تنفست وول ستريت الصعداء، بعد أن أدى تباطؤ مفاجئ في التضخم إلى ارتفاع الأسهم وانخفاض عائدات السندات، مما عزز الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي على المسار الصحيح لمواصلة خفض أسعار الفائدة هذا العام.
عوضت مؤشرات الأسهم خسائرها لعام 2025، حيث ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 2%، في أكبر تقدم له منذ الانتخابات الأميركية في نوفمبر الماضي.
ارتفعت سندات الخزانة، ما دفع العائد لأجل 10 سنوات إلى الانخفاض بمقدار 15 نقطة أساس، ما خفف المخاوف وصول معدل العائدات إلى 5% في الأفق المنظور. بالنظر إلى ردة الفعل، كان هذا أفضل يوم يصدر فيه مؤشر أسعار المستهلك للسوقين، منذ أواخر عام 2023، وفقاً لبيانات صناديق التداول التي جمعتها “بلومبرغ”.
بيانات التضخم
ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأميركي في ديسمبر بنسبة أقل من المتوقع، مما أعاد تنشيط الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة قبل الموعد المتوقع سابقاً. وعاد تجار المقايضة إلى التسعير الكامل لخفض أسعار الفائدة بحلول يوليو.
كان هذا تحولاً سريعاً، بعد أن حفزت بيانات الوظائف القوية يوم الجمعة، الرهانات على أن المسؤولين لن يتمكنوا من استئناف تخفيف السياسة إلا في سبتمبر أو أكتوبر. ناهيك عن بعض الرهانات على رفع أسعار الفائدة.
قال ستيف سوسنيك من شركة “إنتر آكتيف بروكرز” (Interactive Brokers) : “أدت المشاعر المتطرفة إلى تحرك قوي في السوق بعد صدور بيانات أسعار المستهلك. السبب المباشر لارتفاعات الأسهم والسندات اليوم، كان القراءة الأفضل من المتوقع لمؤشر أسعار المستهلك الأساسي على أساس شهري، لكن حجم الارتفاعات يعكس المشاعر المتوترة التي سادت الأسواق”.
بالنسبة لتينا أداتيا من “غولدمان ساكس”، فإن أحدث إصدار لمؤشر أسعار المستهلك لن يكون كافياً على الأرجح لإعادة طرح النقاش بشأن خفض أسعار الفائدة في يناير، ولكنه يعزز الحجة بأن دورة خفض أسعار الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي لم تنته بعد.
بيانات مشجعة للسوق
من جهته، قال كريس زاكاريلي من شركة “نورثلايت لإدارة الأصول” (Northlight Asset Management)، إن “انخفاض التضخم الأساسي سيشجع السوق، وهو ما من شأنه أن يخفف بعض الضغوط على أسواق الأسهم والسندات، والتي عانت من بداية سيئة هذا العام بسبب مخاوف التضخم، والقلق من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتوقف عن خفض أسعار الفائدة فحسب، بل قد يعكس مساره ويبدأ في رفعها”.
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.8%، ولحقه مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 2.3%، في حين أضاف مؤشر “داو جونز” الصناعي 1.7%. كما صعد مؤشر “بلومبرغ” لأسهم “العظماء السبعة” (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) بنسبة 3.7%، وتقدم مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة بنسبة 2%.
كما صعد مؤشر “كيه بي دبليو بانك” بنسبة 4.1% مع بدء موسم إعلان النتائج من جانب “سيتي غروب”، و”غولدمان ساكس”، و”ويلز فارغو”، و”جيه بي مورغان تشيس”.
ومع عودة روح المخاطرة إلى الظهور في السوق، انهار “مقياس الخوف” في السوق -VIX- إلى أدنى مستوى هذا العام. وقفزت سلة “غولدمان ساكس” لشركات التكنولوجيا الخاسرة بنسبة 3.2%، في حين أضافت مجموعة من الأسهم الأكثر بيعاً على المكشوف 3.8%. أما عملة “بتكوين” المشفرة، فاقتربت من مستوى 100 ألف دولار.
انخفض العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات بمقدار 15 نقطة أساس إلى 4.64%. ونزل مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري بنسبة 0.2%، وظلت أسعار النفط مرتفعة حتى بعد التوصل لاتفاق بين إسرائيل و”حماس” لوقف إطلاق النار، مما أدى على الأقل إلى وقف مؤقت للحرب في غزة.
احتمالات خفض الفائدة
على أقل تقدير، تتسبب أرقام التضخم الأخيرة في بعض عمليات تغطية المراكز القصيرة، وفقاً لستيف وايت من “بي أو كي”.
من جهته، اعتبر جون كيرشنر من “جانوس هندرسون إنفستور” (Janus Henderson Investors) إن “السوق مرتاحة مع ابتعاد احتمال رفع أسعار الفائدة، على الأقل حالياً، كما أن سوق السندات لن تحد من الارتفاع الهائل الذي شهدناه على مدار العامين الماضيين في أسواق الأسهم”.
في “إيفركور” (Evercore)، يقول كريشنا جوها إن قراءة مؤشر أسعار المستهلك تعزز الرأي القائل إن السوق “بالغت في تداول” قصة التضخم منذ بداية العام، بناءً على معلومات جديدة ومحدودة، ما يزيد من المخاطر”.
