يتجه البنك المركزي الأوروبي نحو خفض أخير في أسعار الفائدة لهذا العام يوم الخميس، ومن المتوقع أن يقتصر الخفض على ربع نقطة مئوية بدلاً من نصف نقطة، إلا أن الاقتصاديين يتوقعون وتيرة أسرع لتيسير السياسة النقدية في الفترة المقبلة.
سيكون الاجتماع حاسماً لتقديم التوجهات المستقبلية لعام 2025، خصوصاً مع إصدار موظفي البنك المركزي الأوروبي توقعاتهم الفصلية للنمو والتضخم. ستأخذ هذه التوقعات في الاعتبار التأثير العالمي غير المؤكد لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتهديداته بفرض رسوم تجارية شاملة.
حتى الآن، خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الأساسي من 4% إلى 3.25% هذا العام عبر ثلاث تخفيضات بواقع 25 نقطة أساس بين يونيو حزيران وأكتوبر تشرين الأول.
كانت إمكانية أن يختتم البنك العام بخفض قدره 50 نقطة أساس قائمة بعد اجتماع الخريف الأخير، حيث صرح عدد من صانعي السياسة لـ«CNBC» أنهم سيظلون يعتمدون على البيانات، وأن تراجع التضخم في منطقة اليورو وتدهور التوقعات الاقتصادية قد يبرر خطوة كبيرة في ديسمبر كانون الأول.
عودة رياح التضخم
لكن تسعير الأسواق النقدية الآن يشير إلى فرصة ضئيلة لخفض كبير. حتى صباح الأربعاء، ويقول الاقتصاديون إن الزيادة الأخيرة في نمو الأجور المتفاوض عليها في نوفمبر تشرين الثاني ستتطلب الحذر.
ارتفع التضخم الرئيسي مرة أخرى فوق الهدف في نوفمبر تشرين الثاني، ليصل إلى 2.3% مقارنة بـ2% في أكتوبر تشرين الأول، وفي الوقت ذاته، نما اقتصاد منطقة اليورو بأسرع وتيرة له منذ عامين في الربع الثالث، وإن كان بمعدل متواضع بلغ 0.4%.
قال سيلفان بروير، كبير الاقتصاديين لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في وكالة «إس آند بي غلوبال»: «ليس هناك حاجة للاستعجال في هذه المرحلة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي».
وأضاف: «التضخم، على الأقل على المدى القصير، تحت السيطرة. ولكن طالما أن تكاليف العمالة تزيد عن الإنتاجية، يجب على البنك المركزي الأوروبي أن يظل حذراً أو يتبنى موقف الانتظار والترقب قبل خفض أسعار الفائدة».
من المرجح أن يترجم هذا إلى خفض بواقع 25 نقطة أساس في ديسمبر كانون الأول، حسبما أوضح بروير، يليه تخفيضات أخرى بوتيرة «سريعة» للوصول إلى موقف محايد للسياسة النقدية لا يقيّد النمو ولا يحفزه.
تشير عدة توقعات إلى أن هذه الوتيرة ستعني خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس في جميع اجتماعات البنك المركزي الأوروبي الستة خلال عام 2025 حتى سبتمبر أيلول، ما يؤدي إلى خفض سعر الفائدة الرئيسي -سعر الفائدة على الودائع- من 3% إلى 1.5%.
يشمل ذلك باحثين في بنك «دانسكي» الدنماركي، الذين أشاروا في مذكرة يوم الثلاثاء إلى أن صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي سيناقشون خفضاً بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع ديسمبر كانون الثاني، لكنهم سيستقرون في النهاية على خطوة أقل حجماً.
وأضافوا أنهم يتوقعون «رد فعل إيجابياً في الأسواق»، حتى إذا غيرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد رسائلها باتجاه أكثر ميلاً إلى التيسير النقدي.
قامت وحدة الأبحاث العالمية في بنك أوف أميركا يوم الثلاثاء بتحديث توقعاتها بشأن وتيرة تخفيض أسعار الفائدة، متوقعةً خفضاً يؤدي إلى وصول سعر الفائدة على الودائع إلى 1.5% بحلول سبتمبر أيلول المقبل، مقارنةً بتقديرها السابق الذي رجح خفضاً يصل إلى 2% بحلول يونيو حزيران.
وقال استراتيجيون في البنك: «مع اقتصاد سينمو عند أو دون معدله الطبيعي لمعظم عام 2025، نعتقد أنه سيكون من الصعب على البنك المركزي الأوروبي تجاوز أي اجتماع قبل أن يصل [سعر الفائدة على الودائع] إلى ما دون المستوى الذي يراه معدلاً محايداً (2%)، أو إلى المستوى الذي نراه نحن (1.5%)».
التحديات الجيوسياسية
تمثل التحديات الجيوسياسية عاملاً رئيسياً يدعم التوقعات الأكثر تيسيراً لعام 2025. ويستعد البنك المركزي الأوروبي لمواجهة عام مليء بـ«الجهود المكثفة» لدعم النمو المتراجع في منطقة اليورو، بينما تؤدي الاضطرابات السياسية في أكبر اقتصادين في المنطقة، ألمانيا وفرنسا، إلى ارتفاع عوائد السندات في هذين البلدين الرئيسيين، وفقاً لما قاله كارستن بريزسكي، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في «آي إن جي ريسيرش»، خلال فعالية تناولت توقعات عام 2025 الأسبوع الماضي.
وأضاف بريزسكي أن السياسات الأميركية المتوقعة في عهد ترامب، مثل خفض الضرائب وإلغاء اللوائح التنظيمية وجذب الاستثمارات من أوروبا، قد تكون أكثر ضرراً على اقتصاد منطقة اليورو من التعريفات الجمركية، لكنها تظل محاطة بحالة عالية من عدم اليقين بشأن ما سيتم تطبيقه فعلياً من هذه السياسات.
أشار بريزسكي إلى أن الاقتصادات في جنوب أوروبا قد تستمر في الاستفادة من ازدهار السياحة بعد الجائحة، حيث لا تحتاج هذه الدول إلى التنافس مع التصنيع الصيني. ومع ذلك، يرى أن النصف الأول من العام سيكون فترة ركود سياسي في ألمانيا وفرنسا.
وفي الجانب الإيجابي، قد يكون هناك تأثير إيجابي متأخر من النمو الأخير في الدخل الحقيقي والادخار، مما يوفر دعماً قوياً للاقتصاد في عام 2025. لكن، في الجانب السلبي، يتوقع بريزسكي سيناريو جريئاً يتمثل في توجه أوروبا نحو تدابير حمائية خاصة بها كرد فعل على سياسات ترامب، مما قد يدفع التجارة العالمية للسلع إلى حرب تجارية شاملة.