دفع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية أسواق الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة، ورفع الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى منذ عامين، إلا أن هذا الصعود جاء على حساب بقية العالم.
تراجعت الأسهم خارج الولايات المتحدة الأميركية بطريقة كبيرة، إذ شهد مؤشر”إم إس سي آي”لأسواق الأسهم العالمية أسوأ يوم له منذ التراجع العالمي في 5 أغسطس الماضي. كما فقد مؤشر العملات في الأسواق الناشئة أكثر من 1% منذ الانتخابات الأميركية، ما يهدد بمحو مكاسب العام الحالي. في الوقت نفسه، هبطت بشدة الأسهم الأوروبية وسعر صرف اليورو.
اتساع الفجوة مع الأصول الأميركية
باتت الفجوة بين الأصول الأميركية وغير الأميركية أكثر وضوحاً مع تشكيل ترمب لإدارته، إذ عين شخصيات موالية له لتنفيذ سياساته التي تحمل شعار “أميركا أولاً”. وفاقم ذلك مخاوف المستثمرين بشأن تصاعد الحروب التجارية، لا سيما مع الصين، إلى جانب سياساته الاقتصادية التي ربما ترفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة وتقيد خيارات اتخاذ القرار في البنوك المركزية.
حثت المخاوف المستثمرين على تحويل أموالهم نحو الأصول الأميركية. ووفق استطلاع رأي أجراه مصرف “بنك أوف أميركا”، فإن استثمارات مديري الصناديق في الأسهم الأميركية بلغت أعلى مستوياتها منذ 2013. في المقابل، تضررت الأسواق الناشئة مثل الصين والمكسيك، والتي تُعتبر الأكثر عرضة لمخاطر سياسات ترمب التجارية.
أشار راجيف دي ميلو، رئيس قسم الاستثمار في “غاما أسيت مانجمنت” (Gama Asset Management) إلى أن “سياسات ترمب المحلية ستفيد الشركات الأميركية”. وأضاف: “قللنا من الدخول في الأصول عالية المخاطر قبل الانتخابات الأميركية، والآن حان الوقت لزيادة الاستثمارات، لكن مع التوجه نحو الأصول التي ستستفيد من السياسات المتوقعة لترمب”.
من المتوقع أن يكون اليوم صعباً أيضاً، إذ هبط مؤشر”إم إس سي آي” للأسهم الآسيوية بنحو 1%، ما ينذر بافتتاح ضعيف في أسواق أوروبا. كما أن مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري شهد تغيرات طفيفة بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته منذ نوفمبر 2022 في الجلسة السابقة.
ترمب واحتمالات الحرب التجارية
يراقب المستثمرون عن كثب تعيينات ترمب للحقائب الوزارية بحثاً عن إشارات حول ما إذا كانت وعود حملته الانتخابية ستتحول إلى سياسات فعلية. وكان الرئيس الأميركي المنتخب تعهد سابقاً بفرض رسوم جمركية ضخمة تصل إلى 20% على كافة البضائع الأجنبية، و60% أو أكثر على الواردات من الصين. وأثار هذا الأمر مجدداً مخاوف من نشوب حرب تجارية جديدة ربما تعطل سلاسل التوريد العالمية وتضر بالشركات التي تعتمد بصورة كبيرة على المبيعات داخل السوق الأميركية.
تشمل مقترحات ترمب الأخرى عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين وتخفيض ضرائب، ما قد يسفر عن ارتفاع التضخم ويحد من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على خفض أسعار الفائدة.
في ظل دعم هذه التوقعات للدولار الأميركي وضغطها على عملات الأسواق الناشئة، تدخلت بعض البنوك المركزية، مثل بنك إندونيسيا والبنك المركزي البرازيلي، في الأسواق خلال الأسبوع الماضي لدعم عملاتها. وحدد بنك الشعب الصيني أيضاً سعراً مرجعياً لليوان أقوى من تقديرات السوق اليوم، ما يدل على عدم ارتياحه تجاه ضعف العملة وسط تهديدات بفرض رسوم جمركية أميركية أعلى.
البحث عن ملاذات آمنة
رغم ذلك، لا يعني هذا القول بأن الأسواق تخلو من الملاذات الآمنة. وبدأت شركات إدارة الأصول مثل “بيكتيت أسيت مانجمنت” (Pictet Asset Management) تعزز استثماراتها في أسواق مثل الهند التي يُعتقد أنها أقل تأثراً بسياسات ترمب. ويمكن للرسوم الجمركية العقابية على البضائع الصينية أن تشجع أيضاً على تحويل الاستثمارات من ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو جنوب شرق آسيا، بحسب شركة “كاسيكورن أسيت مانجمنت” (Kasikorn Asset Management). لكن في الوقت الحالي، تبدو الأصول الأميركية الرابح الأكبر.
اختتم مايكل براون، كبير الخبراء الاستراتيجيين في “بيبرستون غروب” (Pepperstone Group): يبدو أن موضوع ’الاستثنائية الأميركية‘ ما زال في جعبته الكثير ليقدمه. أثق تماماً في سيناريو صعود الأسهم، خاصة مع احتمال أن تعطي إدارة ترمب المقبلة دفعة إضافية للنمو الاقتصادي وأرباح الشركات من خلال جولة جديدة من تخفيضات الضرائب”.