أعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي يوم الخميس خفض أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الثانية على التوالي بنحو 25 نقطة أساس إلى نطاق ما بين 4,50-4,75%، استجابة لاستمرار تراجع الضغوط التضخمية التي سببت استياء الكثيرين من الأميركيين وساهمت في فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية.
ورغم أن القرار كان متوقعا بشكل كبير قبل إعلانه، إلا أن الخطوات المستقبلية من جانب مجلس الفدرالي تبدو أشد غموضا بعد الانتخابات، في ضوء أن المقترحات الاقتصادية للرئيس المنتخب ترامب تعتبر بدرجة كبيرة تهديدا بزيادة الضغوط التضخمية. كما أثار انتخاب ترامب احتمال تدخل البيت الأبيض في قرارات السياسة النقدية التي يتخذها المجلس، حيث أعلن ترامب أنه بصفته رئيسا يجب أن يكون له صوت في قرارات أسعار الفائدة التي يتخذها المجلس.
ويذكر أن الفدرالي حافظ لوقت طويل على وضعه كمؤسسة مستقلة قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة بشأن أسعار الفائدة ومتحررة من الضغوط السياسية. ولكن خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، هاجم علانية رئيس الفدرالي جيروم باول بعد قراراته رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، ومن المرجح أن يعود إلى نفس السياسات مجددا مع عودته للرئاسة.
في الوقت نفسه فإن الاقتصاد الأميركي حاليا يعطي إشارات متعارضة، حيث يسجل نموا قويا لكن معدلات التوظيف ضعيفة، ورغم ذلك فإن الإنفاق الاستهلاكي قوي، وهو ما يثير المخاوف من أنه لا يوجد ما يستدعي قيام الفدرالي بخفض تكاليف الاقتراض، وأن خفضها يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للاقتصاد وربما عودة التضخم إلى الارتفاع.
ويعتزم الرئيس المنتخب ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الأقل، إلى جانب رسوم أعلى على المنتجات الصينية، وترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين غير القانونيين، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم. ويعني هذا احتمالية اضطرار الفدرالي لعكس مسيرته في خفض الفائدة، بل وربما رفعها لملاحقة التضخم.
رئيس الاحتياطي الفدرالي يؤكد تحرك التضخم نحو مستهدف البنك عند 2%
قال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول يوم الخميس خلال مؤتمر صحفي أعقب اجتماع لجنة السياسات النقدية في البنك، إن سوق العمل لا يزال قويا، خاصة مع انخفاض كبير في التضخم، وأكد باول على ثقته في أن التضخم سيتحرك بشكل مستدام إلى هدف البنك عند 2%، رغم أن التضخم الأساسي لا يزال مرتفعاً.
وأوضح باول أن التغير في بيان لجنة السياسات، الذي أغفل الثقة في تحرك التضخم نحو الهدف لم يكن المقصود منه نقل أي شيء عن مدى صلابة التضخم، لكن”اكتسبنا الثقة في تحرك التضخم نحو 2%”.
وأشار باول إلى أن المخاطر التي تواجه تحقيق الأهداف متوازنة تقريبًا، موضحاً أن خفض أسعار الفائدة سيساعد في الحفاظ على قوة الاقتصاد، مشيرا إلى أن الاقتصاد الأميركي يتفوق على نظرائه العالميين ويتغلب على المخاطر الجيوسياسية.
وقال إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لن يؤثر بشكل مباشر على السياسة النقدية، “في الأمد القريب، لن يكون للانتخابات أي تأثير على قراراتنا السياسية”. ومع ذلك، فقد أصدر تحذيرًا مفاده أن أي تغيير في الإدارة قد يساعد في تشكيل سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي مع سعي البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة.
وقال: “من حيث المبدأ، من الممكن أن يكون لسياسات أي إدارة أو سياسات وضعها الكونغرس تأثيرات اقتصادية بمرور الوقت، لذا، إلى جانب عدد لا يحصى من العوامل الأخرى، سيتم تضمين توقعات تلك التأثيرات الاقتصادية في نماذجنا للاقتصاد وسيتم أخذها في الاعتبار”.
وأكد رئيس الاحتياطي الفدرالي على أن التحركات في أسعار السندات لا تتعلق في الغالب بتوقعات ارتفاع التضخم. أسعار السندات تعكس توقعات النمو، قائلا: “نحن لسنا في المرحلة التي يتعين فيها أخذ أسعار السندات في الاعتبار عند وضع السياسات”.
