مليارات الشرق الأوسط تتصدر المشهد في دافوس

استضاف المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” فعالية فخمة نظمها صندوق الثروة السيادي القطري، البالغة قيمته 510 مليارات دولار، وجذبت أبرز شخصيات وول ستريت.

شارك في الحدث شخصيات بارزة مثل ستيف شوارزمان من شركة “بلاكستون” (Blackstone) وكولم كيليهر من “يو بي إس غروب” (UBS Group AG). كما حضر الملياردير روبرت سميث، بينما أجرى وزير الاستثمار السعودي محادثات مع ملياردير قطاع التجزئة الخليجي يوسف علي. حتى أن لاعب كرة القدم البريطاني ديفيد بيكهام التقط صوراً شخصية مع الحاضرين.

هذا الحدث المسائي، الذي يُعد واحداً من الأحداث القليلة في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي التي لم يُقدم فيها الكحول، كان أحدث مؤشر على زيادة اهتمام قطاع المال بتوسيع وجوده في الشرق الأوسط. فعلى مدار العامين الماضيين، اتجه المصرفيون من جميع أنحاء العالم إلى الرياض والدوحة وأبوظبي ودبي سعياً لكسب الأعمال من الحكومات والمستثمرين الذين يديرون بعضاً من أكبر صناديق الثروة في العالم.

لكن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تقليص الميزانيات في هذه المنطقة الغنية بالنفط، مما جعل حكومات الشرق الأوسط أكثر حرصاً على متطلباتها تجاه الشركات الأجنبية التي تتعاون معها. ومع ذلك، أكد العديد من المشاركين في دافوس بأنهم لا يزالون يراهنون بشكل كبير على المنطقة.

قال فيليبو غوري، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية العالمية ورئيس عمليات “جيه بي مورغان تشيس آند كو” في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: “عند النظر إلى الجنوب العالمي، تبدو منطقة الشرق الأوسط فائزاً واضحاً باستثناء بعض الأحداث الجيوسياسية”. وأضاف: “نبحث عن فرص لمواصلة التوسع في المنطقة والاستفادة من قاعدة العملاء المتنامية لدينا”.

“رؤية 2030” السعودية تلفت أنظار دافوس

على أحد جانبي المنتدى الاقتصادي العالمي، كان هناك جناح رئيسي يُعرف بـ”البيت السعودي”، والذي عرض رؤية 2030 الطموحة لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة. وعلى الجانب الآخر، برز مبنى يروج لإحدى كبرى شركات النفط السعودية.

على طول الممشى الرئيسي في دافوس، تنقل الحاضرون بين أجنحة أُقيمت لاستعراض فرص الاستثمار في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب عرض كفاءة نظام الرعاية الصحية في قطر.

في مساء الثلاثاء، زار رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير “البيت السعودي” برفقة حراس أمن. وأمضى حوالي 30 دقيقة يتجول بين الأجنحة التي عرضت مشاريع السياحة والبنية التحتية، ثم تفقد قطعاً يدوية مثل المزهريات والأواني الفخارية المعروضة بالقرب من جدار يبرز بعض أهداف رؤية 2030 مكتوبة بأحرف فضية كبيرة.

وقالت جيني هيبرت، الشريكة الإدارية العالمية في شركة التوظيف “هايدريك آند ستراغلز” (Heidrick & Struggles)، التي حضرت المؤتمر للمرة السادسة هذا العام: “أدهشني مدى التركيز الكبير على الشرق الأوسط”.

مرحلة مفصلية في الشرق الأوسط

يأتي المنتدى في مرحلة مفصلية بالنسبة لدول الخليج التي يشهد معظمها تطورات كبيرة.

ففي إطار رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإعادة تشكيل اقتصاد أكبر مُصدر للنفط الخام في العالم، تسعى المملكة إلى إنفاق مئات المليارات من الدولارات على مشاريع عملاقة جديدة مثل “نيوم”، والسيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات. بينما يُتوقع أن تشهد الميزانية عجزاً خلال الأعوام القليلة المقبلة، مما يعني أنها قد تعتمد بشكل أكبر على الاقتراض.

