تواجه أقوى موجة ارتفاع لسوق الأسهم الأميركية على مدى عامين، منذ فقاعة شركات الإنترنت المعروفة باسم “الدوت كوم”، صوب اختبار كبير جديد مع بدء الشركات في الإعلان عن أرباحها الفصلية، مما سيشكل اختباراً حقيقياً لمعرفة ما إذا كانت التقييمات قد تجاوزت الواقع الفعلي لأداء الشركات.
تراجع مؤشر “إس آند بي 500” يوم الجمعة بنسبة 1.5%، مسجلاً أسوأ انخفاض له منذ منتصف ديسمبر، بعد زيادة مفاجئة في معدلات التوظيف، عززت التكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة مجدداً حتى النصف الثاني من العام.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في التقديرات المرتفعة التي وضعها المستثمرون، إذ يتوقعون أن تُظهر التقارير المالية أن متانة الاقتصاد ساهمت في زيادة أرباح شركات مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 7.3% خلال الربع الأخير مقارنة بالعام السابق، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”. وهذه هي ثاني أعلى التوقعات قبل الموسم خلال السنوات الثلاث الفائتة، مما يهدد بالتأثير سلباً على استقرار أسهم الشركات، إذا جاءت النتائج -أو التوقعات للأشهر المقبلة- أقل من التقديرات.
صعوبات أمام الشركات الأميركية
مع تسعير مؤشر “إس آند بي 500” عند نمو لربحية السهم بحوالي 23% في الأشهر الاثني عشر المقبلة، فإن التقديرات التي تنطوي عليها أسعار الأسهم مرتفعة بشكل غير اعتيادي، وفق بيانات “بلومبرغ إنتليجنس”.
إجماع التوقعات من الأقل إلى الأعلى، وهي طريقة لتوقع أداء الأسهم المستقبلي من خلال جمع تقديرات المحللين الفردية لكل شركة من شركات مؤشر “إس آند بي 500″، يشير إلى تحقيق نمو بنسبة 13% في ربحية السهم لعام 2025، مما يعني أن هذه التوقعات بحاجة إلى أن تتضاعف تقريباً لتبرير المستوى الحالي لتداول مؤشر “إس آند بي 500”.
قال مايكل كاسبر، محلل استراتيجي أول للأسهم في “بلومبرغ إنتليجنس”: “لم نرَ حاجزاً بهذا الارتفاع منذ عام 2018″، و”سيكون من الصعب للغاية على الشركات أن تستمر في تجاوز تقديرات الأرباح هذا العام مقارنة بعام 2024، لأن التوقعات كانت أقل بكثير حينها”.
سيبدأ موسم أرباح الربع الأخير رسمياً يوم الأربعاء، بقيادة الشركات المالية الكبرى مثل “جيه بي مورغان” و”سيتي غروب” و”بلاك روك”. ستعلن المزيد من الشركات الرئيسية نتائجها في الأسبوع التالي، بما في ذلك “نتفلكس” و”بروكتر آند غامبل” (Procter & Gamble) و”ثري إم كو” (3M Co).
إليكم نظرة على خمسة مواضيع رئيسية يجب مراقبتها مع إعلان نتائج الشركات:
النمو الشامل
إحدى القضايا التي تحظى بمتابعة دقيقة هي ما إذا كان زخم نمو الأرباح سيشمل شركات أخرى بخلاف تلك التكنولوجية الكبرى، مما قد يمنح دفعة لبعض الشركات المتأخرة عن أداء السوق العام. في ظل أداء اقتصادي جيد، من المتوقع أن تُعلن الشركات بخلاف تلك الكبرى في قطاع التكنولوجيا عن نمو في الأرباح للربع الثالث على التوالي، حيث يُقدر أن الأرباح ستزيد بنسبة 4% وتتسارع نحو زيادات في خانة العشرات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، حسب بيانات جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”.
ستظل شركات التكنولوجيا محركاً رئيسياً للسوق. لكن المستثمرين مستعدون لإعلان ما يُسمى بالعظماء السبعة- “إنفيديا” و”أبل” و”مايكروسوفت” و”ألفابت” و”أمازون” و”ميتا بلاتفورمز” و”تسلا”، عن تباطؤ في النمو، إذ من المتوقع أن ترتفع الأرباح بنسبة 22%، مقارنة بمتوسط نمو الأرباح بنسبة 34% في عام 2024، عندما ارتفعت بقية شركات مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 4.5%، حسب “بلومبرغ إنتليجنس”.
التجارة والتعريفات الجمركية والضرائب
يتطلع المستثمرون أيضاً للحصول على نظرة متعمقة حول كيفية تأثير سياسات خفض الضرائب والرسوم الجمركية وتخفيف القيود التنظيمية التي ينتهجها الرئيس المنتخب دونالد ترمب على الشركات الأميركية. في حين تهدد بعض خططه بزعزعة التجارة العالمية وزيادة ضغوط التضخم، إلا أن سوق الأسهم ركزت بشكل أكبر على الجوانب الإيجابية لأجندة داعمة للنمو.