وأشار إلى أن “هذا يعزز السيناريو الأساسي لخفضين من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، مع إبقاء احتمال خفض في مارس مفتوحاً”.
أما إلين زينتنر من “مورغان ستانلي ويلث مانجمنت” (Morgan Stanley Wealth Management)، فإن مؤشر أسعار المستهلك الصادر يوم الأربعاء، لن يغير التوقعات بوقف مؤقت لخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا الشهر، لكن من شأنه أن يحد من بعض الحديث عن احتمال رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.
وأضاف أنه “وبالحكم على الاستجابة الأولية للسوق، بدا أن المستثمرين يشعرون بالارتياح بعد بضعة أشهر من قراءات التضخم الأكثر ثباتاً”.
وقال راجيف شارما من شركة “كي ويلث” (Key Wealth)، إن البيانات توفر بالفعل راحة للأسواق، بعد أن جاءت متوافقة إلى حد كبير مع التوقعات. ومع ذلك، فإنها “لا تشكل أخباراً جيدة كافية لكي ينسى بنك الاحتياطي الفيدرالي قوة سوق العمل، وبالتالي، لا ينبغي أن تكون كافية لكي تبدأ السوق في توقع عدد أكبر من تخفيضات أسعار الفائدة لعام 2025”.
انتظار مزيد من البيانات
ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي -الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة- بنسبة 0.2% في ديسمبر. وكان هذا أول تباطؤ في المعدل في ستة أشهر. منذ عام مضى، ارتفع المؤشر بنسبة 3.2%، ولا يزال أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
يعتقد أليسون بوكسر من شركة “باسيفيك إنفستمنت مانجمنت” (Pacific Investment Management Co) إنه “سيكون من السهل على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن لا يحرك أسعار الفائدة في الوقت الحالي، وينتظر المزيد من البيانات ووضوح السياسة المالية”.
وأضاف: “نتوقع أن تكون هذه هي الرسالة التي يهدف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إيصالها في اجتماع يناير”.
بعد أشهر من القراءات المرتفعة، يساعد تخفيف مؤشر أسعار المستهلك في إعادة النقاش بشأن التقدم المحرز في مكافحة التضخم، لكن المسؤولين سيحتاجون إلى رؤية سلسلة من القراءات الخافتة لإقناعهم.
ساهمت ضغوط الأسعار المتبقية في عمليات بيع عميقة في أسواق السندات العالمية، وأثارت المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي خفف السياسة بسرعة كبيرة في نهاية العام الماضي.
أعرب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز عن ثقته في أن التضخم سيستمر في التراجع، من دون تقديم أي تلميحات بشأن توقيت التخفيضات الإضافية.
وقال نظيره في ريتشموند توم باركين، إن البيانات الجديدة تظهر استمرار التقدم في خفض التضخم، لكن الأسعار يجب أن تظل مقيدة. وأشار أوستن جولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إلى البيانات باعتبارها تدعم توقعاته لتخفيف ضغوط الأسعار.
احتمال تقلب الأسواق
اعتبرت سيما شاه، كبيرة الاستراتيجيين العالميين في “برينسيبال أسيت مانجمنت” أنه “بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذه البيانات بالتأكيد ليست كافية لخفض أسعار الفائدة في يناير”.
وأضافت: “إذا كانت قراءة اليوم مصحوبة بقراءة ضعيفة أخرى لمؤشر أسعار المستهلك الشهر المقبل، بالإضافة إلى ضعف في بيانات الرواتب، فمن الممكن إعادة النقاش بشأن خفض لأسعار الفائدة في مارس”.
كما أشارت إلى أن النتيجة الرئيسية قد تكون “تقلب” الأسواق مع صدور البيانات القادمة، مع سعي المستثمرين إلى رواية يمكنهم الشعور بالراحة معها لأكثر من بضعة أيام في كل مرة.
بالنسبة لسوليتا مارسيلي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management)، فلا تزال تخفيضات الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي مطروحة على الطاولة، حيث من المتوقع أن يتباطأ التضخم خلال الأشهر المقبلة.
وأشارت إلى أن “قوة الاقتصاد تظل عاملاً داعماً لنمو أرباح الشركات عند المستوى الحالي للعائدات”، مضيفةً: “بينما قد تجعل التقلبات رحلة إس آند بي 500 غير مريحة، قبل أن يصل إلى هدفنا في نهاية العام عند 6600 نقطة، نتوقع أن تستمر سوق الأسهم الصاعدة، وتحافظ على تصنيفنا (الجذاب) للأسهم الأميركية”.
في “نايشن وايد” (Nationwide)، يقول مارك هاكيت إن بيانات التضخم المشجعة “تغري المراهنين على ارتفاع الأسعار للدخول إلى السوق، عوضاً عن البقاء على الهامش”.
وأضاف أن “مستثمري الأسهم أصبحوا حساسين بشكل متزايد للتحركات في سوق السندات، مع التركيز الشديد على الأسعار والتضخم وسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي”. وتابع: “سوف يتحول التركيز الآن إلى الأرباح، والتي كانت بمثابة رياح معاكسة في الأرباع الأخيرة، حيث دخلنا موسم الأرباح بتوقعات مرتفعة. ونظراً للضعف الذي شهدناه خلال الشهر الماضي، فقد تحسنت احتمالات حدوث مفاجأة إيجابية في موسم الأرباح هذا”.