يواجه مشروع “نيوم” تحديات من ضمنها ضبط ميزانية الإنفاق. وفي حين كانت السعودية واحدة من أكبر مصدري السندات في الأسواق الناشئة العام الماضي، بدأت البلاد عام 2025 بجولة اقتراض تجاوزت قيمتها 21.5 مليار دولار لتمويل خطتها للتحول الاقتصادي.

ورغم استمرار السعودية في الاعتماد على ثروتها لتعزيز حضورها العالمي، فإنها تولي أيضاً اهتماماً متزايداً بنمو اقتصادها. وحفزت الحكومة الشركات الدولية على تعزيز وجودها المحلي بدل فقدان فرص الأعمال معها. وأقله حتى الآن، لم تتفاعل وول ستريت بشكل كبير مع ذلك.

وقال فيليبو غوري من “جيه بي مورغان”: “إلى جانب تصدير رأس المال عالمياً، تحتاج المنطقة أيضاً إلى كميات هائلة من رأس المال لتلبية احتياجاتها من البنية التحتية والاستثمارات الأخرى، مما يوفر لنا فرصة جيدة للعب دور أكثر تأثيراً”.

وتدير الصناديق السيادية الخمسة الكبرى في الخليج نحو  4 تريليونات دولار من الأصول. وبحسب تقرير شركة “غلوبال إس دبليو إف” (Global SWF)، استثمرت خمسة صناديق ثروة سيادية تابعة لكل من أبوظبي وقطر والسعودية إجمالي 82 مليار دولار في عام 2024.

الإمارات تبرز جهودها في المنتدى

استفادت دول الخليج من المنتدى لإبراز جهود مدنها لتصبح مراكز عالمية. وأرسلت الإمارات أكثر من 100 قائد من القطاعين الحكومي والخاص إلى المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام. كما شارك كبار المديرين التنفيذيين من صندوق الثروة السيادي التابع لإمارة أبوظبي “مبادلة للاستثمار”، الذي يدير أصولاً بقيمة 330 مليار دولار، ومن بينهم الرئيس التنفيذي خلدون المبارك ونائبه وليد المقرب.

وفي جناح الإمارات، كان أمام الزوار خيار تناول الشوكولاتة الساخنة أو الشاي الإماراتي مع الكرواسون. كما تم توزيع هدايا تذكارية تضمنت حلويات شرق أوسطية ووشاحاً.

هذا الأسبوع، يمكن للمارة أيضاً زيارة جناح قطر واختيار مواضيع محددة لاستكشافها من خلال اختيار كتب بلاستيكية ووضعها أمام شاشات ضخمة. وتضمنت المواضيع البنية التحتية وجودة الحياة والنظم البيئية المواتية للأعمال التجارية.

تعزيز القوة الناعمة للخليج

تسعى دول الخليج أيضاً لتعزيز قوتها الناعمة من خلال استضافة الأحداث الدولية الخاصة ولعب أدوار سياسية أكثر بروزاً على الساحة العالمية. فقد كان بيكهام سفيراً لكأس العالم لكرة القدم في قطر خلال عام 2022.

وسارع بعض قادة الخليج إلى تسليط الضوء على تأثيرهم الدولي، حيث تحدث رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي قاد وفد بلاده في منتدى هذا العام، عن دور بلاده في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. فيما أشار ريان فايز، نائب الرئيس التنفيذي لـ”نيوم”، إلى أن المشروع يهدف إلى ترك تأثير يتجاوز حدود السعودية.

وقال فايز خلال فعالية أُقيمت يوم الثلاثاء: “كل ما نقوم به لم يعد يقتصر على بلد أو منطقة محددة. هذه هي الطموحات التي تسعى لها المملكة”.