من خلال مضمون خطاب القسم، لا يبدو أن رئيس الجمهورية الرابع عشر، يحتاج إلى من يقدّم له لائحة بالأولويات الاقتصادية التي ينبغي أن يركّز عليها في عهده. وما قاله في مجلس النواب، وقبل الدخول إلى قصر بعبدا، فيه الكثير من الملفات التي يتشابك فيها السياسي بالاقتصادي بالأمني، بحيث يصبح المشهد مترابطاً، ويكفي أن يسير القطار على السكة المرسومة حتى يجرّ وراءه كل القاطرات التي تضم الهواجس الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
وإذا كان العماد جوزيف عون قد عنْونَ أولوياته بقضاءٍ مستقل، فهذا القضاء المنشود هو في الأساس الممر الالزامي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلى واقعتين اقتصاديتين:
أولاً- رفع لبنان عن اللائحة الرمادية، ومنع انزلاقه إلى اللائحة السوداء، على اعتبار أن (FATF) ذكرت في حيثيات إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، أن القضاء غير المستقل يشكّل نقطة سوداء أساسية في الملف، لأن دعاوى تبييض الأموال تتوقف في القضاء، ولا تصدر الأحكام، بسبب الضغوطات السياسية.
ثانياً- جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، انطلاقاً من حقيقة أن أول ما يسأل عنه المستثمر، لا سيما الأجنبي، هو حالة القضاء في أية دولة يريد الدخول إليها بأمواله.
كما وعد عون في خطاب القسم بوقف التهريب، وهذا الأمر إذا ما تحقّق يقود إلى مجموعة نتائج اقتصادية من أهمها:
1- القضاء على الاقتصاد الأسود غير الشرعي، مقابل تنمية الاقتصاد الشرعي، مع ما يعنيه ذلك من نمو في حجم الاقتصاد، ونمو في إيرادات الخزينة، حيث تشير التقديرات إلى أن الخزينة تفقد حوالى 30 إلى 40 في المئة من حقوقها المالية بسبب التهريب والتهرّب الضريبي.
2- تسهيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لأن وقف التهريب يعتبر من أبرز الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي.
كما تجدر الإشارة أيضاً، إلى أن عون تحدث بوضوح عن إعادة هيكلة القطاع العام، وهو مطلب إصلاحي آخر يقرّبنا من “التصالح” مع المجتمع الدولي، ويمهّد للتعافي الاقتصادي، من خلال خفض العجز، وتحسين إنتاجية موظف القطاع العام.
كذلك تحدث رئيس البلاد عن “حق الدولة في احتكار حمل السلاح”. هذا العنوان، وعلى عكس ظاهره، ليس سياسياً أو أمنياً بقدر ما هو اقتصادي. حصرية السلاح تعني العودة إلى مبدأ دولة طبيعية مثل أية دولة أخرى، ومثل هذه الخطوة هي الباب الأمامي للشروع بالتعافي الاقتصادي، ومن دون هذه الحصرية، لا قيمة حقيقية لكل الإجراءات التي يمكن اتخاذها للعودة إلى التعافي والازدهار. وربطاً بهذا الموضوع، جاءت إشارة عون إلى أن لبنان لن يصدّر “للدول إلا أفضل المنتجات والصناعات ونستقطب السياح”.
لا أحد يدّعي أن ما قاله عون سيتحقّق، ولن يكون شبيهاً بما وعد به من سبقوه وعجزوا عن تحقيق وعودهم، عن قصد أو عن عجز، لكن المناخ الدولي والعربي الذي يرافق وعود الرئيس الجديد، وسجل عون في إدارة المؤسسة العسكرية في مرحلة أكثر من خطيرة ودقيقة وحسّاسة، يدفعنا إلى أن نحلم بأن الكلام هذه المرة سيكون بمثابة عهود قابلة للتنفيذ. قولوا الله.
أنطوان فرح