمل أسهماً محلية كبيرة ومتوسطة القيمة.
بالنسبة للذين يريدون استثماراً أكثر تخصصاً في السوق الصينية، فإن هناك صندوقاً جديداً يُدعى “راوند هيل تشاينا دراغونز” (Roundhill China Dragons). هذا الصندوق يهدف إلى متابعة أداء مجموعة متساوية من بين 5 إلى 10 من أكبر وأهم الشركات التقنية المبتكرة في الصين.
للمقيمين في المملكة المتحدة، هناك بعض صناديق الاستثمار المتداولة الكبرى للاستثمار في الصين تشمل صندوق “آي شيرز إم إس سي آي تشاينا إيه يو سي آي تي إس إي تي إف” (iShares MSCI China A UCITS ETF) وصندوق “إتش إس بي سي تشاينا يو سي آي تي إس إي تي إف” (HSBC MSCI China UCITS ETF). أما بالنسبة للمقيمين في هونغ كونغ، فهناك أيضاً صندوق “هانغ سنغ تشاينا إنتربرايزيز إندكس إي تي إف” (Hang Seng China Enterprises Index ETF) وصندوق “آي شيرز كور إم إس سي آي تشاينا إي تي إف” (iShares Core MSCI China ETF).
ما الذي ينبغي التنبه إليه للمستثمر الأجنبي؟
التغيرات المفاجئة في السياسات قد تربك حتى الخبراء وتكون صعبة المتابعة بشكل خاص للمستثمرين من الخارج. تقترح جيبلي من “شواب” أن نبدأ بتخصيص جزء صغير للاستثمار في الأسواق الناشئة، والتي تشمل الصين إلى جانب دول أخرى مثل البرازيل والهند، للحصول على تنويع أكبر في الاستثمارات.
في الوقت نفسه، يوصي شونفيلد المستثمرين بالتركيز على الشركات ذات القيمة السوقية الأكبر. وقال: “كمستثمر أجنبي، عليك أن تقبل أنك لن تفهم كل الأسس وكل الأنشطة. لكنك تتوقع أن تذهب الأجزاء الأكبر من هذا التحفيز إلى الشركات الأكبر والأكثر سيولة”.