تباطأ الاقتصاد البريطاني أكثر من المتوقع في الربع الثالث بعد انكماش مفاجئ في سبتمبر مع تزايد القلق بشأن الخطط المالية لحكومة حزب العمال الجديدة.
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% عن الربع السابق، وهو ما يقل عن الزيادة التي توقعها خبراء الاقتصاد بنسبة 0.2%، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية صدرت يوم الجمعة. انكمش الاقتصاد بنسبة 0.1% في سبتمبر لوحده، وهو ما يفوق بكثير النمو المتوقع بنسبة 0.2%.
تمثل هذه الأرقام بداية مخيبة للآمال لوعد رئيس الوزراء كير ستارمر بتسريع النمو في المملكة المتحدة إلى معدل سنوي يبلغ 2.5%، وهو الأسرع بين دول مجموعة السبع.
شهد الاقتصاد البريطاني أسرع نمو بين اقتصادات مجموعة الدول السبع خلال النصف الأول من العام، حيث انتعش بسرعة من الركود المعتدل الذي عانى منه العام الماضي. ومع ذلك، تباطأ النمو بشكل حاد من 0.5% في الربع الثاني.
مخاوف من زيادات ضريبية
يبدو أن الاقتصاد ربما تأثر سلباً بالمخاوف المتزايدة بشأن أول ميزانية لحزب العمال، حيث هبطت ثقة المستهلكين والشركات في سبتمبر بسبب المخاوف من الزيادات الضريبية المحتملة. وقد تحققت هذه المخاوف عندما أعلن حزب العمال عن زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني (50.7 مليار دولار) في الثلاثين من أكتوبر، حيث تتحمل الشركات الجزء الأكبر من هذه الزيادات.
سجل قطاع الخدمات استقراراً في سبتمبر، بينما انكمش قطاع التصنيع بنسبة 1%. ولم يسجل قطاع البناء سوى نمو ضئيل بلغ 0.1%، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية.
“تشير هذه الأرقام إلى أن الاقتصاد خرج عن طوره حتى قبل الموازنة، حيث ساعد ضعف ثقة الشركات والمستهلكين في إضعاف الناتج في الربع الثالث، وخاصة في سبتمبر”، بحسب سورين ثيرو، مدير الاقتصاد في معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز.
وأضاف: “بعد النصف الأول من العام الذي شهد أداءً قوياً، ترسم نتائج الربع الثالث صورة أكثر واقعية لمسار النمو الأساسي في المملكة المتحدة”.
ترى هايلي لو، الخبيرة الاقتصادية المساعدة في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن “الأرقام الفصلية الضعيفة تعكس تأثير حالة عدم اليقين التي تسبق الموازنة”.
تأثير تهديدات ترمب
مع ضعف الصورة المحلية، فإن الخلفية الاقتصادية العالمية أصبحت قاتمةً أيضاً في الأسابيع الأخيرة. إذ يخيم على آفاق الاقتصاد البريطاني تهديد موجة جديدة من الحمائية التي أشعلها انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة. وفي يوم الخميس، حث محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز على عدم الرد إذا رفع ترمب الرسوم الجمركية، كما هدد.
وفي رده على أحدث أرقام الناتج المحلي، قال ريفز: “تحسين النمو الاقتصادي هو جوهر كل ما أسعى إلى تحقيقه، ولهذا السبب أنا غير راضٍ عن هذه الأرقام”.
تأتي هذه الأرقام بعد يوم من إلقاء ريفز خطابها الافتتاحي في قصر “مانشن هاوس” في مدينة لندن أمام قادة الأعمال، حيث قالت إن الحملة على البنوك في أعقاب الأزمة المالية العالمية ذهبت إلى أبعد مما ينبغي وتعوق النمو.
ومع ذلك، فإن التحدي الذي تواجهه الحكومة لتسريع النمو تم تسليط الضوء عليه من خلال أرقام منفصلة أظهرت انخفاض الإنتاجية في الربع الثالث مع ارتفاع الإنتاج في الساعة بنسبة 2% فقط فوق مستواه المتوسط في عام 2019 قبل أن تضرب الجائحة.
تباطؤ واسع النطاق
تعد أرقام النمو التي صدرت يوم الجمعة الأولى التي تُغطي الفترة منذ فوز حزب العمال بالسلطة في انتخابات يوليو وطرحه مجموعة من السياسات لتعزيز الاقتصاد. وحتى الآن، قاوم “مكتب مسؤولية الموازنة” تقديم تحديثات للنمو التي قد تحول آفاق المالية العامة.
قالت ليز ماكيون، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية، إن التباطؤ كان واسع النطاق مع “نمو ضعيف في معظم الصناعات” في الربع الثالث. ارتفعت أعمال التجزئة والبناء الجديدة، لكن الاتصالات وتجارة الجملة انخفضت. وعلى أساس الفرد، انكمش الاقتصاد بنسبة 0.1% في الربع، مما يعكس نمو السكان.
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يتسارع نمو الاقتصاد العام المقبل مع تلاشي أزمة غلاء المعيشة وبدء خفض أسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا. وتشير توقعات القطاع الخاص إلى أن النمو سوف يرتفع من 1% هذا العام إلى 1.3% في عام 2025، وهو ما يظل أقل بكثير من المستويات الطموحة التي تعهد بها ستارمر.
سيراقب بنك إنجلترا أرقام الناتج المحلي الإجمالي عن كثب، في الوقت الذي يتراجع فيه ببطء عن زيادات أسعار الفائدة الـ14 المتتالية التي أجراها لمعالجة التضخم. وقد أشار إلى وتيرة تدريجية لخفض أسعار الفائدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى توقعات برفع التضخم مرة أخرى بسبب الميزانية.