وقال باول إنه منذ اجتماع سبتمبر، كانت بيانات النشاط الاقتصادي أقوى بشكل عام، مشيراً إلى أنه لا يريد تقديم الكثير من التوجيهات المستقبلية، خاصة في ظل قدر كبير من عدم اليقين.
وأعرب باول عن عدم وجود قرارات ملموسة لدى المركزي في المستقبل، فيما يتعلق بمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة، قائلا: “عند النظر في التعديلات الإضافية على النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، ستقيم اللجنة بعناية البيانات الواردة والتوقعات المتطورة وتوازن المخاطر”(…) “نحن لسنا على أي مسار محدد مسبقًا. سنستمر في اتخاذ قراراتنا، اجتماعًا تلو الآخر”.
وقال باول “إذا ظل الاقتصاد قويًا ولم يتحرك التضخم بشكل مستدام نحو 2%، فيمكننا تقليص ضبط السياسة بشكل أبطأ، وإذا ضعف سوق العمل بشكل غير متوقع، أو انخفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع، فيمكننا التحرك بشكل أسرع”.
وأضاف باول أنه ليس قلقًا بشأن الاقتصاد على الرغم من صدور تقرير تضخم واحد “أعلى قليلاً من المتوقع”، وقال: “بشكل عام، [نحن] نشعر بالرضا عن النشاط الاقتصادي”. “في الوقت نفسه، حصلنا على تقرير تضخم واحد … لم يكن سيئاً، لكنه كان أعلى قليلاً من المتوقع”.
واستطرد باول: “بحلول ديسمبر، سيكون لدينا المزيد من البيانات، أعتقد تقريرًا آخر عن العمالة، وتقريرين آخرين عن التضخم والكثير من البيانات الأخرى، وسنتخذ القرار مع وصولنا إلى ديسمبر”.
وقال باول خلال المؤتمر الصحفي، إنه لن يستقيل إذا طلب الرئيس المنتخب دونالد ترامب استقالته.
في الوقت الذي سيراقب المستثمرون عن كثب العلاقة المثيرة للجدال بين الرئيس المنتخب ورئيس بنك الاحتياطي الفدرالي.
حيث عين ترامب باول في عام 2017، لكنه انتقد رئيس البنك المركزي مرارًا وتكرارًا خلال ولايته الأولى كرئيس، بحجة أن باول لم يخفف السياسة النقدية بالسرعة الكافية.
قال ترامب في مقابلة صحافية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إن الرئيس يجب أن يكون قادرًا على التدخل في قرارات أسعار الفائدة، مضيفاً : “لا أعتقد أنه يجب السماح لي بإصدار الأمر، لكنني أعتقد أن لدي الحق في التعليق على ما إذا كانت أسعار الفائدة يجب أن ترتفع أو تنخفض”.
فيما ستنتهي فترة رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي الحالية في عام 2026.
وخفّض الاحتياطي الفدرالي الخميس سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى ما بين 4.50% و4.75%، في قرار يأتي غداة فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وقالت لجنة السياسات النقدية في البنك في بيان صدر في ختام اجتماع بدأ صباح الأربعاء إنّ “ظروف سوق العمل آخذة في التحسّن”، وفي حين “أحرز التضخّم تقدّما في عودته إلى هدف 2% (…) إلا أنه لا يزال مرتفعا”.
أبرز 5 استنتاجات من قرار الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة
فيما يلي أبرز 5 استنتاجات من قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة يوم الخميس:
اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة صوتت بالإجماع لصالح خفض سعر الفائدة 25 نقطة أساس إلى النطاق المستهدف 4.5% إلى 4.75%.
الاحتياطي الفيدرالي عدّل صياغة البيان ليشير إلى أن “ظروف سوق العمل تحسنت بشكل عام”، وكرر أن “معدل البطالة ارتفع ولكنه لا يزال منخفضاً”.
حذف البنك المركزي الأميركي من البيان المرافق للقرار الإشارة إلى حدوث “مزيد” من التقدم على صعيد التضخم، وأشار إلى أن التضخم “حقق تقدماً نحو هدف اللجنة البالغ 2% ولكنه لا يزال مرتفعاً إلى حد ما”.
أيضاً حذف الاحتياطي الفيدرالي جملة بالبيان تقول إن اللجنة “اكتسبت ثقة أكبر” بأن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدف 2%.
أبقى البنك المركزي الأميركي بالبيان على جملة تشير إلى أن المخاطر التي تواجه تحقيق أهداف التوظيف والتضخم “متوازنة تقريباً”