لكن نوع التخفيضات الضريبية التي يتم مناقشتها في واشنطن قد يقلص العبء الضريبي على مؤشر “إس آند بي 500” بنحو نصف المقدار الذي خفضته حزمة التخفيضات في عام 2017، وفقاً لما ذكره كاسبر من “بلومبرغ إنتليجنس”. وقال إن ذلك يشكل عقبة إضافية لتحقيق نمو كبير لربحية السهم المتوقع لمؤشر “إس آند بي 500” خلال الـ12 شهراً المقبلة.
ارتفاع الدولار في الآونة الأخيرة هو موضوع آخر مفتوح للنقاش، في حين أن ذلك قد يخفف من تأثير زيادة الرسوم الجمركية من خلال خفض تكاليف الواردات، إلا أنه قد يزيد الوضع سوءاً بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات عن طريق تقليل الطلب على الصادرات وقيمة الأرباح من الأسواق الدولية.
مراجعة الأرباح
يراقب المتعاملون مؤشراً رئيسياً يُعرف باسم زخم مراجعة الأرباح، وهو مقياس للتغيرات من الصعود إلى الهبوط في الأرباح المتوقعة لكل سهم على مدى الأشهر الـ12 المقبلة لمؤشر “إس آند بي 500”. لقد كان يحوم في المنطقة السلبية، وفقاً لبيانات “بلومبرغ إنتليجنس”، مما يشير إلى أن محللي “وول ستريت” يقلصون تقديراتهم مع اقتراب موسم إعلان الأرباح.
بالرغم من أن هذا لا يُعتبر أمراً غير مألوف، إلا أنه قد يُعد علامة مبكرة على تحول في التوقعات. على سبيل المثال، شهد زخم مراجعات ربحية السهم المستقبلية للقطاع التكنولوجي على مدى 12 شهراً تراجعاً في 11 من أصل 12 أسبوعاً الأخيرة، بسبب تخفيض تقديرات الأرباح لشركات أشباه الموصلات التي ارتفعت أسهمها كثيراً.
يُتوقع أن تشهد ثلاثة من أصل 11 قطاعاً في مؤشر “إس آند بي 500” تسارعاً في نمو الأرباح بمعدل في خانة العشرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، بما في ذلك خدمات الاتصالات والتكنولوجيا، إلى جانب مجموعات لم تحظَ بالكثير من الاهتمام سابقاً مثل الرعاية الصحية. من المتوقع أن يسجل قطاع الطاقة انكماشاً في الأرباح بنسبة تقارب 30% على أساس سنوي في الربع الأخير، وفق بيانات “بلومبرغ إنتليجنس”.
متابعة وتحليل هوامش الربح
سيراقب المتداولون عن كثب هوامش أرباح التشغيل للشركات بعد أن تباطأ التضخم من الارتفاع الذي شهده في فترة ما بعد الجائحة، مما خفف بعض ضغوط التكاليف. يتوقع المحللون أن تصل هوامش التشغيل للربع الأخير إلى نحو 16%، حيث إن أسوأ الفترات التي شهدت ضغوطاً اقتصادية قد انتهت، كما تتحسن التوقعات في الأرباع القادمة، حسب بيانات جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”.
موجة الأرباح في شركات أوروبا
التوقعات بالنسبة لأرباح الشركات الأوروبية أكثر تواضعاً، حيث تواجه القارة نمواً اقتصادياً ضعيفاً في الداخل ولدى الصين، وهي شريك تجاري مهم لشركات السلع الفاخرة والسيارات. يثير احتمال فرض التعريفات الجمركية الأميركية قلق الصناعات الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على التصدير في عام 2025.
من المتوقع أن تكون أرباح شركات مؤشر “ستوكس 600” قد ارتفعت بنسبة 3% فقط في عام 2024، مقارنة بزيادة نسبتها 8% لمؤشر “إس آند بي 500″، ومن المرجح أن تستمر أرباح الشركات الأوروبية في التخلف عن نظيراتها الأميركية خلال العام الحالي، وفق بيانات “بلومبرغ إنتليجنس”.
سينصب التركيز على شركات صناعة السيارات مثل “فولكس واجن” التي تواجه تهديدات ناجمة عن السياسات الحمائية، وفتور الطلب في الصين، بالإضافة إلى فقدان الحوافز الضريبية في الولايات المتحدة لبعض السيارات الكهربائية.
نتائج أعمال شركات السلع الفاخرة بما في ذلك “إل في إم إتش” (LVMH) و”كيرينغ” (Kering) المالكة لعلامة “غوتشي”(Gucci) ستكون بمثابة مؤشر على أنماط إنفاق المستهلكين. قال ليليان تشوفين، رئيس تخصيص الأصول في “كوتس” (Coutts): “الصورة العامة للأسهم الأوروبية هي أن بيئة النمو لا تزال زاخرة بتحديات كبيرة”.